23 ديسمبر، 2024 7:01 م

واشنطن تتخلى عن المالكي !

واشنطن تتخلى عن المالكي !

قبل سنة تقريباً كتبت مقالاً في بعض الصحف والمواقع تحت عنوان “الربيع العربي يحلق في سماء العراق” . وكان وقتها يوجد مؤشرات لحدوث هذا الامر الحاصل اليوم بالعراق. لكني لم اقتصر ان تكون ثورة عشائر مسلحة وحرب طائفية بجانب جماعة داعش المعروفة بمنهجها المتطرف .
مر أسبوع وأكثر على الاقتتال الجاري في العراق. والاجتياح الذي تتلمسه داعش والعشائر المسلحة بنكهة النصر والتقدم نحو الأمام. وخصوصاً ان الجيش العراقي لم يكن بكامل استعداده لخوذ هذه الحرب. والتصدي لها. مما اجُبر على الانسحاب بأوامر لربما تكون خارجية. وأعطى للخصم مساحة كبيرة للتقدم والاستيلاء على مدن عراقية. وفتح الطريق للوصول الى مداخل بغداد وإلى اوكار رئيس الوزراء نوري المالكي ورفاقه .

حتى الان لم تبدي واشنطن أي تصريح واضح على السطح. ما ان اتخذت خيار التدخل العسكري او الحل السياسي. واستبدال نوري المالكي بآخر . اكثر تقارباً مع مصالح واشنطن وهو الامر الذي سيلجأ إليه السيد باراك اوباما او لربما علينا القول أنه قد قطع الورقة البيضاوية في ذلك الأمر منذ وقت طويل. لكنه ينتظر الفرصة السانحة لتقديم تلك الورقة البديلة. دام انه لم يأمر بأي تدخل عسكري عبر أي طريقة او لغة قتالية حتى الان منذ أكثر من اسبوع على المواجهات في العراق .

جميع الحلول واردة بهذا الخصوص. ولا نستثني أي حل على الآخر. لكن التدخل العسكري في رأيي أمر غير مقبول لدى واشنطن .

فقد ادركت الإدارة الامريكية ومنذُ ان تغلغلت بعمق في غزو العراق في عهد جورج بوش الابن. وحولتها إلى بحيرة دم وأخذت منها ما أرادت ان تأخذه وهو الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين. وهذا الأمر كلفها خسائر باهظة بشرية ومادية. حيث ادركت ان المرحلة الحالية والوضع الساخن لا يتطلب تدخلاً عسكرياً في أي امر. مما وضعت كل ثقبها على زرع مذاهب وطوائف. وأحدثت صراعات ، وحروب بين مختلف المذاهب. وهذا ساعدها في توازن مصالحها في المنطقة دون أي خسائر . وعدم تدخل واشنطن في التدخل عسكرياً في سوريا رغم الضغوطات والعروض المقدمة. دليل على ذلك .ولكننا لا بد ان نأخذ كل شيء بعين الاعتبار حسب الظروف الحالكة في كلا البلدين سوريا والعراق. وما يدور فيهما من أحداث غير متوازنة وبعيدة في تقريب وجهات النظر .

لم يأخذ ويستوعب العالم العربي أن عهد الغزو والحلول العسكرية انتهى. وحل محله الغزو الفكري والعقائدي الذي زرعته أمريكا في كل دولة ونجحت في نباته. وأصبح أقوى الأسلحة الذي قد تستخدمها امريكا لضرب معظم المكونات والطوائف. دون أي تهديد قد يمس مصالحها او قد يشكل خطر عليها وعلى حلفائها في المنطقة.

الصحف الأمريكية والبريطانية كانت قد طالعتنا ببعض من التقارير والتعليقات في ما يخص الوضع العراقي . حيث علقت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن البيت الأبيض متردداً في قرار فتح ملف التدخل العسكري في العراق مرة أخرى بعد سحب قواته. ونشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريراً إلى أن امريكا وإيران لا يستطيعان وضع أقدامهما بالعراق . “شبكة سي ان ان” الأمريكية ذكرت في تقريراً لها الخيارات المتاحة للإدارة الامريكية وركزت على خيار تغيير سياسي فعال في العراق .. وهذا ما يجعلنا ندرك أهمية الوضع بالنسبة لأمريكا وإيران. وحان الوقت لتغيير سياسة العراق. وإحداث تغيير في الحكومة تناصف كل الطوائف وهو ما حدث بالفعل قبل أيام .

