ان دعوة الرئيس الامريكي، دونالد ترامب مؤخرا، الى مشاركة كل من روسيا والهند واستراليا وكوريا الجنوبية في اجتماع الدول الصناعية السبع. هذه الدعوة قوبلت برفض مبطن من فرنسا وبريطانيا، فيما الدول الاخرى وعدت بدراستها. المفلت للانتباه لم يتم دعوة الصين وجرى تجاهلها تماما. ان الغاية من هذه الدعوة هي التقرب من روسيا وعزل الصين، في ثاني خطوة امريكية على طريق الحرب الباردة، بعد تدخلها في شؤون الصين، في هونغ كونغ، بشجبها؛ الاجراء الصيني، في تشريع قانون في مجلس عموم الشعب الصيني، يؤطر شرعيا، بسط الامن والنظام في هذا الاقليم الصيني الغني. الولايات المتحدة هددت بحرمان هذا الاقليم من الافضلية التجارية في تعاملها معه اذا ما طبقت الصين هذا الاجراء. أما في تايوان فقد اعلنت الولايات المتحدة عن نيتها في تزويد الاخيرة بالأسلحة المتطورة، ليس هذا فقط بل لوحت بالاعتراف بها كدولة مستقلة. الصين من جانبها؛ هددت باجتياحها عسكريا اذا ما اقدمت امريكا على ما هددت به، وضمها الى التراب الصيني. من هذين التطوريين ومن غيرهما، يتبن لنا بما لا لبس ولا غموض؛ ان الجانبين قررا المضي قدما في المواجهة الباردة بينهما، وبالذات الصين التي وصلت، نتيجة، الضربات الامريكية المتلاحقة على اقتصادها وتجارتها، والعمل الدؤوب على محاصرتها دوليا، وتشويه سمعتها؛ بلغت قناعتها، الى نقطة اللاعودة، في علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية، والاستعداد، بتوفير مستلزمات وعوامل هذه المواجهة المفروضة عليها. تراوحت العلاقات الامريكية الصينية بين المد والجزر عبر تاريخ العلاقة بينهما. كان اهم ما يميزها، هو انها دائما تقع في المنطقة الرمادية التي تفتقر الى الوضوح. في مؤتمر فرساي عملت الولايات المتحدة او دعمت الأجراء الذي تمخض عن المؤتمر، بإضافة شبه جزيرة شان دونغ الى اليابان بدل ان تعيدها الى الصين الام. الولايات المتحدة الامريكية، بدءا من عام 1953، عملت جاهدة، على التقرب من الصين على الرغم من نظامها الشيوعي الذي هو منافس أيديولوجيا للنظام الرأسمالي الذي تقوده، في محاولة لأبعاد الصين كقوة كبيرة عن الاتحاد السوفيتي في الصراع التنافسي، على مناطق النفوذ في العالم الثالث، لأضعاف قوة التأثير العقائدي للاتحاد السوفيتي في شرق اسيا على وجه التحديد، وفي امريكا اللاتينية، وفي بقية العالم. زاد هذا التقارب الذي لم يكن في حينه، ظاهرا للأنظار، حتى تحول من محاولة التقرب الى فتح مجالات واسعة للتعاون، عندما وصل الخلاف الحدودي بين الصين والاتحاد السوفيتي او تحول الى القطيعة في عام 1963. في عام 1979اقامة امريكا علاقات دبلوماسية مع الصين واعترفت بالصين واحدة، بعد ان سحبت اعترافها بتايوان. ثم بدأت الولايات المتحدة، السماح الى الشركات الامريكية الكبرى والعابرة للحدود والجنسيات، في نقل نشاطها، في الصناعة والتجارة والمال الى الصين، في استغلال الايادي العاملة الرخيصة والمدربة، وايضا السوق الصينية؛ مما ساهم مساهمة فعالة في تطور الصين في حقول الصناعة والتجارة والمال حتى وصلت الى ما وصلت إليه، كثاني اقوى اقتصاد في العالم، ويهدد مستقبلا باحتلال موقع الاقتصاد الامريكي. هذا لا يعني عدم وجود قدرة صينية على النمو والتطور بمعزل عن الشركات الامريكية، بل العكس هو الصحيح، لكن الشركات الأمريكية، ساعدت في تقليص الزمن لجهة السعة والانتشار والحجم وبلوغ المنصات الصناعية فائقة التطور. استمر الوضع على هذا المسار، مع بعض الالتواءات في هذا المسار الصاعد، في فترة رئاسة ريغان للإدارة الامريكية، وإدارة بوش الابن الذي كان اول من دق ناقوس الخطر الصيني، حين اعتبر الصين منافس استراتيجي للولايات المتحدة. الأخير وفي عام 2007وفي زيارة له للهند؛ تم ابرام عدة اتفاقيات بين الولايات المتحدة والهند، كان من اهمها، العمل على تطوير وتحديث المنشآت النووية في الهند، والتعاون العسكري. كان الهدف الامريكي منها؛ هو بناء علاقات قوية مع الهند، لإقلاق الصين التي تتنازعها الهند في السيطرة على منطقة حدودية متنازع عليها بين الدولتين. في عهد الرئيس الصيني الحالي؛ اتبع سياسة احتواء المشاكل مع الولايات المتحدة، الى الدرجة التي حاول بهذه السياسة؛ تصفير هذه المشاكل. لم يكتف الرئيس الصيني الحالي بهذه السياسية بل زاد عليها في دعم المواقف الامريكية في مجلس الامن، وأكبر مثال على هذه السياسة؛ ان الصين قد صوتت لصالح المشروع الامريكي الذي قدمته الولايات المتحدة الى مجلس الامن الدولي الذي يعطي للأخيرة، المشروعية الدولية لغزو العراق. لكن المشروع