17 سبتمبر 2025 10:38 م

واقعة الصواريخ في قطر … من مخرجات البرامج والتكتيكات السياسية الأمريكية

واقعة الصواريخ في قطر … من مخرجات البرامج والتكتيكات السياسية الأمريكية

يرى مورغان هاوسل في كتابه المعنون  بـ ” الجوهر الذي لا يتغيّرأو ” الحال كما هو الى الأبد Same as ever ;   ” ان المرء يصطدم احيانآ بحدث او شيء كبير مايجعله يفترض ان ماحدث للتو سيستمر في الحدوث ولكن بقوة اكبر وعواقب اخطر من ناحية  , ويتنبأ ايضآ بما سيحدث لاحقآ بقناعة راسخة من ناحية اخرى ” . من هنا نبدأ بواقعة  غارات الكيان المحتل  على دولة قطر , إذ لميكن على بال احد ان تحدث هذه الواقعة بين طرفين اتفقا منذ عقود على بناء  واقع ثابت بجوهره مابقي الزمن ولا يتغيّر وهو تقديم الحماية  العسكرية لدولة قطر بحسب طلب الحكومة القطرية أومن دون ذلك عندما ترد معلومات عن تهديد الى الإدارة الأمريكية فيكون عندئذ الرد استباقيآ ,

ولكن جاء اليوم الذي ثبت به بالدليل القاطع والملموس ان ذلك الواقع العسكري الذي انشأته امريكا ومن بعد تركيا في عهد اردوغان ,المتمثل بالقواعد العسكرية لكي تلوذ خلفها  دول المجموعة الخليجيةبشكل خاص , لم يكن  في ظاهره حمايتها سواء من النظام العراقي البائد أو من ايران الإسلامية كأولوية قصيرة او متوسطةالمدى فحسب , بمعنى ان هذه الدول الخليجية  لن تُترك وحدها عندما يتحقق التهديد الذي احتسبوه سيحدث غدآ او بعد غد , بلكانت القواعد العسكرية بالأساس محض اولوية ضمن اولويات اخرى بعيدة المدى لم يتم الكشف عنها وبقيت في كهف التكهنات ,

ولكن بحسب رؤية مورغان هاوسل , يمكن ان نتنبأ  بهذه الأولويات بثلاثة نقاط  حُسبت ضمن حدود يمكن ان تقترن بأساسيات السياسة الأمريكية  في المنطقة  وهي كمايلي ; اولآ , بالنظر الى اندفاع  قطر وغيرها من الدول الى هدف الحماية بجهل وغفلة من دون حساب مخاطر ذلك من الناحية العملية  , ومن دون معرفة دوافع  ماتسعى اليه امريكا من جراء تلك القواعد في المستقبل وخاصة في علاقة سياسية دائمة لاتتغير بينهما  , قامت امريكا بترويض حكومة قطر والحكومات الأخرى كأولوية اضافية  لتخضع وتنحني لسياساتها الخارجية وخاصة تلك التي تدعم سياسة الكيان المحتل بإستمرار ,

وهذا لم يتم دراسته  من الناحية العملية من قبل قادة دولة قطرالأولين ولا الحاليين ولا اي دولة عربية اخرى استضافت القوات الأمريكية على اراضيها . ثانيآ , اولوية مراقبة ما يتجدد من نمو فيالأحزاب المعادية لها او الحركات التحررية المقاومة التي لاتؤتمن على وجود الكيان المحتل وخاصة الحركات الإسلامية , نظرآ لما سلف من التجارب معها سواء في الشرق الأوسط او غرب اسيا . ومن هنا يجدر ان نشير ان الامريكان يعرفون ان الحركات الإسلامية الراديكالية وخاصة الشيعية لا  تلهيها السفاهة عن بلوغغاياتها ,

والسفاهة هنا معناها الإنشغال بنهب ثروات البلاد او جعلها تتآكل لجرّه الى شفا حفرة التقسيم فيما بعد أو البقاء على خيار الخضوعواليأس الذي تصنعه سياسات الأجنبي التي تدفع بالجهات التنفيذية الى التطبيع  , في مقابل البقاء على المنصب لكي يجعلونه السلاح المهيمن على مفاصل البلاد لسحق كرامات الوطنيينالمحتجين والأحرار المولعين بحب الوطن وترابه المقدس , لأن الوطنيين عندما يولدون لاتأتيهم السفاهة من بين ايديهم ولا من ايدي الطغاةالفاسدين ولا يكال لهم مايكال للعملاء, لذلك ترى امريكا تهرع  الى التعرف عليهم , اي على الحركات الإسلامية والوطنيين ,

