كان من البديهيات المتعارف عليها التأثير الكبير للوسائل الاعلامية بصنوفها المختلفة على نفس ووعي المتلقي سواء باتجاهات ايجابية او سلبية وعلى وجه الخصوص الصحافة ، حتى ان هناك فرعا خاصاً يسمى علم النفس الاعلامي ، تأسس في الجمعية الامريكية لعلم النفس ، ويعتبر احد المقررات الاساسية في دراسة الصحافة ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في وقتنا هذا ….هل لازال للصحافة الورقية او الالكترونية التأثير الفاعل في خلق وتكوين وتوجيه الرأي العام بالقضايا الحساسة والمصيرية مع وجود الكثير من التحديات التي تجابهها في خصم التسابق الهائل لعلم التقنيات وتكنلوجيا المعلومات والاتصالات ، وما انتجته من منصات التواصل الاجتماعي المختلفة المتاحة للجميع ، وفي مقدمتها الفيسبوك والتويتر ، حيث تنشر التغريدات التي لا يضاهيها في سرعة انتشارها اي سرعة سبق صحفي ، والصور والفديوهات التي تنقل مباشرة من اماكن الاحداث على اختلاف اهميتها ومن جميع بقاع العالم، اي في اصغر بقعة او حي او ريف في العالم على صفحات الفيسبوك ، اصبحت سرعة نقلها تتجاوز تقنيات العمل في افضل القنوات الفضائية.
لكن رغم كل ذلك نسمع ونرى في الواقع بانه لازالت الصحف في بلدان العالم تمارس وظيفتها كسلطة رقابية رابعة ومواكبة الاحداث ، حيث افتاحياتها لها ثقلها في الراي العام مثل العديد من الصحف العالمية المشهورة كصحيفة تايمز البريطانية ونيويورك تايمز الامريكية ، ولازالت ذائقة القراءة الصباحية للصحف كبيرة ومتابعتها لدى المواطنين في تلك الدول ، حيث تسجل مبيعاتها ارقاما هائلة ، مما جعل تأثيرها كبيرا وفاعلا في الاحداث السياسية والاقتصادية لما تمتلك من مصداقية وثقة كبيرة لدى القارئ ،حيث تعمل على تمكينه من الوصول الى الحقائق التي طالما يحاولون السياسيين وصاحبي القرار على اختلاف عناوين وظائفهم ومناصبهم بالتعمد على كتمانها، تخترق تلك الصحف الابواب المغلقة وتفضح القرارات والصفقات المشبوهة وملفات الفساد، وكشف اساليب سياسات التضليل التي تتبناها تلك الجهات مهما كانت طبيعة سلطاتها ، لهذا تهز مناصب وعروش و مؤشر بوصلة في تحديد مناسيب الفوز او الخسارة لكثير من المرشحين في سباق الانتخابات المختلفة سواء كانت سياسية او رياضية او لتبؤ مناصب مهمة في المؤسسات المحلية او الدولية، ولهذا السبب عمدت الكثير من الدول على شراء او نشر الكثير من الصحف في بلدان العالم المختلفة والناطقة بلغاتها للتأثير عليها .
ولكن نقول بصراحة ان وضع الصحافة في بلدنا مختلفة تماما ، قد يكون لأسباب حقيقية كثيرة ، جعلت مهمتها صعبة في الحفاظ على مكانتها واهميتها الفاعلة والمؤثرة في رأي الجمهور ، حيث اصبحت على حافة التهميش واللامبالاة ، هنا لابد من وقفة في تحليل عجزها عن ترجمة حقيقة لأوضاع المواطن العراقي واهدافه ومبادئه وحاجاته ، حيث اصابها هشاشة في ركائز عملها المهني المصداقية والموضوعية والشفافية والحيادية بنقل الاخبار وكشف الحقائق وبالسبق الصحفي الذي يمنح المواطن الوعي الكامل بمجريات الاحداث وبالمعلومات والمعطيات التي طالما اتبع سياسينا والمسؤولين الحكوميين عرفاً في سياسة الاخفاء المتعمد للحقائق عن المواطن والتي تمس حياته ومستقبله، مما جعل العزوف عن الكثير من الصحف بعدما فقدت الثقة لجأ القارئ رغم تعدديتها ، لان اغلبها اصطبغ بالتعبئة لأهداف الكتل السياسية الحاكمة الممولة لها للترويج حقاً وباطلاً لها بعيدا عن الالتزامات المهنية والشفافية والموضوعية والتوازن على صفحاتها ، ماعدا بعض الاستثناءات التي بين حين واخر نسمع عن محاولات خجولة لتقارير استقضائية لم ترتقي الى الجرأة المطلوبة بكشف ملفات الفساد الكبيرة في وزارات ودوائر الدولة ، بالرغم ما تعلنه هيئة النزاهة سنويا عن حجم الفساد والمفسدين ولأعلى الدرجات الوظيفية، هنا نقول بصراحة ان الصحافة تواجه تحديات كبيرة لوجودها ومكانتها في مجتمعنا، انها تعاني الاحتضار، لابد من العمل لإعادة مكانتها وقيمتها وهيبتها وقوتها بتفعيل قوانين اخلاقيات المهنة وميثاق الشرف المهني وذلك يتطلب تظافر جهود كل المعنيين بالعمل الصحفي لتحمل المسؤوليات في اعادة الصحافة لعرشها.