23 ديسمبر، 2024 2:16 م

واجبٌ على الكُلِّ أنْ يتضِحَ الحق بلا شَجب

واجبٌ على الكُلِّ أنْ يتضِحَ الحق بلا شَجب

العنوان اعلاه مُقتطع من قصيدة غاية في الروعة لسماحة مفتي العراق الدكتور “مهدي الصميدعي” يتحدث فيها عن المصادفة التي جمعته مع شاب مؤدب اراد السلام عليه فسلَّم عليه سماحة المفتي فرد عليه السلام الشاب المؤدب بطريقة تدل على تربية راقية وحضور جميل في حضرة المفكر الاسلامي الكبير سماحة المفتي العراقي المذكر اسمه اعلاه . منذ سنوات بعيدة وانا اسمع عن سماحة المفكر الاسلامي اعلاه وشاهدت له لقاءات كثيرة في محطات اعلامية مختلفة وطالعت عنه في مواقع اعلامية كثيرة جدا وكنت في قرارة ذاتي اتمنى ان يجمعني القدر مع هذه الشخصية العلمية الاسلامية العراقية يوما ما . كلما مررت يوما ما بالقرب من جامع ام الطبول اتذكر بيتاً من قصيدة طويلة للشاعر الراحل عدنان الراوي وهو يقول ” أم الطبول غداً نُقيم عليك ركن المسجد” – وحينما عثرتُ على قصيدة سماحة مفتي العراق وهو يتحدث عن ادب الشاب الذي سلَم عليه ورد عليه بطريقة جلبت انتباه سماحته أصبحت لدي رغبة اكثر لمشاهدته يوما ما فشرعتُ انقَّب في بطون المقالات والمعلومات واللقاءات التي تذكر سماحته فشعرت باهمية هذا المفكر الأسلامي الفذ بكل ماتعنيه هذه الكلمة من دليل واضح في عالم المعرفة ونكرات الذات. من خلال المعلومات التي طالعتها عن سماحته وجدته رجلاً مناضلاً من الدرجة الاولى ومقاتلاً عنيداً لايهابُ جبروت المحتل الامريكي الذي دنس ارض العراق لابل دمر كل المنظومة الاجتماعية والاقتصاية في بلدنا الحبيب.

حينما طفقتْ التهديدات الامريكية والحرب الأعلامية الكبيرة تتفاقم ضد العراق وتهيء لنشوب حرب مدمرة على بلدنا في عام 2002م سعى جاهداً بكل قوة ومن منطلق شرعي ووطني وجهادي للدفاع عن العراق فساهم مساهمة فعالة في تشكيل– الجيش الاسلامي العراقي- انضم اليه اكثرمن سبعة الاف مقاتل وقد اختير بالأجماع ليكون اميرا رسميا لهذا الجيش. لم يكن هذا الجيش منحصراً في منطقة واحدة وانما صارت له اطراف اخرى في الطارمية واللطيفية وجبله ومنطقة العويسات وكذلك منطقة جرف الصخر, وكان قد انضم الى هذا التجمع الجهادي ضباط وجنود من الجيش العراقي. كان لقاءهم الاول للتهيئة للعمل الدفاعي عن سيادة العراق في جامع الصحابة في منطقة العويسات وبعدها انتقلوا الى جامع المدينة المنورة في منطقة الطارمية. كان لديهم مقر في – البوعبيد- حيث كانوا يذهبون اليه ويعودون منه مرات عديدة. توصل المجتمعون الى تشكيل جيش وبالفعل تم تشكيله. تباحثوا فيما بينهم هل يخبرون الحكومة ام يلتزموا جانب الصمت والسرية المطلقة. اتفقوا على ان يخبروا الحكومة وبعد محاولات حصلوا على الموافقة وتم تشكيل جيش المقاومة وصار جيشهم شبه رسمي. شرعوا بالتدريبات العسكرية وطلبوا السلاح من الدولة ليكونوا على اهبة الاستعداد فيما اذا دخل المحتل الارض العراقية. كانت خطة ذكية في اقناع الدولة على الموافقة وتبايعوا على امرين : الاول اذا طردت الحكومة العراقية جيش الاحتلال فأن هذا الجيش سيقاتل جيش صدام واسقاطة وتغيير الحكم, اما اذا اسقط المحتل الحكومة العراقية فأن هذا الجيش سيقاتل بكل ضراوة ذلك الاحتلال ومحاولة تكبيدة اكبر الخسائر في عالم الحروب السرية والشعبية.

