23 ديسمبر، 2024 3:49 م

وأن سألتم عن (انتحابات ) مجالس المحافظات

وأن سألتم عن (انتحابات ) مجالس المحافظات

لا أرى في قناعاتي ميلا الى  سوداوية مطلقة في النظر الى ما يدعى ب( انتخابات مجالس المحافظات) , التي تعدّ العدّة لمباشرتها , والتي تشكل في ظنّي القاعدة الأساسية لبناء العراق , فيما إذا نفذت وفق مبادئ الشفافية والنزاهة  وأحقّية الشعب في انتخاب ممثليه , من دون ممارسات وارتكابات مدانة , من بينها خداع الناس بدعاوى وفتاوى ومبررات مصطنعة , تغترف من ارث الثقافة الشعبية الهجينة على اخلاقيات شعبنا , تلك الثقافة المتسمة بالغيبية  والتقوقع المذهبي والعرقي والمناطقي , التي جرب الجميع خلال تسع سنوات ونصف السنة , مديات تدميرها القيم والمعايير الأخلاقية والوطنية , حيث (رفسها) المتسلقون على أكتاف قيمنا  ومعاييرنا الوطنية الى سدة السلطة والنفوذ , ليعبثوا بأساسيات الدولة العراقية , التي لم يبق منها الاحتلال الغاشم وبطانته المشحونة معه , بقطار زحف على ما تبقى من بناء امتد 90  عاما ماضية , كان خلالها العراق قامة بين اقليمه , ومركزا اشعاع  فكري وتجربة سياسية , بالرغم مما شابها من نواقض ونواقص أخطاء قاتلة , كان المتمنى أن لا تتحقق !

ولم ينظر قطاع عريض من ابناء شعبنا , الى تلك ( الإنتحابات) التي جرت لأكثر من مرة , وأكثر من مناسبة , نظرة المخلّص مما اوقعنا فيه الإحتلال  ومطبلي بناء (التجربة النموذج) بموجب الوصفة الأمريكية ..وبعد هذه السنوات المريرة المعمدة بالدم العراقي الزكي , والهدر الخرافي في ثروة الشعب , لم نر على صعيد الواقع نموذجا , ولاهم يحزنون !

وقد اعتبر ثقاة الرأي من العراقيين والعرب , اضافة الى كثير من المتابعين الأجانب , أن الانتخابات  العراقية ,كانت تمثل اساس جريمة رفعت مجموعة فاقدة لمقومات تبؤ سلطة افتقدت المعايير والمقومات الجوهرية للإضطلاع بمسئولية قيادة العراق ..العراق ..وليس دولة ناشئة وليدة من (دول الموز) المنزوية , وغير المؤثرة في الحياة الإنسانية ..ومن ابرز تلك المقومات التأصيل العلمي والنضالي, والانتماء الى عقيدة سياسية , لم تلوثها ممارسات (التأسلم) السياسي , من أي مذهب او دين , التي أملت فيها قطاعات واسعة من المخلصين لمذاهبهم وأديانهم وقضاياها الإنسانية , في أن يترجم (الدعاة) شعاراتهم الى حقيقة واقعة , تتجه الى الحفاظ على قدسية قسمهم على كتاب الله العزيز,  في (حماية مصالح الشعب والانحياز الى مصالحه) ..ومصالح الشعب العراقي في سيادة عدالة علي بن أبي طالب (ع) وسوس عمر بن الخطاب, وتضحية الحسين من اجل ان تبقى اليقظة في الدين مؤججة لروح رفض الظلم والظالمين على مر العصور !

ماالذي قبضناه من ولاء الذين جاءوا الى السلطة عن طريق (الإنتحابات) غير  التردي الواضح في مكانة العراق الدولية والعربية  والإقليمية , والعجز عن تلبية متطلبات تنمية اقتصادية وخدمية قومية تتناسب مع ثروات العراق , التي ربما يتخيل البعض ان العراقيون كانوا سيعيشون بموجبها في مستوى معاشي هو الأعلى بين دول المنطقة ..فلا الكويت لها ما للعراق  من ثروات ضائعة , ولاقطر لها ماله , ولا الإمارات , تتوفر على ما يتوفر عليه ,  ولا حتى الولايات المتحدة  , ومن لا يصدق عليه العودة الى الدراسات  (الجيوبترولية) , اضافة الى ما تحتفظ  به عميق ارض العراق وسطوحها من ثروات , لمّا تزل تتحكم بالعالم الصناعي , كالكبريت والفوسفات و الحديد والذهب , والقير , والملح , والكلس , وحجر البناء , ومقالع الرمل  وخابطه (السبيس) , والحصو , وهذه جميعها تشكل مواد أولية في الإنشاء , تبادلها دول العالم الصناعي بمليارات الدولارات , إذ لا تتوفر عليها رغم تمتعها بهبات ربانية اخرى !

لا نريد لمتمنياتنا الغرق في متاهات المبالغة ..كل ما نريده ان يسمي شعبنا هذه المرة من يتوسم فيه عملا شريفا مخلصا ودءوبا ومنزها عن جشع الطامعين لكل من يمثله في (مجالس المحافظات) , من دون النظر الى ارتباط هذا المرشح , او ذاك, بمرجع او مكتب او تكتل سياسي او مذهب او دين او عرق او طائفة ..نريدهم منزهون مستقلون , ادّوا خدمات مجربة في الاقتصاد والثقافة , والهندسة , والتعليم..لا نريد (عمائم ) من دون عقول وقلوب نابضة بحب العراق , والإخلاص الممارس من اجل رضا الله والضمير الحي اليقظ , لا عصبة من (الحرامية) وفاقدي الأهلية الأخلاقية في ممارسة المسئولية ..فليس للعراقيين بعد هذه السنوات التسع المنصرمة , انتظار (عباقرة) جربناهم فلم ( يضعوا في السكلة ركي) في وقت اصبحوا طبقة (ارستربيرقراطيا) , لم تتشكل مثيلة لها في جميع بلدان العالم كبيرها و(زوريتها) !

