ينقل لنا التأريخ الحسيني أنه حينما كان الإمام الحسين عليه السلام قادما للعراق مع أهل بيته وأصحابه ، وصل إلى منطقة خالية من آبار، كان فيها خيمة وهب بن عبد الله بن الكلبي النصراني، وكان حديث عهد بالزواج، وكان يخرج صباحا ليعود في المساء محملا بالماء لعائلته.
توجه الإمام الحسين إلى تلك الخيمة ونادى يا أمة الله، خرجت من تلك الخيمة امرأة عجوز تسمى (ام وهب) فرحبت بهم…
قال لها الإمام أين ولدك وهب؟ فردت عليه خرج كعادته ويعود في المساء محملا بالماء، فقال لها الإمام حينما يعود قولي له عليك بتصديق الرؤيا، وبمجرد أن ترك الإمام مكانه الذي كان يقف فيه وإذا بعين ماء قد انفلقت من تحت قدميه، تركها الإمام وتوجه بركبه نحو كربلاء، حينما عاد وهب إلى أهله وشاهد العين سأل أمه عن الخبر، فقالت له ولدي كأنما المسيح عيسى قد زارنا هذا اليوم، فقد سأل عنك وقال عليك بتصديق الرؤيا.
عند ذلك بكى وهب، وقال يا أماه لقد رأيت في المنام هذه الليلة روح الله عيسى وكان بجانبه رجال عليهم الهيبة والوقار وكأنهم الشمس بجمالها وهيبتها، فقال لي المسيح يا وهب هل أنت من أمتي؟ قلت نعم، فقال اعلم إن الذي يقف بجنبي هو محمد رسول الله وخاتم الأنبياء وأشرف الخلق، وهذا الثاني هو علي بن أبي طالب وصيه وخليفته وزوج أبنته، وهذا الثالث هو ريحانة رسول الله إنه الحسين بن علي، يا وهب عليك أن تنصر الحسين غدا في كربلاء، واعلم بأنك معه في الجنة، وأن اسمك مع الأبرار، وقد ناولني صحفية قد كتب بها اسمي ثم أفقت من النوم الآن وأنت تخبرينني بما حدث، يا أماه الذي مرَّ بك اليوم هو الحسين بن علي بن أبي طالب.
ذهب وهب الى الحسين ثم عاد مسرعا ووجهه متهللا مستبشرا واخبر أمه بانه اسلم على يد الحسين، وقرَّر الالتحاق به والقتل بين يديه…
وهب لم يرَ الحسين، ولم يلتقِ به لكنه، قرَّر الالتحاق به ونصرته بعد أنَّ تيقن أن بالدليل والبرهان الذي ذكرته له أمه هو الحسين بن علي الذي أشار اليه عيسى في الرؤيا وطلب منه نصرته وبشره بالجنة.
قصة وهب والأسباب التي دفعته للالتحاق بالإمام الحسين عليه السلام تمثل صورة نقية من صور وحدة وتوحيد الأديان، فوهب النصراني يؤمن بأن الديانات السماوية واحدة لا تنافي ولا اختلاف ولا تضاد بينها، و أنَّ اللاحق منها يصدق السابق وهذا يبشر باللاحق، ويؤمن بأن نبي الاسلام محمد هو خاتم الأنبياء وأن موسى وعيسى ومحمد من ولد براهيم رسل الرب، والرؤيا التي رآها تكشف عن ذلك.
ان عقيدة الايمان بوحدة الأديان عقيدة إلهية ثابتة لكن هذه العقيدة التي من شأنها أن تعزز قيم المحبة والتعايش السلمي والسلام تم اهمالها، بل تغييبها -الا عند الاندر- فكانت من أخطر المساوئ الناجمة عن ذلك هو اظهار الديانات السماوية على أنَّها دياناتٍ مُتنافرةٍ متصارعةٍ يُنكر بعضُها بعضًا، ويُكفِّر بعضُها بعضًا، فكلُّ أتباع دينٍ بما لديهم فرحون!!! في حين أنَّ الديانات كلها صادرة من أصل الهي واحد، وهذا بدوره انعكس سلبًا على سلوك ومواقف الناس، فأدى الى تفشي التطرف والإرهاب وانحسار السلام، وانخراط الكثير في ركب الالحاد بعد أن نفر من الدين.