يُعتبر سماحة مفتي العراق- الصميدعي – أول رجل في العراق كان قد اعلن الجهاد ضد القوات الامريكية واول رجل يقاتل وبضراوة القوات الامريكية . ولنتوسع اكثر في وصف هذا المجاهد الكبير فنضفي عليه صفة اول من جعل الامريكان يبكون ويئنون من ضرباته الماحقة المتلاحقة في مناطق القتال التي كان مسؤولاً عنها. كانت الارتال العسكرية الامريكية لاتستطيع المكوث اكثر من خمس دقائق في الطريق لتجد نفسها اشلاء متناثرة تتطاير في سماء العراق الحبيب. حاول الامريكان بشتى الطرق القاء القبض عليه بَيْدَ انهم فشلوا فشلاَ ذريعاً مما جعلهم يضعون جائزة مغرية تصل الى – 50 الف دولار – لِمن يُخبرهم عن مكان وجوده. وضعوا صور هذا المجاهد المقدام في مناطق ناحية الرشيد , قضاء المحمودية وجميع المناطق القريبة من تلك الأماكن والطريف في الامر انه كان يشاهد صوره معلقة على الجسور المختلفة في مناطق العمليات تلك .

من خدع الامريكان؟

في بواكير سنوات الاحتلال كانت اجواء كافة المدن العراقية تسبح في امواج من الخوف والرعب والترقب من اي حركة من حركات الارتال العسكرية الامريكية المحتلة والتي كانت تجوب شوارع المدن والقرى والارياف تبحث عن اي مطلوب لهم وتبذل كل شيء من اجل اعتقاله كي تؤمن حركة تنقلاتها . كان المجاهدون الابطال يقضّون مضاجع المحتل وكنا نحن البسطاء نشاهد ونسمع اصوات الانفجارات في كل مكان من ارض الوطن الجريح. فكيف بمقاتل عنيد جعلهم يتمنون ولو لحظة واحدة ان يشاهدوه او يلقوا القبض عليه . لم يكن صيداً سهلاً بالنسبة لهم فقد كان حاد الذكاء في التخفي واخفاء اسمه الحقيقي وجريء في الحالات التي تكون بالنسبة له او لرفاقه مصيريه . في لحظة من لحظات ذلك الزمن العصيب كان واقفاً في سوق المحمودية لقضاء بعض الحاجات واذا به يجد قوات الاحتلال تطوقه من كافة الجهات لأنهم ايقنوا ان ذلك الرجل ماهو الا الهدف المطلوب. بلا مقدمات اخبروه بأنه – مهدي الصميدعي – ذلك الهدف العصيب عليهم. بسبب ايمانه الكبير بخالقهِ وبسبب ايمانه الراسخ بعدالة قضيتهِ التي يناضل من اجلها وبسبب ايمانه بانه – لن يصيبنا الا ماكتب الله علينا – ظل رابط الجأش , هاديء البال, قوي العزيمة . قال بكل هدوء ” عن اي شيءٍ تتحدثون ؟ لم اسمع بهذا الاسم من قبل ..أنا هاشم محمد خليل وهذه جنسيتي او هوية الاحوال المدنية ” , ادخل يده في جيبه وقدم للمترجم وثيقة رسمية صادرة عن دائرة رسمية. حينما قال له المترجم بأنه يكذب ولا يقول الحقيقة رد علية المقاتل العنيد بانه لايكذب وليس مضطرا للكذب فأنه لم يرتكب جريمة ضد القانون المحلي او الدولي وهو ليس خائفا من اي سلطة. واسترسل حديثه بانه رجل من ديالى وجاء الى المحمودية ليزور شقيقته التي تسكن هنا. في تلك اللحظة طلبوا منه ان يذهب معهم الى بيت شقيقته للتأكد من الامر إن كان ينطق بالصدق. في تلك اللحظة خطرت على ذهنهِ فكرة ذكية ربما تنقذهُ من تلك المحنة التي يسبح في محيطها الهائج. هو يعرف ان حكاية شقيقته ليس لها وجود في عالم الحقيقة والتحقيقات لكنه كان يعرف صديقاً له اسمه – سعد عبد القادر- يسكن هنا في المحمودية وكان المقاتل الجريء – الصميدعي – قد اقرضه مبلغ من المال وهو من اهل الفلوجة لكنه يسكن المحمودية وهو متأكد من ان ذلك الصديق لم يكن موجودا في تلك اللحظة. رافق قوات الاحتلال الى بيت – سعدعبد القادر رؤوف – وحينما طرقوا باب منزله اخبره الجيران من ان الرجل سافر الى الفلوجة وعندها ادرك الامريكان انه يقول الحقيقة . اخذوه الى الشارع وتركوه هناك وبذلك انقذه الله سبحانه وتعالى من خطر كبير.

