17 نوفمبر، 2024 2:24 م
Search
Close this search box.

وأيام الخير تختلف..قصة قصيرة عام 2037

وأيام الخير تختلف..قصة قصيرة عام 2037

جلس الجد الحكيم يحكي لحفيده الكوروني المدلل ذي ال13 ربيعا ينصحه ويوصيه باسلوبه الواقعي الذي يرى انه انسب لتوعية هذا الجيل الذين لم يعاصروا فترة ماقبل العقد الثاني من هذا القرن ..وكان الجد يهديء من روع الاب الغاضب من تكاسل ابنه من الذهاب الى (غرفة العمل) في البيت حيث يوجد اللابتوب المركزي للدروس الالكترونية،،وقد قاربت ايام الامتحانات العامة المؤهلة للجامعة على الحلول.
كان الولد (المراهق ) قد اتعب والده باهماله حتى ان الاستاذ ارسل برقية الكترونية لولي امره يخبره فيها ان الولد لم يحضر الدرس الالكتروني منذ ايام ..
انطلق الجد الحنون يحكي للولد المتمرد زائرا له في غرفته ،،لماذا ياولدي تتعب اباك وقد ضحى بحياته من اجلك !وفر لك كل شيء ،ماذا كنت تفعل اذن عندما تجلس الى اللابتوب وقت الدرس! توهم اباك انك تشارك زملاءك،
ولكن ياجدي ابي لايرضى عني وينتقدني في كل شيء ..قال الولد،،وهو يريد مني ان اجلس في الصالة كل يوم واخالط امي واخوتي!
ولكن ياولدي هذا امر طبيعي صدقني ..تعال يابني احكي لك عن زمن الخير ،هل تعلم انه في زمان ابيك كان الاولاد يذهبون كل عيد بل ربما كل جمعة احيانا لزيارة اولاد الاقرباء ويلعبون معهم ،،تفاجا الولد وقال: يلعبون سوية ؟ نعم ياولدي وفي الشارع احيانا ..
-ااه في الشارع .؟ وهل كان مسموحا ؟
-نعم يابني كانت ايام خير .!
وهل تدري لماذا يغضب ابوك من كسلك لمتابعة دروسك من غرفة العمل في البيت ؟
– لا ،لا ادري .
– ياولدي في ايام ابيك كنت ارسله الى المدرسة كل يوم ، يذهب صباحا في البرد القارس مشيا او على دراجة ليجلس مع زملاءه في الصف ويسمع اساتذته ،
– وماهي المدرسة ياجدي ؟
-انها بناية خاصة بالدروس يذهب اليها كل ابناء الحي ياولدي .
-وهل كانوا يجلسون معا ؟
-نعم ياولدي ،جنبا الى جنب .امام استاذهم،
-وهل كانوا يرون الاساتذة على حقيقتهم؟
-نعم ياولدي..بل ان بعض اساتذتهم كان متواضعا ويصافح طلابه بيديه.
– يااه ،مااغرب تلك الايام .
-بل قل مااحلاها ياولدي الحبيب.
توكل على الله يابني وتابع دروسك في الغرفة المجاورة فسرعان ماتصبح في مرحلة الجامعة ..
-وماالفرق ياجدي ان اصبحت في الجامعة ؟ هي نفس الغرفة ونفس اللابتوب.؟
نعم يابني ولكنك ستدرس علوما متخصصة واقل ، وستقابل في صفوف الشات على النت زملاء جدد من احياء اخرى بل ومدن اخرى من البلد ..وربما اجانب،
-ااه ،اجانب ،وكيف ذلك ياجدي؟
-ياولدي انها قصة طويلة ..ستقرا ذلك على صفحات النت ان احببت الاطلاع عن تاريخ المدارس والجامعات عندما كانت بنايات وصفوف..ويرتادها الطلبة ويقيمون حفلات،،وماالى ذلك.
– وهل ادرك ابي تلك الايام ياجدي؟
– نعم ياولدي ،كنت ارسلته الى جامعة في العاصمة.وكان متفوقا حفظه الله وكنت راضيا عنه الى أن حصلت الاحتجاجات وشارك فيها.
-وماهي الاحتجاجات ياجدي؟
– ياولدي كان ابوك متحمسا وطائشا وقد تظاهر مع ابناء جيله ضد الحكومة ذلك الزمان،ونزلوا الى ساحة التحرير وغيرها يتجمعون ويتظاهرون،
-يتجمعون!؟صعق الولد ،،وبدون كمامات ؟وكيف يتجمعون ياجدي ؟