أمراً عادياً ان تشعر طهران بالخطر على ولدها المدلل في بغداد الذي يستحوذ العراق كدولة طائفية تابعة لإيران. وخادمة لها ومتقاربة مع مصالح واشنطن . وليس امراً هزلياً ان يلهث الرئيس روحاني في كلمته الأربعاء الماضي بالقول “إيران ستبذل كل ما بوسعها لحماية العتبات المقدسة  في العراق” وهذا مدلول واضح على ان الوضع الساخن في العراق يهدد امن واستقرار إيران .

حيث جرى لقاء امريكي – إيراني على هامش الاتفاق فيما يخص ملف إيران النووي. لكنه لم يخرجا بأي نتيجة عابرة في ما يخص الوضع العراقي الملتهب من ناحية التدخل العسكري. لكن ذلك يعطي لنا حلاً غير أساسياً بخصوص الحل البديل الذي قد يضعه اوباما محل نوري المالكي ليحدث نوع من التوازن الخصب بين الطوائف. وما قد يذهل الكثيرين هو أن ميزانية الجيش العراقي وتحركه وإستراتيجيته تحت سيطرة واشنطن. وهو الأمر الذي ادلى به الرئيس اوباما بأن الجيش العراقي لم يبنى بناية هيكلة وقوام جيش بالشكل المطلوب. مما يدل على أن الجيش العراقي تحت تأثير الإدارة الأمريكية منذُ ان غزت امريكا العراق. وجعلتها جزءاً لا يتجزأ من البناء الهيكلي لأمريكا ومصالحها في المنطقة .

لقد أصبح الأمر واضحاً نسبياً. او لربما يكون امامي فقط من جهة واحدة . وهو أن امريكا في طريقها لتغيير قواعد سياستها في العراق .. وقد خططت لهذا الحدث والتغيير القيادي منذُ فترة ، وهو الأمر الذي ذكرته آنفاً عندما كان هناك مؤشرات لذلك .

إنه الدوران العكسي .. وعهد التحالفات مع العدو القديم ، والصديق الجديد ، ولربما يتحول الى عدو قديم. وضرب السهام الغادرة من الخلف. لما تقتضيه المصلحة العامة لأمريكا وحلفائها . وهذه صفعة قوية للعرب. بتغيير قواعد اللعبة وقلب الطاولة. أينما وجدت مصالح امريكا . ولا نستبعد في هذا الخصوص ان تكون أم المشاكل السعودية هي وراء دعم العشائر المسلحة وجماعة داعش التي أوجدتها ودعمتها في سوريا. لكننا نقتصر إن كان تدخلها دون اعطائها الضوء الاخضر من قبل واشنطن. او لربما الإدارة الامريكية هي من خططت لهذا الوضع وجعلت المملكة تقوم بذلك. وتكون هي بعيدة عن عيون الأنظار. وتسقط علاقتها بما يحدث. في حال قطرت الحبر على ورق جديد. لعراق جديد. لقيادة جديدة. لا مكان للمالكي فيها. بل يوجد شخص أفضل منه نسبياً. لكن لا يقل درجة من أعمال وأفعال المالكي وحكومته وسياسته القذرة والمقرفة التي حولت العراق الى ساحة صراع طائفية . وجعل منها لقمة سهلة لأسود الغابة التي تلهث بشراهة نحو فريستها أينما وجدت وأياً كانت الظروف والنتائج !

فهل سيفعلها اوباما. ويستبعد خيار الضربة العسكرية رغم الضغوطات ويجعل من نفسه رئيساً نموذجاً لأمريكا في القرن الواحد والعشرين ؟ أم أن لا خيار غير الحل العسكري لتثبيت مصالح امريكا ، ولا يوجد بديل أنسب يتعاطى مع سياسة واشنطن في الوقت الحالي لحدوث تغييرات سياسية فعالية في قمة هرم المثلث العراقي ؟!
نحن بإنتضار الأيام القليلة القادمة التي ستحمل لنا الأجوبة على تلك التساؤلات .