22 سبتمبر 2025 12:40 م

رواية “وكل الحياة أمامنا”.. أوليفييه آدم:

رواية “وكل الحياة أمامنا”.. أوليفييه آدم:

تجذبنا رواية “وكل الحياة أمامنا” Et toute la vie devant nous بعنوانها المنحوت من الحنين، والذي يُشير إلى سنوات المراهقة. وبالفعل، نحن في عام ١٩٨٥، مع بزوغ فجر صداقة جديدة. كان بول وسارة جارين في شارع سيكومور في جوفيسي، قبل أن يصبحا صديقين. أما أليكس فهو صديق سارة منذ زمن طويل. تنشأ بين الثلاثة رابطة قوية، يقضون أوقات ما بعد الظهيرة في المجمع السكني، يتبادلون أطراف الحديث على أنغام موسيقى ذلك العصر. هذه الصداقة، التي يبدو أن لا أحد ينوي قطعها، ستتقوض بسبب حادث يتحول إلى مأساة.

سيظل ثلاثتهم صامتين حتى عام ٢٠٢٥، حين يروي بول وسارة قصصهما. هذا هو بناء الرواية الذي اختاره أوليفييه آدم: يستجيب “الأنا” لـ”الأنت” في استحضار الذكريات. يروي بول وسارة قصة صداقة تمتد عبر الزمن، قصة أوهام وأحلام وجراح حميمة وخيبة أمل. بعد مرور أربعين عاما، هناك الكثير مما يمكن البوح به… إنها لحظة في الحياة لم يعد يملك فيها أحد منهما طاقة الكتمان. حان الوقت للنظر فيما عاشاه.

سارة وبول يتحادثان، يقاطعان بعضهما بعضا أحيانا، يضحكان، أو يبكيان ذكريات لم يمحها الزمن. تقول سارة: “ما زلت أتذكر كل شيء، حتى أدق التفاصيل”. يجيبها بول: “إنها ذكريات، هذا كل شيء. وليس لديّ الكثير منها مثلك. بالنسبة لي، كل شيء ضبابي دائما. تعلمين أن ما نسيته، أعيد اختراعه. أملأ الفراغات. أصلح”. أما أليكس، فهو لا ينتمي إلى التركيبة متعددة الأصوات لرواية “وكل الحياة أمامنا”. خيار يثير التساؤلات. ومع ذلك، فهو حاضر في كل مكان. “أول مرة تحدثنا فيها، كانت منذ أربعين عاما. وبالفعل، كان أليكس هناك، بيننا، أو معنا، منذ اليوم الأول”.

رحلة عبر الزمن تُثير الحنين بشكلٍ لافت؛ ستجد فيها مراهقتك بأكملها (أو تقريبا، حسب عمرك) وأحلامك. الحاجة للتعبير عن نفسك من خلال جميع أشكال الفن: الكلمات، المسرح، الموسيقى. لا نأخذ الأمور على محمل الجد في سن السابعة عشرة، لكننا نحلم أحلاما كبيرة! في جميع روايات أوليفييه آدم التي قرأتها، أُعجبت بأسلوبه البسيط في الحديث عن المشاعر، وبراعته في وضع شخصياته في عصر يُحيي ذكرياتنا ويُداعبها. السنوات التي اختارها تُخاطب ذكرياتي: عادت بسهولة إلى ذاكرتي الأغاني التي أشعلت حماسي أيام مراهقتي، والمؤلفات التي كنت أطالعها.

رواية “وكل الحياة أمامنا”، المفعمة بالكآبة، هي أيضا لوحة جدارية اجتماعية، وقبل كل شيء، شكل من أشكال التأمل في الذكريات والتذكر. عندما يتذكر شخص كل شيء بدقة مذهلة، يملأ الآخر الفراغات. تميل شخصيات أوليفييه آدم إلى إعادة بناء الماضي، بين الواقع والخيال، وأحيانا إلى إعادة اختراع الحقائق. تتشابك الحيوات، وتُبنى الروابط ثم تتلاشى مع مرور السنين.

عندما يصل المرء إلى سن الرابعة والأربعين، مثلي، وبعد تقييم تجاربي، أجد أنه ما تزال هناك أشياء يمكن قولها والشعور بها، والعيش فيها، على الرغم من المثل العليا المخيبة للآمال، والأحزان الكبيرة التي خبرتها، والشعور الساحق بالذنب.