لم يمرر بفعل تصويت الاخرون ضده. أضافة الى ما ذكرناه؛ قامت الصين في عهد الرئيس الحالي بزيادة استثمار الفائض المالي الصيني الضخم في سندات الخزانة الامريكية حتى بلغت في الوقت الحاضر، أكثر من ثلاثة ونصف ترليون دولار. في السياق، من المهم الاشارة؛ الى ان أمريكا ترامب، هددت الصين بالاستيلاء على هذه السندات كتعويض عن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الامريكي بفعل كارثة كورونا التي احالة سببها الى الصين. في الفترة الاخيرة تحاول الولايات المتحدة تفكيك التعاون بين روسيا والصين بشتى الطرق والوسائل ومن بينها هذه الدعوة الترامبية، لحضور روسيا وغيرها، قمة الدول الصناعية السبع. نلاحظ ان الدول التي تمت دعوتها جميعها لها خلافات مع الصين سواء كانت هذه الخلافات، خلافات حدود او خلافات اخرى كما هو الحال مع كوريا الجنوبية التي تعتبر الصين، حليف تاريخي، واستراتيجي، وايديولوجي لكوريا الشمالية، وهي فعلا كذلك. هذه الدعوة، وفي كل الاحوال، محاولة امريكية، للانفراد بالصين. فروسيا لها خلافات حدودية مع الصين من ايام الاتحاد السوفيتي على منطقة حدودية متنازع عليها، وهي الان تحت السيطرة الصينية، بعد ان ضمتها الصين إليها، عندما تفكك الاتحاد السوفيتي، ونفس الامر مع الهند. لكن الاهم من كل هذه الدول هو ابعاد روسيا عن الصين، وطبيعي وبدرجة اقل الهند. وهذه لعبة امريكية قديمة سبق وان لعبتها الولايات المتحدة ايام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي كما اشرنا لها في الذي سبق من هذه السطور المتواضعة، فقد قربت الصين ودعمتها خلال الحرب الباردة. في السياق؛ ان الاتحاد الروسي بقيادة الداهية بوتين، القادم من الكي جي، تدرك تماما ان تعاونها، يكتسب اهمية كبيرة في عالم اليوم، ولا نقول تحالفها مع الصين، اذ، لا وجود لهذا التحالف على ارض الواقع بل تعاون تقتضيه الضرورة، في تشابك المصالح، وتداخلها في خندق واحد في مواجهة الولايات المتحدة. ان هذا التعاون، ترى فيه روسيا، الجسر الذي تعبرعلى سطحه، الى العالم الجديد، عالم الاقطاب المتعددة. الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، تختلف كثيرا عن الحرب الباردة في القرن العشرين. فعالم اليوم يختلف كثيرا عن عالم القرن العشرين، يختلف بزاوية 180 درجة، والصين ليست الاتحاد السوفيتي بالتزاماته المعروفة، في عالم في الاصل كان منقسما ايديولوجيا الى عالمين مختلفين، نظام اشتراكي ونظام رأسمالي. من غير الممكن ان تنجح الولايات المتحدة في طريقتها هذه، في عزل الصين، في عالم تعددت فيه الاقطاب الدولية المؤثرة في صناعة المواقف الدولية، لأن عالم القطب الواحد قد مات تماما ولا توجد قوة في الكون قادرة على اعادة الحياة له. وهذا هو ما تحاول الولايات المتحدة التمسك به؛ غير قادرة على هضم واستيعاب هذا التحول. روسيا ليس من الغباء كما اسلفنا القول فيه، في الذي سبق من هذه السطور المتواضعة، بحيث تغامر على التفريط بتعاونها مع الصين حتى وان كان هناك خلاف على الحدود، وتنافس على المصالح الاقتصادية. لكن المصلحة الروسية والمصلحة الصينية تفرض هذا التعاون في مواجهة الغطرسة الامريكية، اضافة الى الهند. ان جميع الدول الكبرى والتي من اهمها، الصين وروسيا؛ تدرك ان اي منها غير قادرة منفردة على مواجهة التغول الامريكي في العالم، من مصلحتها الاستراتيجية؛ تشكيل كتل اقتصادية وسياسية، ومحاور، لمواجهة ديناصور المال الامريكي، المدعوم باقوى قوة عسكرية في العالم. ان مصالح القوى الدولية الكبرى تقتضي منها، للمحافظة على هذه المصالح بلا املاءات امريكية، التعاون مع بعضها البعض، بما في ذلك دول الاتحاد الاوربي، مستقبلا، في نهاية المطاف، وبالذات حين تتيقن، وبالملموسات الواقعية، ان لا خطر عسكري روسي، يهدد كياناتها. ان هناك تكتلات اقتصادية، ومحاور اقتصادية، وسياسية، لها دور فعال في هدم جدران الهيمنة الامريكية على الاقتصاد العالمي، ومع الزمن سيزداد هذا الدور، البريكس، وأوراسيا، على وجه التحديد، اضافة الى تكتلات اخرى. الصين وروسيا، دولتان عظميان يقودان مجموعة البريكس مع دول اخرى، الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ودول اخرى، كبيرة ومتوسطة. روسيا والصين، يحاولان التأسيس لنظام مالي يتم الاستغناء فيه عن الدولار، والطريق الى هذا الهدف سيكون سالكا، ليتجسد وجوديا على ارض الواقع، في السنوات القادمة. ان قانون القطب الواحد في هذا الكوكب الذي تحكمت امريكا بواسطته في الكرة الارضية، لعقدين، لم يعد قائما، هناك عالم اخر، حل محله..