18 ديسمبر، 2024 3:45 م

وائل الضابط.. عدسة دافئة بطعم الذكريات

وائل الضابط.. عدسة دافئة بطعم الذكريات

لا شك أن التوقيت عامل مهم لنجاح أي عمل بحيث تعمل الموهبة مع الإحساس الداخلي جنباً إلى جنب لإقتناص أو تسجيل أو صناعة لحظةٍ من الإبداع، وكما نجد للتلقائية والسلاسة في الأداء من محاسن، نجد أيضاً أن اختيار التوقيت إلى جانب بقية العناصر من مواد وصورة وكلمة وحالة وثقافة تؤدي جميعاً إلى نتيجة ترضي الشغف والخيال..

والعمل في أي مهنة متصلة بالذوق والإحساس كالمهن الفنية والأدبية يشبه المشي على الحبل في السيرك، كونه يحتاج إلى الكثير من الصبر، الصدق، الموهبة ومخزونٍ من الإحساس يستطيع دفعه إلى الأمام بوتيرةٍ محسوبة ومتزنة تستطيع رؤية العمل بأبعاد ٍ متعددة، واعطائها حقها كما هي دون زيادة أو نقصان، لذلك يمكننا القول أن نجاح المنتج الفني يمكننا أن نترجمه في كلمة بسيطة لكنها بالغة الصعوبة في جوهرها وهي كلمة..الإيقاع..

وفي مجال التصوير الفوتوغرافي هناك الكثير من الموهوبين والمبدعين، كما يوجد هنالك الكثير من الباحثين عن الظهور والشهرة أيضاً كأي مجالٍ آخر مع عدم امتلاكهم لأي موهبة واعتماد البعض بشكلٍ شبه كامل على التقنيات، وموهبة أي مصور تتجلى في أعماله، زواياه، وجوهه، فكرته، تلقائيته بعيداً عن أعمال يحاول إضفاء الطابع العفوي عليها بينما يظهر بوضوح أنها تمت مع سبق الإصرار، فإن خان المتلقي الثقافة والوعي فلن يخونه إحساسه بما يراه وإن لم يكن قادراً على تحليله، فإما أن يلامس قلبه أو لا يعني له شيئاً دون وجود ٍلحلولٍ وسطى..

فالعمل الفني أحياناً لا يتحدث عن نموذج ٍ بعينه بقدر ما يمثل طيفاً واسعاً من الناس ويرمز له من خلاله، في محاولة من صاحب العمل لدفع المتفرج إلى التفكير بدلاً من مجرد الإكتفاء بالمشاهدة، فيتحول من متلقي إلى شريك قد يقوده تفكيره إلى تغيير واقعه ذات يوم.. ولاشك أن لكل ثقافة جمالها وآدابها وفنونها، وتتجلى عظمتها في قدرتها على الوصول كما هي دون ترجمة إلى جوهر الإنسان وحالاته بكل أبعادها وتناقضاتها بمعزلٍ عن المكان الذي يتم فيه التقاط الصورة، وهنا تكمن براعة المصور كما نرى في أعمال المصور السوري وائل الضابط..

فعدسته التي توثق الصورة واللحظة لا تنفصل عن ثقافته الأم، ونستطيع رؤية تأثيرها بوضوح في لمساته التي تميز صوره دون أن تؤثر التقنيات عليها، الى جانب انتقائه للقطاتٍ جمالية تحمل الطابع الكلاسيكي من الطبيعة التي ينقلها كما هي بحزنها وتعبها والشجن الذي يقطر منها، فنراه داخل البيوت التقليدية أو على الشاطىء أو بين الأزقة العتيقة ليذكرنا بما قرأناه وتخيلناه في رواياتٍ شكلت ذائقتنا وذاكرتنا واحساسنا انطلاقاً من بيئتنا، والتي تركز على التفاصيل البسيطة والجمال الهادىء الذي يدوم بعيداً عن الصورة الصارخة التي سرعان ما نمل منها ليعطي كل حالةٍ حقها، وينقل كل زاوية ٍ بعناية جاعلاً من تفاصيلها حكايةً مميزة يستخدم الضوء فيها بأسلوبٍ شاعري ومدروس وبعيدٍ عن التعقيد والتشتيت واستعراض التقنيات دون داعي، مما يدل على ثقافة المصور ورهافة حسه وشعوره بالأشياء فيحكي بلغتها لا بلغة السوق لتصل بكل صدقٍ وخفة دون أن يفرض وجوده عليها، ويجعل كلاً منها تبدو كمقطوعةٍ موسيقية تفوح بالشجن فتثير العواطف وتزيد الحنين إلى الجمال والنقاء الذي لم تغير الحداثة أصالة جوهره، ولازالت تحتفظ بعذرية حبها كعطر الجدات وأناقة الماضي وذكريات الطفولة البريئة البعيدة كنجمٍ في السماء، والقريبة كشالٍ على الكتف.. يلف قلوبنا فيدفئها كلما صفعتها رياح الغربة..