23 ديسمبر، 2024 5:53 م

واقعة الطف ..منهج الإصلاح وسبيل المصلحين

واقعة الطف ..منهج الإصلاح وسبيل المصلحين

عندما يبلغ الفساد والانحراف والجور مستوى تجاوز الخطوط الحمراء فان ذلك يعني أن الإصلاح يحتاج إلى مستوى يتجاوز فيه المناهج التقليدية أو الطرق النمطية .وبالتالي لا بد من أصلاح يرتقي إلى مستوى الثورة ..وهكذا كانت واقعة الطف والتي قد يعدها البعض ثورة ضد الحاكم الجائر المستبد فقط, لكن الإحداث التاريخية تقول أن واقعة الطف كانت ثورة على الأمة, قبل أن تكون على الحاكم الجائر ..وهذا يؤكد على إن الإمام الحسين مارس قيادته للمجتمع وهو خارج أطار السلطة التنفيذية التي تمسك زمام الحكم ومقاليد الأمور .أذا أن الشائع أن الحاكم يمارس دوره من خلال منصبة التنفيذي داخل أطار السلطة الحاكمة وبأدوات معينة, لكن الإمام الحسين كشف أن القائد الذي يرى في نفسه مسؤلا عن ألأمة عليه أن يلجأ إلى وسائل وأدوات غير التي تستخدمها السلطة الحاكمة بقوة القانون …
الثورة التي قادها الأمام الحسين على ألأمة لم تكن ضدها بل كانت من اجل ألأمة ذاتها ,لكن علينا أن نعلم أن الدافع الأول لخروج الحسين على الطغمه الحاكمة هو الأمة ولم يكن حكم الطاغية المستبد وهذه حقيقة  يجب أن نعيها .فهو سلام الله عليه كان يقول لم اخرج أشرا ولا بطرا أنما خرجت لطلب الإصلاح في جدتي ..ومن هنا لا نستغرب أو نستبعد أن الحسين صلوات الله عليه كان ينظر إلى نتائج ثورته على أنها نتائج مستقبلية أو أنها أهداف بطبيعتها تحتاج إلى وقت طويل . أو يمكن التعبير بان واقعة الطف كانت خط الشروع الأول في طريق الإصلاح وإيقاظ الأمة من سباتها العميق …هذا شيء..
آما الشيء الآخر ..وهو الأهم يتلخص بان الإصلاح الواقعي الذي يرتجى ثماره لا يمكن أن يكون عبر خطب رنانة آو مشاريع تربوية  معينة أو مناهج أخلاقية قد تؤدي إلى نتائج محدودة أو لا تؤدي ..وأيضا لا بد من القول أن الإصلاح الواقعي لا يتم عبر نظام سياسي عادل مهما بلغ من الكمال أو عبر تشريعات وضعية تعالج مفصل وتترك آخر ..الإصلاح الواقعي  هو الإصلاح الذي يكون عبر التضحية والفعل الحركي والعملي والإيثار وبنكران الذات قبل أي شيء آخر لان المصلح أذا تجرد عن  أغراضه الشخصية فذلك يعني سلوكه السبيل الصحيح..ولا يمكن بأي حال من الأحوال الركون إلى مدعي أصلاح وفي نفسه غرض شخصي واحد لان غرضه هذا سيكون الباعث الأول لحركته في ألأمة وبالتالي سوف يجير كل  الظروف لهدفه ..
الشيء الثالث والمهم أن المصلح عليه أن يغير في ألأمة على قاعدة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ويجب الالتفات إلى أن التغير في نفس الأمة يجب أن يكون حقيقيا وليس تغيرا شكليا باهتا ..وبالتالي كلما اتسعت  دائرة الانحراف داخل الأمة كلما احتاج المصلح إلى وسائل أكثر قوة وتضحية وثورية للتغير وآلا لن يستطع أن يحقق غاياته وأهدافه …
