ما زال هناك الكثير ليقال حول الفساد في عراق اليوم، واليات منعه ومواجهته عموديا وليس افقيا، فالحقيقة الماثلة للعيان اليوم ان المحاصصة تمثل أحد أبرز أوجه الفساد السياسي، والظرف الأبيض لمرشحي رئيس الوزراء العبادي من التكنوقراط واجه مستحقات هذه المحاصصة بأقسى نموذج لها .
ومشكلة الكثير من الناشطين المدنيين او العاملين في الهيئات الرقابية العراقية عدم تدوير وثائق المنظمات الدولية ومنها وثائق اجتماعات الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي دعت خلالها المنظمة العالمية لبرلمانيين ضد الفساد الى تجريم الفساد السياسي بكونه جريمة ضد الإنسانية !!
السؤال الابرز : ما مسؤولية الجهات الرقابية العراقية وهي تمثل بلدها في هذه الاجتماعات وهي تعلن بان العراق قد استجاب لمتطلبات هذه الاتفاقية فيما لا تكشف عن حقائق هذه الحملات للراي العام والتي تدار على خط مواز لهذه الاجتماعات، ربما كانت وفود هذه “الجهات الرقابية” في مهمات ” رقابية ” أخرى خارج قاعات اجتماعات هذه المؤتمرات!!
ربما يقول قائل بان هذه منظمة برلمانية دولية ، فهل تصريحات لجنة النزاهة البرلمانية تتماهى مع تقاريرها التي تجعل الفساد السياسي جريمة دولية وهي ترتكب يوميا في العراق ، وهل تتصور الجهات الرقابية العراقية ان مثل هذه القرارات الدولية والدعوة التي اطلقت لمواجهة الفساد السياسي عبر حملة ((# تجنّب_محاكمة_تجميد)) وما زالت تقاريرها تصدر كان اخرها تقريرها عن نشاطاتها لعامي 2014 و2015 ، والعراق مثبت في هذا التقرير بانه عضو في هذه الحملة الدولية ، بما يؤكد ان هذه الهيئات الرقابية “المستقلة ” ولجنة النزاهة البرلمانية ، لم تبادر أي منهما الى تثقيف الراي العام العراقي بماهية مثل هذه الحملات المناهضة للفساد السياسي، حتى ثار الشعب وقال قولته في اعتصامات بوابات المنطقة الخضراء وتظاهرات ساحة التحري، وربما المقبل سيكون ” شلع قلع “!!
تؤشر هذه الحملة وفقا لوثائقها باللغة العربية على موقعها الالكتروني ((-http://gopacnetwork.org/ar/programs)) ان “بعض أشكال الفساد الخطرة تتفشى في المجتمعات والتي قد تكون آثارها على الحياة البشرية وحقوق الانسان ورفاهيته كارثية لدرجة انها قد تشكّل صدمةً بالنسبة الى ضمير الأسرة الدولية الأمر الذي يدعو الى تعبئة إرادة الأمم وبذل الجهود من أجل العمل عبر الحدود على مكافحتها”.
ومن أجل محاربة آفة الفساد هذه، كلفت المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد بالإجماع من قبل أعضائها العمل على إثبات أن الفساد السياسي هو جريمة في القانون الدولي، ما يتيح للمؤسسات والتحالفات الدولية القبض على المذنبين ومقاضاتهم ومحاكمتهم وإصدار أحكام بحقّهم. وقد تمّ الإعلان عن هذا التفويض خلال المؤتمر العالمي الخامس للبرلمانيين ضد الفساد الذي انعقد في مانيلا، في الفلبين، في شباط/فبراير 2013.
ويضيف التقرير “وفي أعقاب المؤتمر العالمي، عملت المنظمة مع فروعها وشركائها الدوليين على تطوير الخيارات التي تتيح لها الاضطلاع بالتفويض الذي منحها إياه أعضاؤها. وفي خريف العام 2013، نشرت المنظمة ورقة مناقشة تسلّط الضوء على هذه الخيارات. وقد جرى توزيع هذه الوثيقة بشكل واسع على أعضاء المنظمة والبرلمانيين والمراقبين والشركاء، سعياً لجمع آرائهم حول الحلول القابلة للتطبيق من أجل مقاضاة مرتكبي أسوأ أشكال الفساد”.
كما أطلقت المنظمة، في السابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2013، نقاشاً معمّقاً حول هذه الخيارات خلال منتدى البرلمانيين، الذي هو حدث موازٍ للمؤتمر الخامس للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الذي انعقد في مدينة بنما، بنما. وقد نجم عن هذا النقاش إعلان شجاع تعهّد فيه أعضاء المنظمة القيام بما يلي:
* تشجيع الدول على سنّ وتنفيذ قوانين تدرج جرائم الفساد السياسي تحت سلطة القضاء العالمي ، ضمن صلاحيات وكالات إنفاذ القانون الوطنية والمدّعين الوطنيين والمحاكم الوطنية،
* تشجيع المحاكم الإقليمية على القبول بصلاحية محاكمة جرائم الفساد السياسي التي ارتُكبت في منطقة مسؤوليتها الجغرافية وعلى تنفيذها،
* تشجيع الدول والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية على اعتبار جرائم الفساد السياسي جرائمَ ضد المجتمع البشري برمّته وهي تنتهك القواعد الآمِرة والقانون الدولي
* تشجيع الدول والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية على الاعتراف بأن جرائم الفساد السياسي هي جرائم ضد الإنسانية
* تشجيع الدول والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية على تطوير آليات دولية إضافية من أجل القبض على مرتكبي جرائم الفساد السياسي ومقاضاتهم ومحاكمتهم وإصدار أحكام بحقّهم.
كل ما تقدم يطرح السؤال الجوهري، هل يبقى الفساد السياسي في محاصصة السلطة محورا لسرقة المال العام، والفضائح تتوالى على الهيئات الرقابية لعل من أبرزها اليوم فضائح وثائق بنما والتحقيقات الاستقصائية حول جولات التراخيص النفطية، ومن يدري غدا ما يظهر في وسائل الاعلام، وكل ذلك يجدد التأكيد على ان المنظمات الدولية تربط مساعداتها للعراق بحل معضلة الفساد السياسي فيه،وهذا ما قاله جون كيري وزير الخارجية الأميركي في زيارته الأخيرة لبغداد بلسان عربي فصيح… ولله في خلقه شؤون !!