18 ديسمبر، 2024 9:04 م

وئد الفتنة الطائفية : الكويتيون يجتازون الاختبار بنجاح !

وئد الفتنة الطائفية : الكويتيون يجتازون الاختبار بنجاح !

ليست سوى جريمة إرهابية واحدة ثبت أن الجناة فيها (تخطيطا”وتنفيذا”) ليسوا من الكويتيين ، إنما من رعايا بؤرة التطرف الديني الجارة والشقيقة الخليجية (السعودية) ، إلاّ أنها كانت كافية لتناخي جميع مكونات المجتمع الكويتي وقطاعاته الرسمية والشعبية ؛ لنبذ فرقتهم ولملمت شعثهم وتعليق خلافاتهم ، والركون من ثم إلى عاصم (الوحدة الوطنية) الذي لا يخيب ، لتفويت الفرصة على من أراد الوقيعة بينهم وسعى لشق صفهم والعبث بمصيرهم ، عبر إشعال الفتنة الطائفية المقيتة والعبث بمقدرات البلاد والعباد ، مثلما هو حاصل الآن في العراق وسوريا واليمن ولبنان .

وهكذا ما أن وقعت الواقعة حتى استنفرت الدولة جميع مؤسساتها الأمنية والإعلامية ، وجند المجتمع جميع مكوناته الاجتماعية والدينية ، ليس فقط لإدانة واستنكار تلك الفعلة النكراء – كما يجري عادة في العراق – فحسب ، بل وكذلك العمل ميدانيا”وفعليا”لإظهار حقيقة إن هناك في المجتمع الكويتي (رابط وطني) أقوى وأصلب من أن يتأثر بمثل تلك المحاولات اليائسة التي تستهدف نسيجه المتين وصلاته القوية . بحيث إن مظاهر التناغم في المواقف والتجانس في السلوكيات ، ابتداء من أعلى سلطة في البلاد (الأمير) إلى أدنى مستوى فيها (المواطنين) البسطاء ، ناهيك عن فعاليات وممارسات المجتمع المدني التي كانت بمثابة المانع للصواعق والماص للصدمات ، سرعان ما غطت على تداعيات ذلك الحدث الهلعي وامتصت زخم تلك الأزمة العاتية ، وهو الأمر الذي تمخضت عنه نتائج ايجابية بعيدة الأثر لم تكن بالحسبان ، باستثناء ما كان يراد منها ويعول عليها من قبل قوى الظلام والبربرية .

والواقع إن الغالبية العظمى من المراقبين والمتابعين لاتجاهات ومسارات الصراع الطائفي المقترن بالعنف الدموي الذي يجتاح العالمين العربي والإسلامي ، كانوا يحملون في دخيلة أنفسهم جملة من التوقعات والسيناريوهات ، لم يكن – بالتأكيد – من ضمنها توقع إن المجتمع الكويتي سيكون قادرا”على وئد الفتنة الطائفية ودرء مخاطرها على كيانه ومصيره ، فيما لو ضربت أعاصيرها كيانه المتواضع جغرافيا” وتاريخيا”وسياسيا”، لاسيما وانه قائم على مقربة من أكبر مصادر تسويق تلك الظاهرة الاجتماعية المدمرة (السعودية وإيران) ، فضلا”عن تأثر موقعه بشرر براكينها الثائرة التي لم تبرح تقذف حممها من الدمار الحضاري والفناء الإنساني (العراق وسوريا واليمن) .

وعلى الرغم من قساوة الحصيلة التي تمخضت من جراء ذلك الحادث الإرهابي ، إلاّ أنها برهنت بما لا يدع مجالا”للشك من إن (الإرادة الوطنية) للشعوب هي من يقرر النتيجة النهائية لصراع الإرادات وتقاطع الخيارات ، وليس لحجم الإقليم الجغرافي ، أو لقدم الأصل التاريخي ، أو لعظم الانجاز الحضاري ، سوى أدوارا”ثانوية مساعدة تلعبها هنا أو هناك لا أكثر ولا أقل . ولعل هذا يفسر لنا سبب إخفاق العراقيين – حكام ومحكومين – وفشل محاولاتهم في إيقاف دوامات العنف الطائفي التي لم تبرح تعصف بوجودهم ، كما وتفضح عجزهم عن التغلب على الكراهيات المنفلتة التي لم تفتأ تنخر كيانهم ، للحد الذي باتت تهدد مصيرهم التاريخي

والحضاري بالزوال ، بصرف النظر عن تشبثهم بالمعزوفة التي أكل عليها الدهر وشرب ، والمتضمنة إن العراق هو مهد الحضارات والديانات والثقافات والتاريخيات ! .

ولما كانت الأزمات السياسية الساخنة والانعطافات التاريخية الحادة ، هي ما يكشف معادن الشعوب ويختبر صلابتها إزاء ما يعترضها من تحديات ومواجهات ، فضلا”عن كونها تضع مسألة والولاء الوطني على محك الواقع ، فقد أظهرت مكونات المجتمع الكويتي بمختلف قبائلها وطوائفها – خلافا”لما كان يعتقد – انه برغم فداحة التجربة التي ألمت بها ، إلاّ أنها كانت على مستوى ذلك التحدي وأقدر على تلك المواجهة . إذ ما أن شرعت وسائل الإعلام بنشر خبر التفجير الإرهابي ، حتى تبين إن المواطن الكويتي لم يعد ذلك الإنسان الهش البناء والطري العود ، الذي يمكن أن تستدرجه وتتلاعب به أهواء العصبيات والنعرات حسبما كان مخطط له ومعول عليه . صحيح انه لا يزال ينتمي لإحدى القبائل أو العشائر التي يتكون منها المجتمع الكويتي ، مثلما هو صحيح أيضا”انه ما برح ينضوي تحت لواء أحدى المذاهب أو الطوائف التي يتشكل منها نسيجه الاجتماعي ، كذلك من الصحيح إن إقامته تتوزع على مناطق جغرافية مختلفة ، ولكنه من الأكثر صحة انه لا هذه ولا تلك استطاعت أن تسلخه عن انتمائه الكويتي الشامل ، أو أن تجرده من ولائه الوطني الأكبر .

والجدير بالملاحظة انه إذا كان الكويتيون قد اجتازوا هذا الاختبار الدامي بنجاح ، واثبتوا للعالم ، من ثم ، أنهم رقم صعب ليس من الحكمة تجاهله في مضمار محاربة التطرف الديني والتصدي للإرهاب . فان الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى سياسة الحكومة الكويتية ، لا في مجال تعزيز الشعور الجمعي بالمواطنة فحسب ، بل وكذلك في إطار سلامة خيارها لأساليب التربية الوطنية . وهو الأمر الذي جسدته مظاهر التكاتف بين الطائفتين الرئيسيتين (الشيعية والسنية) – حيث أريد لهما أن تتقاتلا أساس الهوية المذهبية – والاصطفاف خلف مؤسسات الدولة ورموز الحكومة ، التي لم تتوانى هي الأخرى عن إظهار كونها لا تمثل مكون اجتماعي دون الآخر ، ولا تحابي طائفة دينية على حساب الأخرى ، إنما هي مؤسسات ورموز وان كانت تقودها في ميدان السلطة وتعلوها في حقل السيادة ، فهي تعكس مصالح جميع مكونات وأطياف المجتمع الكويتي وتصون حقوقها بدون استثناء ، طالما أن هذه الأخيرة أظهرت شدة تمسكها بهويتها الكويتية وعمق ولائها الوطني . هذا من جانب ، أما من جانب ثان فان دروس تجربة جارهم الشمالي (العراق) كانت حاضرة ، لا في تصور المجتمع السياسي (الدولة ومؤسساتها والحكومة وأجهزتها) فحسب ، بل وفي وعي المجتمع المدني كذلك (الأحزاب والمنظمات والجمعيات) . بحيث كان الجميع يضع عواقب الاحتراب الطائفي بين مكونات المجتمع العراقي ، التي كانت تبدو للنظار في يوم ما كما لو أنها مقدودة من الفولاذ ، إلاّ أن ريح الطائفية لم تلبث أن تذروها كما المومياء التي تتحلل عناصرها حال تعرضها لعوامل الطبيعة في كفة ، ومناقب التمسك بحبل الثوابت الوطنية العليا التي تصون الوطن وتحمي المواطن في كفة أخرى .

ولعل من هنا نفهم الأسباب الظاهرة والدوافع المضمرة التي جعلت من المجتمع العراقي بؤرة مستعرة من الصراعات الدينية / الطائفية ، والنزاعات القومية / الاثنية ، والتناحرات القبلية / العشائرية ، والكراهيات الجهوية / المناطقية ، دون أن تشفع له أوهام العظمة الحضارية البائدة أو مزاعم القدامة التاريخية السالفة . طالما إن جميع أقوامه وطوائفه (طلقت بالثلاثة) كل ما له

صلة بقضايا الانتماء للشخصية العراقية الجامعة والولاء للهوية الوطنية الموحدة ، والنكوص بالتالي إلى مستنقع ثقافاتها الفرعية حيث الانتماء للجماعات الاقوامية المختلفة بدلا”من المجتمع الواحد ، والولاء للعصبيات الطوائفية المتعارضة بدلا”من الوطن المشترك ، والاحتماء بالكيانات القبائلية المتباينة بدلا”من المواطنية الجامعة . ولهذا فقد أحرز المجتمع الكويتي (حكومة وشعبا”) الناجح في مضمار وئد الفتنة الطائفية والحفاظ على الوحدة الوطنية ، في حين كان نصيب المجتمع العراقي الفشل والخذلان في ذات المضمار ، ذلك لأنهم فرطوا بقواسم وحدتهم الوطنية من جهة ، وأفرطوا في مزاعم فرقتهم الطائفية !.