البشرية اليوم المُعذبة بجحيم التطرف والإرهاب بأمسِّ الحاجة الى العودة الى تلك العقيدة الإلهية لتحقيق العدل والسلام، فبادر الأستاذ المُعلم الصرخي الى إحيائها وتفعيلها، فطرح بحثه الموسوم (مقارنة الأديان بين التقارب والتجاذب والالحاد) بمنهجه العلمي الوسطي المعتدل الذي أبرز فيه النصوص التأسيسية للأديان السماوية التي تؤكد على عقيدة وحدة الاديان وتقاربها وتجاذبها، فكان البحث رسالة الى علماء النصارى وكل علماء الأديان السماوية وأهل الاختصاص يمثل خارطة حوار وفكر وتقارب وسلام يُحملهم فيها أمانة شرعية واخلاقية وإنسانية لتوحيد الجهود من أجل الحوار ومواجهة التطرف وتحقيق السلام.
فقد بين فيه الأستاذ المعلم: أنّ الكراهية والعنف والإرهاب يضرب في كل مكان ويقع على جميع الاجناس والاعراق البشرية، فالأمر خطير والمسؤولية عظيمة يتحملها علماء الأديان السماوية وأهل الاختصاص، فعليهم أن يدفعوا الاختلاف والتوفيق بين معاني الكتب السماوية التي ظاهرها الاختلاف، فعليهم العمل بإخلاص ومصداقية ومهنية وعقلانية للتقريب بين المعاني والأديان، واعتماد المشتركات والتمكن من تأسيس قواعد ومسائل كلية متقاربة ومشتركة، في العقيدة وأصول الدين، بحيث يقبلها عموم البشرية من النفوس العاقلة المتّزنة، وأن يكون ذلك وفق شروط وضوابط وقوانين لغوية وعرفية بمنهج علمي موضوعي ناضج، ولابد أن تُبذل كل الجهود والمعارف والأفكار من أجل تأسيس منهج وسطي معتدل للحوار والتخاطب والفهم والتفهيم واحترام الناس وافكارهم واختياراتهم، وكل منهم بحسب الأدلة والحجج التي تصل اليه والتي يطلع عليها، ووكل منهم بحسب مستويات عقولهم وأذهانهم وبحسب الظروف والعوامل النفسية والحالة الاجتماعية التي يعيشونها.
فكان من بين الموضوعات التي تناولها الاستاذ المعلم في بحثه:
-عيسى.. محمد..المهدي( عليهم الصلاة والسلام) في بشارة العهدين
-صوت صارخ في البرية.. توبوا..قد اقترب ملكوت السماوات
-قانون التحدي.. والمنهج الوسطي في تقارب الأديان
-العهد القديم، سفر اشعياء: اقرأ هذا، فيقول، لا اعرف الكتابة، نبوءة وتحدي
-الانجيل يصدق التوراة، والقرآن يصدق الانجيل والتوراة
-البرهان والحوار والمجادلة بالحسنى
-من المشرق.. مُحاججة ونصر وخلاص
-الانجيل والتوراة والتحدي بعدم الاختلاف
-الأديان عدل ورحمة وسلام
-تبيان وهدى ورحمة من غير كراهية وترهيب
توحيد الأديان وتفعيل الهدف المشترك الذي نزلت من أجله والمتمثل بإسعاد البشرية، وبيان تصديق كل دين بمن سبقه، وتبشيره بمن بعده، وعدم اختلافها وتنافرها، وأنَّها تدعوا الى الحوار والمجادلة بالحسنى واحترام حرية الراي والفكر والعقيدة، مبادئ ضرورية ينبغي أن يتم تفعيلها في ثقافة الشعوب، لكي تنعم بالعدل والرحمة والسلام والطمأنينة، وهذه مسؤولية تقع بالدرجة الرئيسة على علماء الأديان كما أكد على ذلك الأستاذ المعلم في رسالته التي وجهها اليهم.
العقيدة الالهية التي دفعت وهب النصراني للانصهار والذوبان في شخص الحسين المسلم رسالة مضيئة من سفر كربلاء الخالد مفادها أنَّ الاديان واحدة وهدفها واحد جاءت لتحرر الانسان وتأخذ بيه نحو السعادة والكمال في الدنيا والآخرة فحري بعلماء الاديان احياء وتجسيد تلك العقيدة كما أكد الأستاذ المعلم.