في فبراير 1945، اجتمع الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت على ظهر المدمرة الاميركية “كوينسي”، التي نقلته الى مؤتمر قمة يالطا،لإرساء قواعد السلام بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة لكي يجتمع مع الحليف الاقليمي القادر على تامين حاجة بلاده من الطاقة، وهكذا تواصلت تقارير الامن القومي التي يقدمها البيت الابيض سنويا الى الكونغرس وهي تشير الى الحافظ على الانظمة الراديكالية القادرة على تامين النفط في الشرق الاوسط ، تعاملت واشنطن مع هذه الحالة الاستراتيجية بعد هزيمتها في فيتنام بما عرف بسياسة العمودين يمثل العمود الاول ايران الشاهنشاهية وتمثل السعودية العمود الثاني، فيما تواصلت سياسيات تدوير ارباح البترودولار، بوتائر متسارعة انقذت الادارة الاميركية من اشهار الافلاس مرات عديدة، لتفادي موجات الكساد الاقتصادي كما حصل عام 1929 .
والسؤال:ما الذي حدث لكي تعيد السعودية حساباتها الاستراتيجية، وتقفز على تلك التفاهمات الراسخة على ظهر المدمرة الاميركية “كوينسي” ما بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت ؟؟
يمكن الاجابة على هذا السؤال بتبع الاخطاء الاستراتيجية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الشيوعية لصالح الرأسمالية ، فانتشت الولايات المتحدة بقدراتها العسكرية للهيمنة على القرار الدولي من دون ايجاد معادلة الحل التي كانت السعودية تطالب لها في النزاع العربي الاسرائيلي ، ولم يمكن مؤتمر مدريد ما بعد حرب الخليج الاولى سوى جلسات ” سمر” لاظهار النيات الاميركية الحسنة تجاه الفلسطينيين والعرب فيما ابقت على مواقفها الاستراتيجية في علاقاتها مع اسرائيل ، وبذلك غادرت واشنطن موقف المحكم العادل في حل هذا النزاع الى موقف الحكم المنحاز ، وهو الموقف الذي كانت الكثير من الادبيات العربية وربما الاميركية قد حذرت منه الانحياز الاميركي لإسرائيل .
والامر الاكثر وضوحا في تعامل واشنطن مع ذيولها في الحرب على الاتحاد السوفيتي في افغانستان،ما بين البراغماتية الاميركية للتخلص من تنظيم القاعدة وتشكيلاته المقاتلة ، وبين الجانب العقائدي الذي شكلت وفقا له هذا التنظيم، فانتهت الى نموذج متحدد من الحرب الاميركية على الارهاب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وما خلفته هذه الحرب من اعادة تشكيل المعتقدات السياسية الاميركية لحرب ضد الخطر الاسلامي الاخضر بعد القضاء على الخطر الشيوعي الاحمر، وتوجيه اصابع اللوم نحو العربية السعودية ومناهجها التعليمية التي تربي اجيالا من “الارهابيين”، الذين يهددون الامن القومي الاميركي .
وهكذا حاولت السياسات السعودية مرة احتواء المخاوف الاميركية من خلال سياسيات امنية خاصة للانتهاء من تلك الذيول التي خلفتها في افغانستان، بعد ان عادت تداعياتها الى اراضيها ، واخرى لانتهاج خطط اعلامية تروج للمدنية الاسلامية وفقا لذات الافكار التي تنطلق منها الوهابية كمنهج متبع في المملكة العربية السعودية ولكن بأساليب متجددة ، مما احدث انقساما في المجتمع ما زال يناقش حتى اليوم حق المرأة في قيادة السيارة .
لكن المنعطف الاكيد في متغيرات المواقف الاميركية قد تمثل في عدم التعاطي مع المخاوف السعودية خاصة والخليجية عامة من السياسات الايرانية الاقليمية التي تريد مقايضتها بملفها النووي، مما يحدث شرخا كبيرا في المجتمعات الخليجية طائفيا وفي تراكم الانتماءات المناطقية ما بين تبعية ايرانية، سبق وان تعامل معها النظام العراقي السابق خلال الحرب العراقية الايرانية بما مثل اليوم اخطاء استراتيجية على مشهد “المكونات الاجتماعية” في العراق الجديد ،واذا كانت الحلول البراغماتية الاميركية لم تأخذ بعين الاعتبار ذيولها في افغانستان التي تحولت الى تنظيم القاعدة للإرهاب الدولي، فإنها بالتأكيد لا تجد غضاضة في اغفال تحالفها الاستراتيجي مع العربية السعودية لحل خلافاتها مع ايران وهي تحاول استبدال اسنانها النووية.
وكان الملف السوري موضع الاختبار الحقيقي للسياسات الاميركية ما بين تحالفاتها التقليدية وبين ما يريد المحافظون الجدد بلورته من حلول تضع الاسلام السياسي فوق بعضه، كل يقاتل الاخر، وخلخلة المنطقة استراتيجيا لإيجاد حلول اميركية مطلوبة، تأخذ بالنتائج الكلية من دون حساب مصالح الاجزاء، مما جعل العربية السعودية ترفض المشاركة في عضوية غير دائمة لمجلس الامن الدولي، وهي استفاقة مهمة وان كانت غير مبكرة ما بين عام 2013 واجتماعات المدمرة الاميركية ” كوينسي” التي تدمر العراق بسببها مرة في الحرب العراقية الايرانية وهو يدافع عن البوابة الشرقية، واخرى كما قال خطيب جمعة الرمادي بالأمس القرب عندما انتقد الدول العربية لأنها “تحمي عروشها وتركت بلد عمر الفاروق الذي دافع عنهم في مناسبات ماضية”.