لغرض تقييمهم ضمن حركة الجماهير السياسية بشكل عام قبل الوقوع في شراكهم  . ثالثآ , اولوية اللجوء الى صناعة الإقرباء من اللااقرباء , رغم ان ذلك يتحقق عندما  تنقلب فلسفة المرء السياسية على نفسها , اي تكون من ضمن اولوياتها السياسة اولوية تبادل المصالح بين الضيف والمجتمع المضيف كشرط  ليكونوا اقرباء في ظل الفراغ السياسي , الذي تصنعه الدولة الغافلة عن توعية وتحصين جماهيرها على عدم الإقتراب من البرامج التي تتبناها الحكومات الأجنبية وخاصة امريكا لما لهذه البرامج من تكتيكات شائعة في سياستها التي تحيل بها المواطن الى فاعل لايرى مصلحته في برامج الدولة ,

بل يجدها في برامج امريكا , ومن هنا تنشأ جرثومة العمالة ويبدأ التنسيق بالمصالح لسنوات حتى ينغمر بها المواطن في ذاتيةشخصية دنيئة لاترى إلا نفسها . ولايمكن تلافي هذه الجرثومة إلا بعد زوال ذلك الفراغ السياسي والغفلة الحكومية لكي يتوقف انتاجها على الأقل . وهذه الآلية السياسية والتكتيكات المتمحورة في عملية انشاء القواعد العسكرية   , لم تتغير لا من قبل امريكا ولا من قبل مجموعة الدول الخليجية , وخاصة قطر التي تستضيف اكبر القواعد الأمريكية .   إذن من اولويات انشاء القواعد العسكرية  في قطر وباقي المجموعة الخليجية لايقتصر على الحماية فحسب في الحسابات الأمريكية  ,

بل على ماذكرناه آنفآ , بل ويتخطاه الى  كل حقيقة   سياسية تظهر بالمنطقة يمكن ان يستخلص منها دلالة تفيد المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة , وهذا الكلام ينطبق كذلك على تموضع القوات التركية  وقوات التحالف الأمريكي في العراق ومسارها ,  الذي يقوم على تحقيق مااختزلناه بالنقاط الثلاث . لذلك بفضل اولوية حماية دولة قطر من التهديدات الخارجية , تحولت  دولة قطر الى تابع  ضعيف الى امريكا  التي لم تترك  لها فرصة واحدة لتقرر مصيرها بعيدآ عن حمايتها ,  فعلى الرغم من ان امريكا تذرعت  بأنها علمت بموعد قصف مكان اجتماع قادة حماس قبل دقائق من التنفيذ ,

وكانت في ذلك الإدعاء كاذبة لكي تعفي نفسها من الرد الإستباقي المكلفة به , يتضح منها  ان الكذب السياسي لديها يعتبر من الضرورات لأن موعد القصف  لم يفلت  من اسماع المخابرات المركزية الأمريكية التي تتبادل بإرثها  المخابراتي مع الإرث الصهيوني على مدار الساعة ومنذ عهود كشكل من اشكال التعاون الإستراتيجي المتلازم وغير المنفصل بينهما , وبالتالي فإن حجة الدفاع عن قطر قد ازالتها امريكا مثلما ازالتها بحجج واهية عندما قصف الكيان المحتل العراق بالمسيرات والصواريخ نفسها لمرات عديدة ,

بل ولم تكن تلك الغارات على قطر  محط اهتمام الإعلام الأمريكي او الحكومة الأمريكية وكأن الأفق الواقعي الذي تراه امريكا بالمنطقة محسوم  بإطلاق تعابير عديدة للتملص من مسؤولياتها مهما كانت عواقبها البغيضة على مصداقيتها السياسية من ناحية , وهذا يعني أنها لاتعترف  لا بالسيادة القطرية ولا بالسيادة العراقية  او حتى بسيادة مجموعة الدول الخليجية , ويعني ايضآ  ان هذه الدولليست بعلاقة  شراكة محايدة ولا إيجابية مع امريكا , بل هي دول خاضعة وتابعة وغير قادرة على ممارسة فعل السيادة على اراضيها رغم توفر القدرة الإقتصادية لديها على التجهيز والتسليح من ناحية اخرى , وهي لسبب بسيط لاتمتلك القوة التي تضاهي بها قوة امريكا ,