من انقذ الصميدعي من الامريكان؟

في زمن الغليان كانت ارواحنا جميعاً تتضرع الى خالق السماء ان ينقذ جميع العراقيين من شرور الاشرار وان يحفظ العراق بكل طوائفه ومكوناته بغض النظر عن الحسب والنسب واسماء القبائل والعشائر فكل ابناء العراق ينتمون الى هذه الارض الطيبة وبالتالي فأن المسؤولية الاخلاقية والانسانية تُحتمُ على كل فرد ان يبذل مافي وسعه لأنقاذ كل من يحتاج الى عملية انقاذ جسدية او معنوية . من هنا كانت التجربة الصعبة التي سبح ” الصميدعي ” في بحرها المتلاطم الامواج خير دليل على تكاتف ابناء هذا البلد الرائع حينما تظهر مشكلة في سماء الوضع الصعب والعصيب. في اللحظة التي ترك فيها الامريكان المقاتل الاسلامي على الشارع الطويل تنفس الصعداء لكن دقات قلبه لازالت تعزف الحان الترقب والخشية من عودتهم مرة اخرى ليرافقوه الى مكان مجهول وقد صدق حدسه. بعد دقائق قليلة عادت سيارات الهمرات الهائجة تمزق حافات الطرق الجانبية تبحث عن فريستها التي كانت قد القتها على قارعة الطريق معتقدين انه ليس الهدف المطلوب. كانت الهمرات تشق الصمت بهديرها المخيف. اشار الصميدعي الى سيارة اجرة موديل – 79 – وخاطب سائقها بطريقة محببه حيث قال له حرفياً ” داده يمكن ذولة الامريكان يريدون يعتقلوني” . كانت تلك العبارة قد ارسلت شرارتها الانسانية المطلقة لقلب وروح ذلك السائق الشهم بكل ماتعنيه هذه الكلمة من مقاييس الرجولة والتضحية من اجل الاخرين في حالة العسر وضياع الروح.