أيامٌ حزينة، مواجهة حقيقتنا، ذكرياتٌ لا تسكت، وتساؤلاتٌ لا تنتهي تُنهك صحتنا النفسية. وبهذا المعنى، بعد نصفٍ أولٍ من هذه الرواية جعلني أنغمس في شبابي الأول، وجدتني أجرّ إلى حالةٍ حقيقيةٍ من اليأس. اجتاحني حزنٌ لم أستطع التخلص منه حتى النهاية. لا شكّ أن هذه الرواية قد أيقظت ذكرياتٍ مؤلمة، ومعارك خاسرة، وصداقاتٍ مُحطّمة. عاد هذا التذكير المؤلم بالواقع كالبَمرَنْغ، وولّدت الرواية قلقا انتشر في مساحتي الحيوية.

في الواقع، بدت لي رواية “وكل الحياة أمامنا” نصا عن الإرهاق العاطفي الذي عاشه من خبروا تجارب شبيهة بتجاربي: إرهاق الثقة والخداع، إرهاق المعارك التي لم تُحسم، إرهاق الذكريات التي تُؤرق الحاضر. لطالما كان من الصعب عليّ عيش اللحظة الراهنة… فالماضي دائما ما يعود إلى الظهور ويؤثر عليّ بشدة. جرفني أوليفييه آدم بهذه الرواية، ربما رغما عنه، إلى القاع. خرجت من هذا النص منهكا، مُحبطا، ومتأثرا بشدة. ربما لأني قرأته في لحظة ضعف، في لحظة كنت أشعر فيها بالقلق، وبالضيق تقريبا.

“وكل الحياة أمامنا” تُشبه إلى حد ما لقاءات أصدقاء المدرسة القدامى، الذين يجتمعون بعد سنوات للحديث عما أصبحوا عليه، يبسطون حياتهم بسهولة للتفاخر بنجاحهم، متجاهلين في كثير من الأحيان المعارك التي خاضوها والمعارك التي خسروها. الأمر المؤكد هو أنه بعد قراءتي لهذه الرواية، قد يحدث أن أنسى طرفا من تفاصيلها في المستقبل، ولكنني لن أنسى أبدا الأحاسيس التي راودتني بسببها، أو الحالة النفسية التي وضعتني فيها. بعد تأمل دقيق، يمكنني القول: يُمثل هذا النص خريطة لخيبة الأمل، وشكلا من الحزن، وجرحا لم يُشفَ. ومع ذلك، أحببت الذكريات الموجودة في الرواية، واستحضار أحاديث قديمة، والأماكن التي تروي قصصا…

يعيدك هذا النوع من النصوص إلى ذاتك، تلك الذات التي قد تفضل أحيانا تنحيتها جانبا، مقابل المزيد من الرومانسية. إنها مسألة وقت، مسألة قراءة، وكذلك مسألة حياة. نرغب أحيانا في المضي قدما، والتوقف عن النظر إلى الماضي، وترك تيار الذاكرة ينهار على صخور بعيدة عنا.

كتابة أوليفييه آدم شاعرية، مؤثرة للغاية، وتحتضن ببراعة شظايا حياة شخصياته. إنه يجيد التعبير عن الفجوة بين الأجيال، ويضع مرآةً لبول وسارة ليتمكنا من سرد قصصهما. هناك بالتأكيد نورٌ في رواية “وكل الحياة أمامنا”، لكنني لم أستطع رؤيته لأن قراءتها أثرت سلبا في نفسيتي.

عنوان الرواية مُستفزّ بعض الشيء، وقاسٍ بعض الشيء… في الرابعة والأربعين من عمري، يُخبرني العقل بأن مُعظم حياتي قد ولَّت. يبقى السؤال: ماذا أفعل بالأعوام التي ما تزال أمامي؟ وفي أي ظروف سيُسمح لي بعيشها؟ لقد تآكلت مُثُلي العليا بفعل الحياة، وأصبح العالم مُظلما وكئيبا للغاية، ولم أعد أؤمن برحمة الإنسان… هل ما زلتم في حالة معنوية جيدة؟

من الممكن ألا تكون رواية “وكل الحياة أمامنا” قد أحدثت التأثير المنشود فِيَّ، لكنني مجرد قارئ واحد من بين قراء كثر. من هنا، فإن الأمر متروك لكم لتجربوه.

أحدث المقالات

أحدث المقالات