نريد اليوم ممثلون حقيقيون لساكني ملاجيء الصفيح  وصرائف القصب في (حيانيّة البصرة ) وعلى أديم صحارانا في الأنبار  والكوت  وبين زوايا البيوت الفارهة في بغداد وغيرها من مدن العراق , الذين يقدمون أطفالهم  طعما لعصابات الشذوذ والجريمة , من خلال (صياعتهم) في شوارع المدن, بحثا عن (علب المشروبات) و(أكيا س النايلون) و( النعل البلاستيكية )..نريدهم مواطنون يتمتعون بكرامتهم , في بلد تفيد مصادر الطاقة العالمية (أن آخر برميل من النفط سيكون من ارضه )…وهذا نحن نمضي عقدا من الزمن , هو أحد عشرة عقود تقدر مراكز البحوث الإقتصادية أن يشهد  نضوب نفط الكون !

ننتظرمن اصحاب الكفاءات والخبرات والوطنيون العراقيون المستقلون, الترشيح لانتخابات (مجالس المحافظات) من دون خوف او وجل من ميليشيا او ذي سلطة او نفوذ او لحية قصرت اوطالت ,وعليهم فضح من يهددهم أو يمنعهم من أداء حقهم الطبيعي الى الإعلام المستقل الذي يتسع فضاؤه لكل صرخاتنا ولواعجنا  .. ولا يكف اليوم, (همهمات) تدمي ضمائرنا وصدورنا , وتذهب بما تبقى من اخلاص للعراق, ووفاء لقيمه الأصيلة ..

العراقيون .. ماالذي تحصلتم عليه من حكومات  (انتحب ) أعضاؤها أو عيّنوا, قالت الكثير ولم تنجز شيئا يذكر يتناسب مع  ميزانيات سوية لم تشهدها دولة من دول المنطقة ..لاتغرنكم بعد اليوم (صوبة ) , او ( بطانية ام النمر) , أو وعود كاذبة , من مرشحين هم سقط متاع بعد ظهور حقيقتهم وبان معدنهم .

ترى.. هل نجد من سمع أو يسمع , ومن اتعظ , او يتعظ , بعد تسع سنوات ونيّف من الجرائم  والإرتكابات التي لم تعد مستورة ..

لا نريد المالكي وكافة حواليه وحاشيته ومستشاريه ووزراءه  وأعضاء مجالسه ..ولا نريد ممثلون لأحزاب وتكتلات لجبهات مثل زبد البحر ..حوار ..وتوافق..ووسط ..وشمال ..وجنوب .. جيوش ..وابناء زيد او عمر ..نريد عراقيين, يؤمنون بالعراق بعد الله , ويعملون من اجل العراقيين بعد الله , ويتوجهون فيما يقدموه الى العراقيين بعد الله !

ربما يقول بعض المشككين ..ان ذلك امر مستحيل !..لا ايها السادة ..باستطاعة الشعب العراقي التغيير فيما ا ذا تخلص من مشاعره العاطفية تجاه المذهبيّة والعرقيّة والمناطقيّة والطائفيّة والشللية .

العراق اليوم على مفترق طرق ..اما الاستمرار والوقوف, او  الإنبطاح والاستسلام , فها هي (الفكوك والأضراس) تنتظر  ..ايران التي تعتبرنا حديقتها الخلفية.. وتركيا الحالمة بمشروعها الإقليمي المعد ليكون مقدمة عربون انضمامها الى أوربا  ..وهذه سورية.. التي ستفرخ لنا اصولية تدعي الإسلام  ..وهذه السعودية التي تريد إسلامنا وهابيا ..وهذه الكويت التي يمكن أن تر دم اسنانها,  ولاتحب ان ترى العراق معافى ..هذه (مشيخات) الخليج التي تدفعها مشاعر الدونية , الى مد اصابعها في صغيرات شئون العراق وكبيراتها ..وهذه دول العرب التي لم تلب الدعوة لحضور قمتها ببغداد , من دون تحمل اجور طائراتها ..وهذا الخنجر المسموم في جمجمة العراق بشماله ..وبعد  ماذا نقول ايها العراقيين البسطاء من فلاحين , وعمال , وموظفين صغار . ونساء,  وشباب يبحثون عن مستقبلهم  وتأهيلهم , هل تقعون في ذات الأخطاء التي جعلتكم ترفعون من خذلوكم وسرقوا ثروتكم وضيعوا زمنكم وبددوا نضالاتكم  واحلامكم ثانية ..والله .. أن فعلتم كما فعلتم من قبل سوف لن يكون حصادكم إلا الندم والحسرة  ..ولكن متى ؟ بعد ضياع (البصرة  )!

ورود الكلام..

وعينا العراق ملك , وسلطة تنفيذيّة , وتشريعية , ومجلس اعيان , وعملة فاقت الجنيه الإنكليزي بثلاثة , وصحافة , وثقافة مدوية رغم فقر مبدعيها , ووزراء خبراء ومؤصلون , وجامعات موثوقة , ومحاسبين وأمناء صناديق من عائلات نزّهت المال قبل أن ينزّهها .. رغم  أن ذلك كله لم يكتمل , مرت أربع كريميّة مراهقة ك( درويش) لم تغره الدنيا , صادقة  النوايا..ولكن .. بترادف الغيمات السود ..وصلنا الى عراق ليس هو العراق !