وهذا هو المأزق الكبير الذي اعقب ويعقب دخول اي دولة في البرامج السياسية التكتيكية الأمريكية  ذات اولويات ضمان الإبقاء علىالجهات التنفيذية  بالسلطة , لتتروّض  ومن ثم تتحول مهام الإدارة العامة  للدولة  الى إدارة لشؤونهم الخاصة , لذلك علّق السيد ناصر الدويلة النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي على قصف قطر بقوله : ابلعوها واسكتوا , وبهذه المقولة  البليغة بالمعنى يتأكد القول عن ان البقاء بالسلطة لقادة دول المجموعة الخليجية مرتهن بشرط القبول على الدخول الى البرامج السياسية تلك والبقاء بها  , وهذا يؤكد ان دول الخليج كانوا قبل القصف وبعده دولآ تابعة وخاضعة وبلا قرار سياسي سيادي ,

وسيبقى جوهر علاقتهم السياسية مع امريكا على هذا النحو الى الأبد إن لم يكن لغاية نفاد الثروة النفطية والغازية .  هنا لعل سائل يسأل ; ما العمل العبقري والسياسي العلمي والإبداعي الذي تتبعه دول المجموعة الخليجية  او حكومة قطر على انفراد  لضمان الخلاص من هيمنة امريكا بذريعة القواعد العسكرية ؟  الجواب : ان حكومة  دولة قطر تحتاج الى مايلي مثلما تحتاج الى ذلك باقي دول المجموعة , اما اذا لم تفعل  ذلك فإن القصف الصاروخي سيحدث ثانية  بحسب رؤية مورجان هاوسل هنا وهناك عندما تكون هناك عشرات الأعذار جاهزة لدولة الكيان المحتل ومئات الأكاذيب الخارقة,

في جعبة امريكا جاهزة لتطلقها  دفاعآ  عن نفسها , لأن امريكا  وذراعها الكيان المحتل لا يفكران ولو بنسبة واحد بالمئة ان تتغير قواعد لعبة التكتيكات في انشاء القواعد العسكرية , او يتغير موقف الحكام ويخرجون من ظلمة البرامج السياسية الأمريكية على حساب مناصبهم العتيدة والموروثة , مالم تنتفض ومعها شقيقاتها على انفسهم اولآ , اي تعيد شكلها السياسي والدفاعي الذي يفعّل القرار السيادي , قبل ان يجدوا انفسهم في صباح يوم قادم وهم في قاعات المطارات للتوجه الى البلدان التي اعجبوا بها ليستقرواهناك الى الموت تطاردهم الحسرة على تركهم خيار الإنتفاضةوإعادة تشكيل مكانتهم السياسية بين دول العالم والمنطقة ,

والبقاء بغفلة المغفلين على ماكانوا عليه وفقآ  لمايلي ; اولآ , تحويل الأنظمة الأميرية الى فيدراليات ديمقراطية دستورية ليحققوا استقرارآ واسعآ , ولتكون العلاقة بينهم وبين امريكا علاقة شراكة لا تبعية سياسية . ثانيآ , سحب الإستثمارات الخليجية من امريكا وبريطانيا وإيداعها الى روسيا او الصين مثلآ , او اي دول اخرىيرونها موثوقة . ثالثآ , الإبقاء على المعاهدات الدولية والإمتثال للمواثيق وقوانين الشرعية الدولية ,  بإستثناء معاهدات الدفاع والحماية التي يتم الغائها .. الخ . ولابد من تحقيق التوافق بين مكونات الشعب على فكرة الفيدرالية الديمقراطية الدستورية ,

وعلى بناء القدرات العسكرية والركون الى جامعة الدول العربية لحل المشكلات بشكل فوري , وذلك خير مما خرجت به قطر من صواريخ البرامج السياسية الأمريكية , وخير من تكراره  بشكل اكبر وعواقب اخطر كما ورد آنفآ , ومن البقاء تحت مطرقة الإبتزاز خائفين وحذرين من اقتراف الأخطاء تحت ظل حارس متواطيء مع العدو زمنآ طويلآ , وهذه مجرد نصيحة مختزلة لكنها تفتح بوابة الى مستقبل تكون فيه الأوطان مصانة والشعوب كريمة  والثروات محفوظة بإيدي العقلاء  من قادة  شعوبها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات