18 ديسمبر، 2024 10:57 م

واردات العقل .. وصادرات الضمير !

واردات العقل .. وصادرات الضمير !

تنبيه .. المقال فكري فلسفي يتعمق في تحليل الذات الإنسانية وهو محور تعريفي نقدي للمتغيرات النفسية والإنتمائية في المجتمع العراقي ولم يعتمد على أية مصادر..
غير صحيح أن العقل يعتمد في بنائه على الحواس، فحواس الإنسان كالسمع والبصر واللمس والشم تشغل نسبة صغيرة جدا من تكوين وبناء عقل الإنسان تحديدا .. الله سبحانه وتعالى خلق آدم عليه السلام رجلا يمتلك عقلا متكاملا ومن نواميس هذا العقل حددت بنية وهيكل عقل الإنسان حتى يوم القيامة .. وبعدها أي عند قيام الساعة( القيامة الثانية) يسيطر العقل على أفق التكوين الجديد بإرادته وحسب..ماهو الفرق بيننا وبقية المخلوقات ؟ الحيوانات ، النباتات ، والمخلوقات المجهولة الأخرى .. الرغبة والضمير والإدراك وبضع إشتراطات تهيكلت داخل النظام التكويني للعقل.. تنمو وتزدهر وتكبر ولايمكن لها أن تتوقف إلا بالقيامة الأولى وهي موت الإنسان .. عقلنا مخلوق قبلنا وثبت فيما بعد داخل البناء الفسيولوجي لجسم الإنسان فقط وتم إختيار الدماغ لتثبيت التداور والإستقرار وإحداثيات التتبع .. في كل ثانية ومافوقها يتصاعد طلب إستمرار العقل ونموه كي يصبح جاهزا للحسم والحكم والتفريق.. فالعقل صناعة لنواة مخلوقة مسبقا تنمو معنا بعيدا عن تأثير الذاكرة وهو مايمكن إكتشافه بالتمييز البسيط فيما نؤمن به من معتقدات ونحن لا نتذكر كيف آمنا بها أصلا .. قد نكون درسنا أو علمنا أو لقنا بها لكننا لانتذكرها فتستقر وتتحول إلى الفطرة ( السليقة ) وفي حقيقتها دروس ومشاهدات وإنطباعات وإستماع لآراء بلا أي تدخل منا ! أمور كبرى ومصيرية لاشأن لعقل الإنسان بها كالموت والتنبؤ والتحول بينما يفرض العقل هيمنته التامة على جسد الإنسان في أثناء نومه أو فقدان الوعي ثم ينتقل العقل كاملا بعد الموت حاملا معه سجل الحياة الكامل للإنسان ! هذا مانؤمن به نحن المسلمون على الأقل الموحدون لكلمة الله جل في علاه ورسالة نبيه الأمين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. لادين ولاعلم مثل الإسلام عرف العقل وجعله حاكما وصيا بالحق يوم الحساب.. أما في الحياة الدنيا فواردات العقل تبدأ من جزيئات فسيولوجية تمتزج مع إشارات مجهولة لم يضعها أو يتدخل بها إلا الله.. بعدها تبدأ صناعة العقل في أثناء زرعه داخل حجم مصنع وهو الدماغ وسلسلة البناء السوسيولوجي ( الإجتماعي ).. فلنقرب التفسير ونوضحه أكثر .. إذا وضعنا طفلا سليم العقل ولم يتجاوز الخامسة أو السادسة من عمره في بيت أو قفص منعزل لمدة معينة فلايمكن لعقله الضمور ولايمكن له بالنمو الإستدراجي بل سينمو بناء على التركيب العمودي المتزامن مع نموه البدني.. بعدها يتم الإحتفاظ بعقل تشخيصي إدراكي ليس إلا.. عكس ذلك إذا وضعنا نفس العينة داخل مجتمع متكامل متحرك سيبدأ العقل بإستيراد التكوينات البنائية لاكتماله والتخلي عن حافة التحجيم، العقول لا يمكن لها أن تكتمل مهما تعمدت البناءات الحسية والفسيولوجية في تضخيم واردات التكوين وإخراج عقل تعبيري منها! ينتهي الجسد ويبقى العقل وهذا مالم يختلف عليه من أتباع الرسل والأنبياء وأكثرهم تحديدا المسلمون بطبيعة الحال ومابشرهم به رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة تؤكد أن العقل ينتقل مع الروح..
نحن إذن نختزن مايردنا من بناء عقلي يعتمد على إنسيابية التأقلم مع الجوانب المادية الأخرى.. يبقى لنا ما يسمى بالضمير ومايطلقه العقل من أحكام وتصورات وهو يتفنن بفرز مايخزن وما يهمل! في العراق ونتيجة لسلسة من الإنتقالات الوراثية الخاطئة عبر آلاف السنين أصيبت عقولنا بالملل من إتجاهين .. الأول أن عقولنا تكتمل بأمر من إنشقاق تلميحي مبهم يصيب العقل بمتوالية ثابتة للتمرد وعدم القناعة والاقتناع والثاني وهو الأهم أن مانصدره من أحكام تلبية لفراغات إجتماعية محكمة يرتد إلى مصادر الإنطلاق أصلا ! نحن أمام معضلة داخل أجسادنا لكنها قوة معادية لجملة من الرغبات سحقت خلال أكثر من عشرة آلاف عام وهي المهلة القصوى لتبادل واردات العقل وصادرات الضمير فأصبحنا هكذا أسرى لقيود مبهمة .. ولله الأمر