19 ديسمبر، 2024 6:20 ص

وإذا وليت أمر قوم ليلة

وإذا وليت أمر قوم ليلة

إذا كان محصول الحياة منية
فسيان حالا كل ساع وقاعد
جميعنا يعلم حتما، عندما يوكل أمر الى إنسان -سوي طبعا- فإن أول مايبدأ به (General outlook) نظرة خارجية عامة، وإجراء دراسة أولية شاملة، يلقي من خلالها نظرة سريعة على كل شاردة وواردة في ما يتعلق بما كلف به، وأول ما يتناول دراسته هو ما يسمى الـ (جدوى). وتبدأ لحظتها وثبته الأولى في خطى الفلاح، متأملا نيل النجاح، متوخيا نتائج مفرحة لمساعيه، وقطعا سيحسب ألف حساب لخطواته، ليضمن مردودات سعيه، ومن دون محصول وريع لها، سيكون حاله كما صوره عمر الخيام في بيت الشعر أعلاه.
فإن كان الأمر المكلف به مشروعا استثماريا على سبيل المثال، ينصب اهتمامه حينها على الجدوى الاقتصادية للمشروع، وحين تكون الجدوى دون المستوى المطلوب، يكون الإقدام على المشروع ضربا من المقامرة والمجازفة، وهذا هو التهور بعينه، وكذا الحال على باقي الأعمال والمشاريع.
وقد يكون المرء حرا في تصرفه، في حال الأمر متعلق به وحده، إذ تعود مردودات تخطيطاته عليه دون الإضرار بالآخرين، أما حين يشمل الأمر مجموعة أناس موكل بهم، وهم مرؤوسون من قبله، فالأمر هنا يأخذ منحى آخر، يدخل في باب المسؤولية ومايترتب عليها من حقوق وواجبات، وسيكون محتما عليه مراعاة جوانب عدة قد يظنها تمر عليه مرور الكرام، إلا أنه سيُسأل عنها عاجلا وآجلا وفي كل حين، وقد قيل في هذا:
وإذا وُليت أمر قوم ليلة
فاعلم بأنك عنهم مسؤول
وإذا حملت الى القبور جنازة
فاعلم بأنك بعدها محمول
في عراقنا الجديد، تكلف كل أربعة أعوام، مجموعة من العراقيين يبلغ عددهم (329) عدا نقدا، فردا فردا، نثية وفحل، بمهمة جليلة بكل ماتحمله الكلمة من معنى للجلال، تلك هي مهمة رئاسة وعضوية أهم مجلس من مجالس الدولة العراقية، والذي يمثل المواطن وينطق باسمه، ويعمل بإرادته ولمصلحته، ذاك هو مجلس النواب. وما اكتسابه هذه الأهمية إلا لكونه ينوب عما يربو على ثمانية وثلاثين مليون فرد، وكل فرد له حقوق في بلده، وبلده كان قد خرج من أربعة عقود، تنوعت خلالها أشكال الظلم والغبن والغمط والقمع التي مورست ضده، وبذا فقد سلم أمر ماضيه وحاضره ومستقبله بيد هؤلاء الـ (329) مخلوقا، متكلا على الله أولا وعليهم ثانيا، في استبدال تلك العقود المظلمة بما يعوضه عن الحرمان والفاقة التي صهرت في بوتقتها أجيالا، إذ من غير المجدي ان يكون التغيير محافظا على السلبيات المتبعة ذاتها في النظام السابق، فحينها يكون الأمر كما قال شاعر:
إذا ماالجرح رُم على فساد
تبين فيه تفريط الطبيب
وفي كل دورة من دورات هذا المجلس، هناك سؤال يطرح نفسه مستقتلا على صفحات التاريخ؛ ماالجدوى التي حققها هؤلاء الـ (329) عراقيا؟ وأظن الجواب مسجلا بحروف عريضة على نفس الصفحات وتحت كل اسم من اسمائهم، لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم. وفي حال كانت الإجابة لصالحهم، وسجل لهم التأريخ أنهم حققوا جدوى في الواجبات التي كلفوا بها، وأدوها كما ينبغي شرعا وقانونا وخلقا ومهنيا ووطنيا، فقطعا هم الرابحون، وسيدعو لهم رعيتهم بالثواب وحسن العاقبة. أما لو كانت الإجابة غير ذلك -وهي فعلا غير ذلك- فمن المؤكد انهم سيقابلون بارئهم بما يخزيهم من الأفعال، علاوة على الخزي الذي سجلوه في دنياهم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات