23 ديسمبر، 2024 6:01 م

واقعة الحويجة .. بادرة للفتنة.. قادمها أخطر..!!

واقعة الحويجة .. بادرة للفتنة.. قادمها أخطر..!!

كنا نبهنا في اكثر من مقال الى خطورة  الاوضاع  السياسية في ظل الغليان الشعبي في اكثر من مدينة عراقية التي تطالب بإرساء قواعد العدالة الاجتماعية ، واطلاق سراح المعتقلين من ابناءها الابرياء ، وحذرنا بان الاجواء المشحونة  بالخلافات العميقة ربما تتحول ذلت يوم الى بركان من الصعوبة احتواءها اذا ما انفجرت تحت الاقدام ، كل ذلك كانت ضمن احتمالاتنا وتوقعاتنا التي بنيت على اساس قراءة واضحة للمجريات السياسية  التي تعصف بالبلد ، وأكدنا من باب الحرص للمصلحة الوطنية ان على الحكومة ابداء المرونة ضمن حدود القانون والاستجابة لتلك المطالب التي لا تخرج من حدود  الشرعية ، والكف عن الملاحقة على اساس المذهب ، لان الشيعة والسنة هما حالتان قائمتان منذ مئات السنين ، وليس بإمكان أي طرف ان يلغي الطرف الاخر مهما كان حجم وجوده وقوته ، بدليل محاولات الانظمة السياسية التي حكمت العراق منذ تأسيسها في بدايات القرن الماضي ، واخرها نظام صدام الذي اراد يلغي وجود الكوردي والشيعي من الخارطة المكوناتية للشعب العراقي تمهيدا لإقامة نظام ((قومجي ))طائفي يخصه ويخص اجندته الفكرية والسياسية
الايام القليلة الماضية  برهنت من صدق تلك الاحتمالات حين وقعت الواقعة في ساحة الاعتصام في الحويجة وريفها ، واصبح لزاما علينا الان ان نكتب عن الاسباب ونترك مجاملة طرف على حساب الطرف الاخر، ونشخص المرض بعين العقل الذي كان ولايزال سببا في عدم قبول الطرف الشيعي  بإبداء اية مرونة سياسية  للطرف الاخر  السني بسبب شدة الصراع القائم منذ اكثر من الف سنة نتيجة للاختلاف المذهبي الحاد بين الطرفين و هو خلاف غير قابل للحوار والمناقشة ،والذي تحول بمرور الوقت الى صراع دائم ثم الى حرب منتظرة على ابواب المسلمين ايما كانوا ، وهي حرب ليست بحاجة الى استعدادات وتحضيرات وتدابير وقائية لان الطرفين مستعدين لها في كل وقت ، ويشعل اوزارها مجرد نقاش بين رجل شيعي وسني على أحقية الخلافة والامارة على المسلمين ، ، فيما يرفض كل طرف ان يقدم ولو تنازلا جزئيا للطرف الاخر، بسبب تمسك كل طرف بعقيدته المذهبية  رغم كون المذهبين يلتقيان تحت خيمة الاسلام الواحد الذي جاء به النبي الكريم (محمد ) عليه السلام ، ولم يتضمن الرسالة في حينها الى تعددية المذاهب كالتي هي سائدة الآن وسط المجتمع الاسلامي…
عشر سنوات من عمر الاطاحة بنظام صدام  اثبتت بلا شك  ان الطرف الشيعي القوي الذي  يقود العملية السياسية ، يسعى باتجاه سحب البساط من تحت اقدام السنة بكل الطرق والوسائل لحماية مكتسبه المذهبي الذي وفرته الولايات المتحدة الامريكية حين أطاح بصدام الند القوي للشيعة في العراق ، الذي حاربهم فكرا ووجودا بكل ما أوتي من قوة ، بل وتعمد ان يلغي المراسيم الخاصة بعاشوراء رغبة منه لإلغاء دور هذا المكون العراقي الواسع في مجريات الاحداث العراقية ، وحصره بعيدا عن الواجهة السياسية والثقافية بل وحتى الاجتماعية ، وبالمقابل كنا نجد ان الطرف السني رغم تشبث نظمه السياسية بمبدأ العلمانية كان يعمل باتجاه فرض هيمنته المذهبية على كل مرافق الدولة الحساسة بهدف قطع الطريق امام اي اجتهاد شيعي وحرمانه من الظهور على الساحة السياسية ، مع الاحتفاظ بمبدأ اختراق الوسط الشيعي 