نعم ياولدي لم تكن الكمامات الزامية انذاك وكان الناس يعرفون بعضهم من الوجوه عندما يلتقون في الشوارع يابني ، وقد رايناها في التلفزيون كاول مرة قبل كورونا ..كان الشباب يرتدونها عندما بدات القوات الامنية والمليشيات تحاول تفريقهم بنوع من الغاز حفاظا على سلامتهم.
-ياسلام ، مااغرب تلك الايام ،وماهي الميليشيات ياجدي؟
ياولدي ،هؤلاء كانوا مقاتلين طيبين مسلحين يدافعون عن البلد من العدو الخارجي ولكن الناس كانوا يستفزونهم احيانا فيبدر منهم قسوة في الرد احيانا ،فيقتلون
رجلا او رجلين ،وكانت الناس ترى ذلك جرما كبيرا وظلما،،ياولدي ،تلك الاجيال كانت مدللة وسعيدة وكل شيء كان متوفرا لها من الحرية والمال ..ولكنهم لم يكونوا يعرفون قيمة الحياة ونعمة الحكومة في ذلك الوقت ..كانت ايام خير ياولدي.
-نعم ياجدي ،يبدو ذلك فعلا .لقد شوقتني .
ولكنك ياجدي ذكرت ساحة التحرير ،فما هي ؟
-ايييه ، قال الجد متحسرا ، هذه يابني ساحة كانت في وسط العاصمة اتخذها الشباب انذاك مركزا للاحتجاج واتخذوا من المطعم التركي مقرا.
-مطعم؟ وهل كان الناس يذهبون للمطاعم؟
-نعم يابني..كل الناس والاف المطاعم والشوارع مليئة بالمتسوقين والسيارات .!
بل ان المطعم التركي هو الوحيد الذي لم يكن مطعما فعليا بل بناية مهجورة، قاوم منها ابوك ورفاقه الحكومة “الفاسدة”! كما كانوا يظنون،
-وهل كانت الحكومة العالمية ظالمة ايضا وفاسدة ياجدي؟
-لم تكن عالمية يابني ،كان يحكمنا اناس طيبون وسياسيون مخلصون من ابناء نفس البلد (وهكذا كان لكل بلد) !، ولكنهم كانوا مرتبطين بعلاقات صداقة (كانت تسمى عمالة انذاك)! مع حكام البلدان المجاورة وكانوا يقتطعون لانفسهم بعض الملايين من الدولارات من اموال النفط (كانت تسمى سرقة انذاك)! ، بينما كانوا يحاولون خدمة الناس ولذلك كانوا يذهبون الى وظائفهم والبرلمان كل يوم ..ولكن الناس لم يكن يعجبها حتى ذلك وكانوا شبابا متطلبين متمردين لم يعرفوا النعمة التي كنا فيها ..كانت ايام خير ياولدي..راحت.
-ولكن ياجدي ،انا اندهش من طريقة عيشكم تلك .تختلطون وبدون كمامات!
تعال ياولدي اقترب مني وساخبرك بسر لاتقوله لزملائك واصدقاءك في غرف الشات لانه يتعلق بموضوع ابن عمك المعتقل منذ عدة سنوات.
-ابن عمي الاكبر الذي حكم عليه بالسجن عندما عطس قريبا من عامل توصيل التسوق الالكتروني؟
-نعم ياولدي،،هسس اخفض صوتك.
قال الولد هامسا مقتربا :نعم ياجدي تفضل قل..
قال الجد،هل تدري يابني انه في ايامنا كان الشخص اذا عطس بين الناس يقول: “الحمدلله”؟
– عجيب،وكيف ذلك!؟قال الولد في صوت منخفض.
-استانف الجد: بل ان الذين يقفون الى جنبه يشمتونه بكل اريحية وعلنا .
– الان ايضا يشمتون به اذا كان عدوا .
– ليس يشمتون منه ياولدي .كانوا يشمتونه وهذه كلمة عربية اندثرت ،تعني يقولون له مستبشرين مبتسمين :”يرحمك الله” .
-هنا توقف الولد عن الانصات لجده وضحك ساخرا غير مصدق وقال في سره (يبدو ان جدي قد خرف وماعاد يعي مايقول ) فكتم ذلك احتراما له وقال له بصوت مشفق:
هيا ياجدي خذ قسطك من الراحة فقد صرت شيخا كبيرا قارب الخمسين !
وهنا رد الجد بقوة مصطنعة: ولكن ياولدي كان اباؤنا يعيشون بقوة وذاكرة حتى الستين بل والسبعين والثمانين فلا تقلق على جدك العجوز.
هنا عرف الولد ان جده مازال يعيش في ذاكرته وامنياته فقال مغادرا المكان:
كان ذلك ياجدي ،قبل كورونا .

أحدث المقالات