لطالما سمعت كلمة سياسة منذ نعومة أظافري , وكنت لا أعرف معناها , سيقول أحد القراء وهل كان أحد يعرف أو يتكلم بها في زمن الطاغية !, لا ياعزيزي , السياسة التي أتكلم عنها سياسة من نوع خاص ومباحة في كل الأنظمة , وهي سياسة المنزل !, والمنزل هو الدولة المصغرة التي نعيش أحداثها كل يوم .
تبدأ معرفتي بالسياسة من مجرد كلمات عابرة كنت أسمعها من والدي حين يتكلم مع والدتي , التي كانت تعقد معه أجتماعها الدوري كل مساء لتخبره بما حصل ليومها القاسي , حيث كنا نسكن في بيت ( جدي رحمه الله ) والد أبي, وكان بيت العائلة يضم ثلاث أخوة ( عمامي ) عمي الأكبر ووالدي الأوسط وعمي الأصغر , حيث أن والدتي هي ( الغريبة ) , ونساء أعمامي ( خوات ) .
وهنا يبدأ الصراع بين نساء ( عمامي ) ووالدتي بأعتبارها لا تنتمي لهم , فكانت تخبر والدي أنهم يعاملوها بقسوة وتهكم وينظرون لها نضرات ( حقد ) في بعض الأحيان منذ أن تزوجها , وأصبح الوضع لايطاق , فيجيبها والدي : ياعزيزتي ( أخذيهم بالسياسة ) , فتقول والدتي كيف ( آخذهم بالسياسة ؟ ) , فيبتسم ويقول لها تصرفي معهم عكس مايفعلون !, يعني أذا كنتي مستائة منهم تصرفي على أنك غير مستائه أصلا” وأجعلي الأبتسامة لاتفارقك أمامهم , وساعديهم في أمورهم الخاصة , وتكلمي معهم دائما”, وحاولي التقرب منهم شيئا” فشيئا” حتى وأن كنت غير راضية عنهم في داخلك !, فتتعجب والدتي وتقول كيف افعل هذا فأنا غير مقتنعه وهم ( يغثوني ) بتصرفاتهم !, فيقول والدي نعم السياسة تتطلب ان تتمتعي بصدر رحب ( وخلك ) وتقدمي التنازلات أمام الأغلبية !, فهم أغلبية وأنتي وحدك ! وسينتصرون عليك أذا دخلتي في حرب معهم , هنا تقول والدتي هم يضايقون ولدي ولا يحبوه ( يكرهوه )! , فيقول والدي الست تضربيه في بعض الأحيان أذا أساء ؟ فتقول نعم أفعل , فيقول لها دعيهم يقوموا بالمهمة وأعتبريه أبنهم ! وحتى اذا ضربوه فهم ليسوا بغرباء فهم أهله ! فلا يهم أذا صرخوا عليه أو ( طردو من الغرفة مالتهم ) , ويعود لمفردته التي لاتفارق لسانه ويقول وهذه ايضا” سياسة !, وهنا يقترح على والدتي مقترح جميل ويقول لها : سأبادر الى وضع ميثاق سلام بينك وبين نساء أخوتي ( بطريقتي ألخاصة ) , ولكن عليك أن تسيري على ضوء المبادرة ! وبشرط أن تتحملي كل التبعات ! هنا بعد ( صفنة طويلة ) تهز رأسها والدتي بالايجاب .
وفي الصباح بعد مباحثات طويلة من الليلة الماضية , تجلس العائلة مجتمعة ككل يوم على مائدة الأفطار ( واللمة العراقية الحلوة ) , فيقول والدي بكل هدوء وأبتسامة عريضة ( الله لايحرمنه من هاللمة الحلوة ) , ثم وجه الكلام الى نساء ( عمامي ) البارحة لم تنفك (أم محمد) من مدحكن حتى تصورت أنكن أعز على قلبها مني !, فهنيا” لكن هذا الحب , هنا تعلو علامات التعجب على وجوههن !!, ولم أسمع ألا همسات ( وأحنة شعدنه غير العزيزة )!! , بعد أنتهاء الفطور ذهب الرجال الى أعمالهم , وأذا بالنساء تتقرب من والدتي تدريجيا” والأسلوب تغير تماما” , وساد جو من الألفة والمحبة وكأنهن أحسن بضلمهن لوالدتي !, لأنها كانت لاتخبرهن بأستيائها منهن بل تخبر والدي فقط ! .
وبعد تجربة السياسة الناجحة ونجاح ( الخطة ) أستمرت العلاقة رائعة جدا” بين النساء وتغير كل شيء جذريا” ( حت أنام بغرفتهم ميحجون وياي ) , وأصبحت والدتي تجلب لهن الهدايا عندما تذهب الى ( الزيارة) أو التسوق , وهن يفعلن المثل , وأصبحت أختهن الثالثة , ويعود الفضل هنا الى صاحب المبادرة الرائعة والسياسي المحنك ( والدي ) .
أستنتج من هذه السياسة الرائعة أن أساس التآلف والحب والعيش تحت سقف واحد هو المبادرة , وتقبل المبادرة , والحوار , وتقبل الآخر , وتقديم التنازلات , ونبذ الخلافات البسيطة , ومراعاة المصلحة العامة, وزرع الكلمة الطيبة , لكي يتم تجنب التفكك الأسري والأنقسام , وأتمنى أن تطبق هذه السياسة ألبسيطة في بلدي الحبيب العراق , لكي نتجنب الأنقسام , والقتل من قبل الأرهاب الكافر , ونقارب في وجهات النظر , ونجعل من العراق بيت كبير نعيش تحت سقفه بحب وأمان , ويجب أن نستمع لمن يبادر لتوحيد كلمة العراق ولم شملهم وتطبيق هذه المبادرة .