من خلال الاغراءات المالية لبضعة مجاميع صغيرة من المثقفين الشيعة او رموزها الدينية  ،كما حصل ابان فترة النظام البائد حيث عمد صدام الى تحويل هذا المبدأ الى واقع عملي حين اسند بعض المسؤوليات الى رموز شيعية بهدف ذر الغبار عن العيون ، وكما يحصل الآن في بنية الحكومة الحالية الذي استطاع رئيس مجلس وزراءها ان يوهم السنة ببضعة حقائب  وزارية  على اساس الاستحقاق الانتخابي ، ولكن ليس بمقدورهم ان يرفعوا مظلومية عن العشرات بل المئات من اهل السنة  الذين يقبعون في غياهب السجون المنتشرة في عموم العراق ، وهذا يعني ان ما يجري في العراق من مظاهرات واحتجاجات على ممارسات نوري المالكي هي تحصيل حاصل لجذور الصراع القائم ،حيث يسعى اهل السنة للعودة الى الواجهة بعد ان جردتهم عوامل التغيير منها ،فيما يسعى الشيعة بالمقابل الى الوقوف بوجه هذه المحاولات التي يراها نوري المالكي ناقوس خطر يضر بالمصلحة الشيعية  فكرا  ووجودا في ظل  هذه المحاولات الرامية التي أعدت السنة من اجلها العدة منذ اندلاع انتفاضتها ضد نظام بشار اسد العلوي في سوريا  الذي يواجه مصيرا محتوما من قبل أهل السنة والجماعة ..
 اذن ان ما حصل في الحويجة نذير خطر مشؤوم لم يحسب له حساب تداعياته واثاره المستقبلية من قبل دائرة القرار الذي يبدو من خلال الاستنتاجات بشأنه ان مهاجمة حشود المتظاهرين قد اتخذت من مكتب القائد العام للقوات المسلحة حتى قبل بدء الوفد الحكومي بالتفاوض مع المعتصمين ، والذي اراد المالكي من خلالها اختبار القوة الخاصة (سوات)  ومدى ولاءهم لشخصه ، و التي لم  تتميز اداءها عن قوات الحرس الخاص لصدام وعناصر جهاز امنه الخاص ابان عملياتهم العسكرية وقمعهم لانتفاضة الشعبانية عام (1991)..
هذه هي الصورة الحقيقية التي تكونت لدى الشارع العراقي غير قابلة للتمويه ،  مهما حاولت الحكومة من اعطاءها لونا اخر من الالوان رغم يقيننا التام بان المندسين من ازلام البعث والقاعدة قد وجدوها فرصة نادرة للكشف عن وجودهم بطريقتهم الوحشية المعروفة ، والتي كانت سببا ان يحترق الاخضر بسعر اليابس ، ويدفع اصحاب المطالب الشرعية من ابناء الحويجة الثمن الباهظ ، ولكن هذا لا يلغي من تبرير الهجوم الدموي البشع لهذه القوات الشيعية حصرا منسبيها ، و التي جاءت خصيصا من بغداد لتكون اداة حسم وانهاء لتواجد المعتصمين في الساحة المخصصة للاعتصام ، ولا يلغي من أمر عدم القبول بشكل مطلق بزج الجيش  واستخدامه اداة لقمع ارادة الشعب مهما كان دينه ومذهبه ، وان الاستهانة بمطالبهم هي خطوة باتجاه بناء دولة بوليسية ونظام حديدي شغله الشاغل بناء الجيش وتسليحه على اساس حماية السلطات واشخاصها ، دون مراعاته  للحقوق المشروعة لمواطنيه دون تمييز…
ومن هنا ان الشيعة والسنة في العراق خصوصا  والمنطقة عموما قد دخلوا في نفق مظلم ، وان واقعة الحويجة قد زادت من رقعة خلافاتهما ، وربما تكون البداية للمزيد من التباعد والانفصال  الذي يمهد السبيل لفرقة دائمة وعداوة بغيضة التي يضع العراق والمنطقة على حافة بركان مدمر لا يحمد عقباه ، في وقت وبوادر الفتنة الطائفية قائمة في لبنان والبحرين والكويت والسعودية واليمن وباكستان ، وفي ظل حرص ايران المبدئي ان يكون المد الشيعي قائم على اسس الحفاظ على وحدته المذهبية .