تطلع السائق الشهم صوب الحائر في الطريق المجهول نحو الهاوية وصاح برجولة ” تفضل…والله ما اسلمك لو تطير هاي اللوزة” . ومعنى الكلام لن اغدر بك او لن اسلمك الى الاعداء لو ذبحونني. كان من ابناء المحاويل. انطلق كالسهم القاتل في طريق الموت وراح يناور هنا وهناك ليضللهم ودخل في جهاتٍ مختلفة وتوغل الى منطقة اسمها – كويرس – وضيعه بين البيوت. هذه نتيجة المطاردة بأيجاز لكنني هنا لا أبحث عن النتائج الجافة الخالية من الانسانية ومناجاة الروح في الازمنة العصيبة ودقات القلوب التي توشك ان تتوقف عن حركة الحياة في لحظاتٍ كهذه او تلك. كان – الصميدعي – شديد الايمان بالله ومن الاشياء التي يكتبها الله سبحانه وتعالى لكل مخلوقاته على الارض وتحتها ومابين السماء وفي كل مكان. كان لايخاف الموت لكنه لايريد ان تنتهي حياته بهذه السهولة قبل ان يحقق الهدف الكبير الذي شكل جيشه ورفاقه من اجله…تحرير العراق او القضاء على الظلم ونشر الاسلام بصدق. بين الحين والاخر يتبادل نظرات حائرة مع السائق الشهم لكن نظرات الرجل الاخر تهمس له بصدق – لاتخف ان الله معنا- كانت التنهدات هي الطريق الوحيد لتكون لغة المخاطبة في تلك اللحظات العصيبة. اغمض الصميدعي عينيه وراح يستذكر الاشياء الجميلة التي مرت في حياته قبل ان يمسكه الامريكان – ربما يمسكه الامريكان – هنا على طريق الموت. صور كأنها اشباح مرت على ذاكرته ..قضاء الصويرة حيث مسقط رأسه وبابل التي كان قد ترعرع فيها ونشأ بين ربوعها ومدرسة الاشبال الابتدائية التي درس فيها والمدرسة الاسلامية في المحمودية واعدادية الدراسات الاسلامية في سامراء, ورفرفت صورة والده – رحمه الله- امام ذهنه في لحظاتٍ ايمانية رائعة – كان متصوفاً من اهل السلوك الزاهدين. تذكر عام 1981 حينما دخل الخدمة العسكرية وكيف تم انتدابه من الجيش وكيف صار اماما وخطيبا في جامع خانقين , ورفرفت صورة الدكتور الجليل الذي كان الصميدعي قد تاثر به كثيراً الا وهو ” محمود صافي ” في كركوك وكذلك تأثرة بالدكتور الطبيب نزار الحديثي رحمه الله حيث كان له تاثير جيد وينصحه باشياء كثيرة.هو الذي ارشده ليكون داعية صاحب قضية حينما اعطاه كتاب ” الطريق الى جماعة الام ” وكان لهذا الكتاب اشارة ضوئية ناجحة لفهم اشياء لاتعد ولاتحصى. وانا اكتب هذه الكلمات تذكرت بعض الحوادث التي اربطها هنا مع نفس القضية – قضية الهروب نحو المجهول وكيف كانت الامور تجري في سنوات الغليان وطريق الموت بين الكويت وصفوان وكيف كانت القوات العراقية تنهزم مذعورة من طائرات العدو السوداء حيث كانت تحصد كل شيء في ذلك الطريق المخيف عند هروبنا من الكويت . كنت قد يأست من العودة الى البيت . الصحراء مخيفة ودخان آبار النفط تغطي السماء والاف الجنود والعسكريين يركضون في الصحراء كيوم المحشر. كنت اركب في سيارة ريو عسكرية مع سائق من الحلة شجاع وبين الحين والاخر اقول له بأننا سنموت بعد لحظات لكنه يخبرني بان كل شيء مكتوب والموت لايأتي اذا لم تكن ساعته قد دنت. كنا نترك السيارة بين لحظة واخرى حينما تشرع الطائرات بقصف الارتال العسكرية المنهزمة نحو الموت في كل الاتجاهات . كان الدم قد تجمد على بدلتي العسكرية دون ان ادري او اشعر بذلك لأننا حينما كنا نقفز بين الحين والاخر على الاسفلت ونتمدد قرب الرمال كانت قد حدثت لي جروح كثيرة بسبب السقوط المرتفع من السيارة فوق الاسفلت. تذكرت هذا حينما عرفت ان الصميدعي قد استقل سيارة الاجرة نحو المجهول. صور كثيرة تتشابه في زمن الحروب والاحتلال وتظل تلك الصور عالقة في الذاكرة حتى الرحيل الى العالم الاخر. لايسعني في هذه المناسبة الا ان اوجه كل علامات التحية الى ذلك السائق الذي خاطر بحياته من اجل انقاذ الصميدعي.

لماذا رفض الصميدعي التعيين في جامع عبد القادر الكيلاني؟

حينما التقى الدكتور الصميدعي يوما ما صدام طلب منه رئيس العراق آنذاك ان يبدأ عمله في جامع عبد القادر الكيلاني ويكون اماماً وخطيباً في المكان المذكور لم يرضخ لرغبة الرئيس لأسباب تتعلق بالمفهوم العقائدي الذي يتبعه سيادة المفكر الاسلامي العراقي وأوضح للمسؤولين من انه لايستطيع الصلاة في مكان فيه قبر وهذا يعود لمباديء عقيدته التي يؤمن بها وذكر لهم بأنه لايتردد او يستحي من قول هذا مهما كانت النتائج. من هنا صار الاتفاق على ان يضعونه في جامع ام الطبول ولكن برزت امامهُ مشكلة اخرى وقفت حجر عثرة في طريقهِ لايمكن ان يتخطاها مهما اوتي من علم او درجة اخرى تؤهله ليكون في ذلك المكان اي جامع الطبول. كان عزت الدوري يصلي كل جمعة في هذا الجامع والطريقة العقائدية التي يتبعها الدوري تتعارض مع الطريقة الدينية التي يتبعها الصميدعي وحينما شاهدهُ الدوري جن جنونه واخبره بالحرف الواحد قائلاً له ” أنت مستحيل ان تدخل جامع ام الطبول ..انا كل جمعة اصلي فيه وليس عندي استعداد اشوفك على المنبر ” . اوضح الصميدعي نقطة الخلاف الجوهرية بين العقيدتين اوضح بان الدوري صاحب – طريقة – وعقيدة الصميدعي تخالف عقيدة الدوري لا بل كانوا – اي جماعة الصميدعي – يصفونه بالفاسق وصاحب بدعة وينعتونه بصفات اخرى كثيرة. لكن ارادة الله هي التي جاءت بالصميدعي ليكون خطيبا واماما لجامع الطبول بعد سقوط بغداد او لنقل سقوط حكومة العراق التي كان الدوري نائبا فيها. ظل الصميدعي في جامع ام الطبول بعد الشهر السابع من عام 2003 حتى جاء اليوم المشؤوم 1/1/2004 حيث داهمت قوات امريكية كبيرة جامع ام الطبول وكانت هناك طائرات سمتية كثيرة تحوم فوق الجامع او وقفت فوق الجامع لمساندة القطعات الامريكية الكبيرة على الارض من همرات ومشاة وتم اعتقاله يوم 1/1/2004 وظل قابعا خلف القضبان حتى يوم 1/1/2009 .

صناعة العَداء والكُره بين المسلمين .

في اللحظة التي وطأت فيها قدم المفكر الاسلامي الكبير الدكتور الصميدعي ارض سجن – بوكا – انتقل الى مرحلة جديدة من العذاب والألم والخوف والرهبة والخطورة لدرجة تقشعر لها الابدان – وهذا ماتعرفتُ عليه – من خلال اللقاءات والاحاديث الطويلة التي كان يجريها المفكر الاسلامي والمقاتل العنيد الصميدعي مع وسائل الاعلام المختلفة. موضوعنا هنا ليس الحديث عن الحكايات المفزعة التي كان – بطل حكايتنا- يتعرض لها هو واعداد كبيرة من المسلمين من كافة العقائد هناك – ومن يريد الدخول في تفاصيل تلك الاحداث عليه ان يلجأ الى لقاء من تلك اللقاءات وعندها سيجد ضالته عن طريق الاشياء والحكايات التي كان الصميدعي يتحدث عنها بألم واسهاب تجعل قلوبنا تكاد ان تتوقف عن الحركة. من الاشياء المهمة جدا التي تحدث عنها الدكتور الصميدعي تلك السياسة البغيضة التي كان يتبعها الاحتلال في رسم الحواجز التي تنتج عنها طرق قذرة في خلق سياسة الكره والحقد بين ابناء الاسلام عامة وسكان السجن بصورة خاصة . يريدون ضرب بعضهم بالبعض الاخر وخلق عداء شديد يمزق وحدة الاسلام وصنع فجوة كبيرة بين بعضهم البعض اي سياسة – فرق تسد- وهذا مانجح فيه الاحتلال الى درجة كبيرة جدا. حكايات كثيرة جدا تطرق اليها جعلت قلبي يكاد ان يرفض الحركة مرة اخرى ولكن الحكاية التي كان يتبعها الامريكان – يعتقلون على سبيل المثال الف سني مقابل ثلاثة رجال من الشيعة يضعونهم مع الاف السنة لكي يضطهدونهم شر اضطهاد – وحينما تتم مقابلات العوائل لأبناءهم يحكي هؤلاء المساكين لأهلهم وذويهم عمليات الاضطهاد التي يتعرضون لها من قبل السنة داخل السجن مما يولد هذا حقداً دفيناً تجاه السنة خارج المعتقلات – وهذا هو الهدف الذي يريده الاعداء – اي خلق فتنة كبيرة جدا بين ابناء الشعب المسلم الواحد . عندها يكون العداء خارج السجن رهيب بين السنة والشيعة . صناعة الكره والعداء بين المسلمين عمل استخباراتي امريكي من الدرجة الاولى اي فَرّق تنجح في السيطرة على كل المسلمين داخل البلد المحتل.

هل قابل الصميدعي البغدادي خلف القضبان ؟

تحدث الصميدعي عن لقائه الاول مع البغدادي بطريقة ٍ لطيفة ووصفه بالأنسان البسيط صاحب العشرة اللطيفة. ذكر بأن اسمه ابراهيم عواد السامرائي وكان قد التقاه عام 2005 ويطلق عليه لقب ابو دعاء . لم يكن احد يعرفه ابداً وكان دكتوراً تدريسيا في كلية الشريعة. بسبب مكانته العلمية وكونه يحمل لقب دكتور طلب الصميدعي ان يضعوه معه في خيمة 11 ليكون قريباً منه. يتحدث عنه بأنه رجل بسيط ويلعب كرة القدم ولايدري كيف تحول فيما بعد الى تلك الوظيفة التي يعرفها الجميع ..ويقول ربما اسقوه حبوب او شيء من هذا القبيل والا كيف يتحول الى قيادة ذلك التنظيم الخطير واحداث تلك الاعمال التي يعرفها الجميع.

كيف كانت علاقة الصميدعي مع الكبيسي؟

حينما كان الصميدعي يتحدث عن احمد الكبيسي كان يذكره بكلام يليق به كمفكر اسلامي ينتمي الى عقيدة تختلف عن عقيدته ومع هذا يذكره بانه رجل مشهور وله خطابه وله جمهور ولكن افكاره تختلف عن جميع افكار اهل السنة بأعتبار انه كان من جماعة المعتزلة ولم يبق لهم اثر في العراق الا بعض الاطراف والجزئيات القليلة لاتمثل العموم. كان يؤكد بعدم وجود اي اختلاف مع الكبيسي من الناحية الشخصية ولكن الخلاف كان قد انبثق بينهم في بداية عام 2003 حينما كان يخطب في جامع الامام ابو حنيفة, حيث شرع بمحاولة اعطاء فرصة للأمريكان . كان الصميدعي ومجموعته يرفضون جدا ذلك الامر وقدموا له النصائح الكثيرة بضرورة الغاء الموضوع وعدم التطرق اليه في المستقبل. اجتمع الجميع في هيئة علماء المسلمين واعترض مئات من مشايخ اهل السنة وطلبوا من الكبيسي ان يسحب الموضوع. مع هذا ذهب الى ديالى وخطب هناك وذكر نفس الموضوع وخطب في صلاح الدين وابو حنيفة وكرر نفس الكلام . حينما جاء الى جامع ام الطبول – وكان الصميدعي الامام والخطيب – قال للصميدعي بانه يريد التصحيح هنا والخطبة في هذا المكان . لم يتحدث عن اعطاء فرصة للأمريكان او ان يتم الصلح مع الامريكان ولكنه تحدث عن العلماء والسلاطين ومن كان يتقرب الى السلطان . هنا صرخ المصلين بغضب وصاحوا عليه بصوت واحد بانه هو من كان يتقرب الى صدام . حدث شجار عنيف وطبعا كان لديه حماية والصميدعي من فض النزاع وطلب من الكبيسي ان يجلس معه في غرفة الامام في الجامع لتهدئة الامر….وبعد قليل ذهب الرجل في طريقه.

هنا يذكر الصميدعي موضوعاً يتحدث فيه عن الكبيسي بطريقة جميلة وكأنه كان قد وقف في جانب او صف الصميدعي حينما حدث موضوع تشكيل مجلس اهل الشورى والسنة في عام 2003 ولم يعترض مطلقا عندما تم اختيار الصميدعي رئيساً للمجلس. في يوم 30/ 9/ 2003 تم انتخاب الدكتور الصميدعي مفتي للعراق لم يعترض الكبيسي وقال بالحرف الواحد ” أؤيد ان الافتاء لايستحقه الا اهل – الثغور –وهذا الرجل مجاهد ” . ويؤكد الصميدعي مرة اخرى بأن علاقته مع الكبيسي كانت طيبة وقد اكدت تلك العلاقة مدى طيبتها حينما التقى العالمان المسلمان يوما ما في الاردن لحضور مؤتمر اهل البيت وراح الكبيسي يقبل الصميدعي بحرارة ليس لها نظير. ذكر الصميدعي بأن البعض اراد ان يورط الكبيسي بقضية معينة وخصوصا حول قضية الافتاء في العراق – هناك حرب ضروس في العراق حول هذه القضية والجميع يعتقدون ان سببها الصميدعي لانه ليس حزبياً .

هل صحيح ان ميول الصميدعي الى ايران؟

حينما وجه المحاور السؤال للدكتور الصميدعي من ان البعض يتهمه بميولهِ الى ايران وطلب منه ان يوضح هذه القضية ابتسم المفكر الاسلامي الكبير بهدوء وثقة عالية بالنفس وراح يخاطب المحاور بطريقة لطيفة جعلتني اترقب بشدة وعفوية طريقته الجميلة في توضيح بعض الامور. قال الصميدعي بالنص مخاطبا المحاور ” ممكن تفسر لي ماذا يعني ميوله الى ايران؟ هل تريدني ان اصلي وانا اسلب اليدين ام ماذا؟ ” . دون ان ينتظر جواب المحاور قال بثقة عالية ” سأقول لك شنو ميولي الى ايران؟ انا ميولي للشيعة. اعتقد ان الشيعة مسلمين. هذه عقيدتي منذ عام 1981. قبلها نحن لانعرف هذه الامور . بعد ان درسنا العقيدةعلى يد الدكتور محمود صافي عرفنا ان هناك عقائد . منذ ذلك الوقت عرفت ان الشيعة مسلمين بالعموم وان السنة مسلمين بالعموم . انتهت القضية. اعطانا الادلة الشرعية من اقوال السلف ومن هذا المنطلق وبما ان الشيعي مسلم فأنا ملزم امام الله أن اعطيه حقه كمسلم ” .

كيف نجا الصميدعي من حبل المشنقة في زمن صدام ؟

كان الدكتور الصميدعي يؤمن ايمانا مطلقا بأن الصدق يكون في جميع الاحوال خيمة تحمي صاحبها في اخطر الظروف التي يمر فيها الانسان وهذا ماحدث بالفعل له. كان متمسكاً جداَ بأقوال وافعال السلف الصالح كي يوفقه الله سبحانه وتعالى في تحقيق قضيته واهدافه التي يسعى ويعمل من اجلها. تمسك بوصايا وهدايا العمل الصالح لدرجة جعلته من اعلام المخالفين للنظام السابق وهذا ماجعله زبونا معروفا لكل الجهات الامنية في العهد السابق. كان صادقا في دعوته ولم يكن لديه اي ميل لاي حزب او تحزب. كان يطمح لنشر دين الله سبحانه وتعالى الذي جاء به الرسول الاعظم – ص – بدون زيادة او تطرف . صدرت بحقهِ احكاماً كثيرة وصلت الى 118 حُكم كان اخرها الحكم بالاعدام . يذكر الدكتور الصميدعي ان سبب خلاصه من حبل المشنقة يعود لفضل الله ومن ثم الى امراة حديدية من اهل الموصل. كان والدها معوق بمرض – الكنكري – وقد اخبرت صدام بحالة والدها المزرية وطلبت منه المساعدة . اخبرها صدام بأنه سيرسل في طلب والدها غدا . حينما حضر الرجل المريض امام رئيس الجمهورية قال له بالحرف الواحد ” انا رجل كبير ولا اريد منك اي شيء سوى شيء واحد فقط…يوجد رجل شيخ لديه 8 بنات وولد واحد فقط اريدهُ من عندك ” . اخبره صدام بأنه سيرسل في طلبه ذلك اليوم. في الساعة السادسة صباحاً من يوم السبت دخل الصميدعي لمقابلة الرئيس وحينما ساله صدام عن قضيته أخبره المفكر الاسلامي الكبير نصاً ” ليس لدي قضية سوى ان اقول للناس اعبدو الله حق عبادته ” . نظر اليه صدام قائلا ” كلنا نقول هذا الكلام ” . هنا وبطريقة المزاح قال له الصميدعي ” لو ان عزت الدوري يسمعك الان لقال عنك بانك وهابي ” . ضحك الرئيس ملء شدقيه اي راح يقهقه بشدة واخبره بانه سيطلق سراحه الان بسبب هذه الطرفة التي جعلته يضحك بقوة. بالفعل خرج من بناية المجلس الوطني الى بيته مباشرة . كان يستذوق طعم الصدق في القضية التي يدين بها لله سبحانه وتعالى وكان الله يحميه من كل سوء. كان يؤمن تماما بانه من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منها. كان يؤكد دائما بان السلفية لم يضعوا في رأسهم مسألة الكرسي او الحكم وعلاقتهم مع المجتمع للأصلاح, ويؤكد ايضا ان علاقته مع الشيعة قوية وهم يختلفون عن الوهابية وهم قريبون من الناس وامنيتهم ان يجعلهم الله سببا للأصلاح وليس سببا للفتنة.

في النهاية وفقني الله ان التقِ بهذا المفكر الاسلامي الكبير في جامع ام الطبول فوجدته انساناً بشوشا سمح الوجه عالِ الخلق يحترم المقابل بشكل كبير جدا ويتمنى ان يحقق اصلاحا كبيراً للمجتمع الاسلامي بكل صدق ومحبة واخلاص. اللهم وفق الشيخ العالم الاسلامي الكبير لخدمة العراق بصورة خاصة والعالم الاسلامي بصورة عامة . مهما كان الأنسان ورعا متقيا صالحا لابد ان يظهر من يحاول النيل منه لأسباب ربما شخصية او سياسية او اخرى تتعلق بالمادة والجاه وحب الدنيا . اللهم وفقنا جميعا لخدمة الحق والابتعاد عن قول الزور والبحث عن الحقيقة مهما كانت بعيدة او صعبة المنال لأن في الصدق النجاة , واكرر في نهاية المقال كلام المفكر الاسلامي الدكتور الصميدعي لأنني تأثرت به جدا وهو ” واجبٌ على الكلِ ان يتضحِ الحق بلا شَجَب “.

[email protected]