22 نوفمبر، 2024 10:56 م
Search
Close this search box.

وأشياء أخرى في تل أبيب

وأشياء أخرى في تل أبيب

(( في شهر إيار عام 2014 هبطت طائرتنا التابعة للخطوط الجوية التركية في مطار تل أبيب بعد رحلة ساعات معدودة قادمة بنا كسائحين من عدة دول اوربية لزيارة الاماكن الدينية والتاريخية في عدة مدن إسرائيلية.
كان أغلب من يدير اعمال هذا المطار هم فتيات ، فهن يشكلن أغلبية الموظفين بما فيهم عناصر الأمن والشرطة.
بدت لنا الفتاة المسوؤلة عن فحص وثيقة جواز السفر حال دخولنا مطار تل أبيب وكأنها تتبع المزاجية في السماح لبعض من السياح بالدخول ومغادرة المطار أو إحالة آخرين الى صالة الحجز لأنتظار نتيجة التحقق من شخصياتهم بعد نظرة ثوان على وثيقة جواز سفرهم ، ومثل هذا الانتظار الذي يمتد لساعات طويلة كان مملا ومتعبا ومزعجا جدا سيما لسائحين قادمين برحلة جوية بهدف الترفيه عن انفسهم بما ينفقون من اموالهم الخاصة.
مرافقنا السياحي العامل في مكتب السياحة المنظم لرحلتنا أحتجز معنا أيضا رغم انه كان قدم الى إسرائيل بصحبة عدة مجاميع سياحية سابقا . أحتجزت أنا وزوجتي وابني البالغ من العمر عشر سنوات لأكثر من أربع ساعات في صالة الحجز . إحدى السائحات المحتجزات معنا كان قد سمح لأختها التي ترافقها بمغادرة المطار بينما احتجزت هي وقد بدى عليها الخوف والقلق ، فهي لم تكن تعرف شيئا عن مصير أختها . سائحة محتجزة اخرى لجأت الى الشكوى والتحدث مع أحدى عناصر الامن من المتواجدات داخل صالة الحجز وشاءت الصدف ان تكون تلك الشرطية ذات اصول تونسية أو مغربية تنتمي لنفس اصول السائحة المحتجزة فما كان من الشرطية الا أجرت اتصالا هاتفيا وليتم إثره وخلال دقائق الافراج عن تلك السائحة لتلتحق ببقية افراد عائلتها ممن كان سمح لهم بمغادرة المطار.
الأمر كان بنفس الدرجة من القلق والازعاج بالنسبة للسائحين الذين وافقت موظفة المطار على دخولهم الاراضي الاسرائيلية دون اصطحاب بقية مرافقيهم من افراد عوائلهم .
المثير للتعب والألم كان عدم معرفتنا سبب إحتجازنا من قبل فتيات المطار الجميلات ذوات الملابس القصيرة والاحذية ذات الكعوب العالية ، أولئك الفتيات اللاتي بدين وكأنهن لا يعترفن بـ ( إبتسامة ) يقابلن بها أي سائح ، لكنهن رغم ذاك كن يتجاوبن مع السائحين ذوي الاصول العربية ممن كانوا يترجونهن عدم تأشير وثيقة جواز سفرهم بأي ختم دخول او خروج من اسرائيل تحوطا من أي مشاكل او اعتراضات قد تواجههم عند زيارتهم لبلدانهم العربية.
خلال زيارتنا السياحية هذه رافقنا مرشد سياحي من عرب 1948 حيث تنقل بنا في عدة مدن وأماكن أثرية ذات قيمة دينية وسياحية، لكننا لم يحالفنا الحظ طيلة ايام الزيارة والبالغة أكثر من عشرة أيام بالعثور على أي ابتسامة حتى عند البائعات الاسرائليات اللائي كنا نشتري منهن بعض الاحتياجات ، بينما كنا نقابل بالفاظ بذيئة وبمسبة احيانا في حالة عدم تبضعنا من بعض الاطفال العرب ممن كانوا يجوبون الاسواق السياحية لعرض وبيع ما يحملون من مواد سياحية ، كما تعرض ابني للأذى المؤلم نتيجة ضربه بحجارة قذفت من قبل أحد الاطفال العرب اثناء جولة مجموعتنا السياحية في زيارة إحدى الأماكن الأثرية .
كان عرب 1948 يرحبون بنا ويحسنون ملاقاتنا أينما حللنا كما ان اليهود ذوي الاصول العربية كانوا أيضا يحسنون لقاءنا في محلاتهم التجارية او مطاعمهم او اسواقهم ، رغم اننا فوجئنا مرة بقصاب في أحد اسواق اليهود العرب وهو يقفز من محله مانعا ايانا بعصبية من إلتقاط أية صورة !!
أخيرا ، لم نكن نتوقع أن يتم استجواب كل سائح منا من قبل موظفات مطار تل أبيب أثناء مغادرتنا لأسرائيل ، فالاسئلة كانت كثيرة ومثيرة للازعاج ، ومنها مثلا : اين ذهبت في اليوم الفلاني ، واين لم تذهب ؟ ومن الذي قابلته ، ومن هو من لم تقابله ؟ وممن تلقيت هدية ؟ وغيرها الكثير من الاسئلة التي لا تدلل مطلقا على تعامل مع سائحين يغادرون بلد ، كما تعرض عدد منا الى فحص محتويات هواتفهم وكاميراتهم ناهيك عن الفحص الدقيق لمحتويات جميع حقائبنا بما فيها محتويات تلك الحقائب التي لا تحمل باليد والتي من المفترض ان يكون فحصها كافيا بالاجهزة المعتادة بالمطارات . )) انتهى.
كانت تلك بعض سطور من نص رسالة مطولة وردتني من أحد الأوربيين ذوي الأصول العربية ممن كان في سفرة سياحية لزيارة الاماكن التاريخية والدينية في إسرائيل ، وأنا هنا لا اؤكد او أنفي تفاصيل ما ورد فيها ، لاني أدرك ان نقل صور الوقائع او الاحداث يعتمد بصورة كبيرة على ظروف وواقعية ومهنية وكفاءة وعلمية وحيادية عدسة الانسان الذي عايش تلك الاحداث ميدانيا.
صاحب الرسالة اختتمها بقناعته الخاصة ، مصرحا لنا بما لي والعهدة عليه :
ما زالت البشرية تأن من تفاعلات عوامل مادية قوية تتسلط وتتزين بلباس أفكار وأديان لتسيء الى حاضر ومستقبل الأخوّة و الحب والسلام والرفاه لبني البشر ، فها هي آثار آلت واقعيا لئن تسلب الاطفال حقوقهم وبراءتهم والنساء رقتهم وابتسامتهم وقودا لنيران أوقدت قبل قرون لتحرق شباب وطاقات أجيال من البشر وربما ما تزال !.

أحدث المقالات