وقد يواجه المصلح عقبات وعقد نفسية تنبعث من داخل المكنون الداخلي للأمة التي فقدت إرادتها وقوتها وتحولت إلى أداة بيد كل من هب ودب فظلا عن ركونها إلى السلطان الجائر أو المستهتر ..هذه العقد والعقبات تحول المصلح الثائر إلى  متمرد أو خارج عن القانون !! نعم وصلت حال المجتمع الإسلامي في حقبة واقعة الطف إلى درجة كان الأمام الحسين صلوات الله عليه ملزما بمجاملة هذه الأخلاقية الانهزامية بحسب تعبير السيد محمد باقر الصدر ..لان الاصطدام بهذه الأخلاقية التي ترى في الثورة على الجائر تمردا وفي الدعوة إلى الحق خروجا عن قبضة السلطان الشرعي !! وفي الدعوة إلى الكرامة والحرية تهورا واستعجالا !! هي أمة فقدت كل مبررات وجودها واستحالت إلى أمة من غنم تساق كيفما أراد راعيها ..
ولذلك ومن اجل أن يقدم الأمام الحسين خروجه على أنه خروج  شرعي وأخلاقي بنظر المجتمع الإسلامي احتاج الأمام الحسين إلى عبدالله الرضيع والى سبي النساء وحرق الخيام وحمل الرؤؤس على سنام الرماح  حتى يكشف للمجتمع بأنه صلوات الله عليه  لم يكن خارجيا أو متمردا  ..وزاد على هذه التضحيات العظمية أخلاقيات أخرى .. فلم يبتدئ القوم بالقتال مع أن الثورة على الحاكم أو النظام الجائر هي التي تبادر إلى القتال كضرورة حتمية لأي ثورة  مسلحة تريد الانتصار على النظام الحاكم ..كل ذلك من اجل أن يقدم الإمام الحسين نفسه على انه كان يسير على هدي السبل الشرعية والأخلاقية ولم يكن  طالبا للسلطة والجاه أو الخلافة كما يدعي البعض ..
وبعد..في كل عام تتجدد فيه شعائر الثورة الحسينية وتظهر إلى العالم بتألق جديد ومتطور, لكن يبقى سؤال مهم لابد من الوقوف عليه  طويلا جدا.حتى نعطي للثورة الحسينية عمقها الحقيقي داخل الكيان الإسلامي والإنساني ..السؤال هو ما مقدار التغير الذي أحدثته الثورة الحسينية المتجددة داخل الأمة ؟؟
التغير الذي ينتج العلم والوعي والرقي والوقوف بوجه الظلم والفساد والانهيار …التغير الذي ينتج التلاحم الإنساني والأخوي بين أفراد الأمة ولا تدع الانهيار والتشرذم يدب إلى داخلها ..التغير الذي ينتج الآباء والعزة والكرامة والحرية والأخلاق والإيمان والسعي نحو مواجهه التحديات بقلب مؤمن طاهر ..التغير الذي لا يجعل المغرضون والمنافقون يعتلون واجهه الأمة ويقدمون أنفسهم على أنهم قادتها وأمرائها ..التغير الذي يضع كل شخص في مكانه الصحيح ولا يعطيه حجم اكبر من حجمه لان ذلك يعني صناعه يزيد وشمر وعمر ابن سعد مرة أخرى وبذات الوسائل التي صنعت قتلة الأمام الحسين ..
  نجاح الثورة الحسينية تقاس بمدى نتائجها  على مستوى التغير واقعا ولا تقاس بحجم المواكب أو بكثرة مجالس العزاء وان كانت رائعة وجميلة ومقدسه وبالأخص أذا سارت بالتوازي مع نتائج حركة التغير التي استهدفها الأمام الحسين من ثورته المباركة ..لكنها حين تتقدم على حركة التغير تفقد بريقها وقد تتحول إلى آفة كبيرة تحول فيما بينها وبين التغير ..ومن هنا المسؤولية التاريخية والشرعية هي مسؤولية التغير الذي يجب ترتقي إلى عظمة الأمام الحسين صلوات الله عليه ..
 أن حركة الإصلاح اليوم تستدعي أن تتكاتف كل الجهود لإيجاد حركة التغير الحقيقي التي أرادها الأمام الحسين صلوات الله عليه داخل الامه لأنها وحدها الكفيلة بتقديم  العزاء والمواساة  بسيد الشهداء صلوات الله عليه.