23 ديسمبر، 2024 5:57 ص

وأذا الفتنةُ وقعتْ …

وأذا الفتنةُ وقعتْ …

وطغتْ على العقول ثم أنتشرتْ وأنشبتْ أظفارها فأتسعتْ ألفيتَ كلَّ صمام أمان لاينفع وسوف يعجز العلماء والفقهاء والشيوخ والسادات فيها عن دفع الجهلاء والسفهاء الذين سيمسكون بزمام الامور بأيديهم بعد أن تكاثرت الازمات وخرجت عن قواعدها وبعد أن تشابكت الخيوط فلا نعرف من يمسك برأس الشليلة ويَفكُ عِقَدِها وسنكون فتاتاً بيد من زرع الفتنة فينا وغرسها وسيكثر النائحون والنائحات والصائحون والصائحات فلا يُسمع لنا صوتٌ ولايستجابُ لنا دعاء .
أخوان سنّة وشيعة وهراء الكلام كثير وما يعتقده البعض عن وهمْ العقيدة ووهمْ الحق ليس الا تنظير فلسفي لاينفع ولايضر وعلينا أن نتلبس بواقعنا لا أن ننسلخ منه فالعقيدة واقعاً موجودة والحق لالبس فيه ولاتشوبه شأئبة فأن تلبس الباطل فيه أصبح باطلاً لأن الحق واحداً ولايتّسعُ لأكثر من ذلك , وبدلاً من أن نغور في حيثيات التاريخ وصحيحه وأخطائه علينا أن نخرج من تلك الدائرة التي وضِعنا فيها منذ أن أُذن في أذاننا اليمنى وكُبِرَ في اليسرى وأصبحنا محسوبين على أحد الفئتين  وعلى الرغم من ذلك لانريد أن نقرُّ بالأختلاف علماً أنه كبير وعظيم وعميق فكلٌ له عقيدته وأصوله وأسانيده وأحاديثه وأذانه وطريقة للصلاة تختلف عن القوم المخالفين له وأصبح الامر عسيراً علينا أن نتقارب أو نتآلف أو أن ندّعي بأنهم أنفسنا ولنعترف بان الامر أصبح واقعاً حتمياً علينا . وبعد أن نُسلم بذلك علينا أن نفكر فعلا كيف يمكن أن نتعايش مع وجود هذا الاختلاف وأن نكسر العسر الذي فيه وهنا لابد أن نرجع الى أصل العقيدة ومنهجها العلمي ونركز على أن العقائد هي علوم بحثية يمكن فيها الاجتهاد وأستنباط الدلائل لأحقاق الحق .
 وعند ذاك يكون الامر طبيعياً ولايخرج من كونه علماً أو تحقيقاً ولكن الذي نراه فعلا وهو الامر الخطير هو كيف تحولت تلك العقائد الى مسميات ماأنزل الله بها من سلطان وهي  (التبعية والولاء) وذلك هو بلاءٌ من الله عظيم وبتنا اليوم أما تابعين ومقلدين وأما موالين وأما أصوليين وفي كل الاحوال يكون ذلك لشخص ما نضعة في مرتبة عليا ويكون هو الحق وكلامه وفتواه يجب علينا طاعتها وبهذا تفرق عباد الله العامة منهم وأغلب الخاصة بين أن يكونون تابعين لهذا الطرف أو ذلك , وقد عظموا تلك التبعيات والولاءات وأصبحت من ألآيديولوجيات التي يصعب تفكيكها وأخذ القائمون عليها بتطويرها لتصبح مؤسسات وكيانات ترتبط بالعقيدة لكي تحقق أهدافاً لانعلم بنيّتها الله يعلمها , والهدف المخبوء هو كثرة التابعين لها لكي تستمد منهم الاستمرارية ووجودها الشرعي والقانوني .
والفتنة نوعان أولهما صغرى وهي حادثة وواقعة وسببها هي  تلك التبعية والموالاة وتبعاً لذلك كَثُرَ المتبوعون فينا وولاة الامر علينا وكل هذا بسبب أرث أو منزلة علمية أو أجتهادية وتعددت تلك المرجعيات الى الحد الذي تنامى فيما بينها صراع على تلك المنزلة وما يتبعها من حقوق شرعية وأرثية لايمكن التنازل عنها ومن هنا تكاثرت المرجعيات والولاة والرموز والاحزاب والحركات والمنظمات وكثرت الانشقاقات وتحويل الولاءات طلباً لمكانة أو جاه أو زعامة والجميع يعلم أن الواقع اليوم لايخرج من ذلك التقييم أبداً ولكننا نغض الطرف عنها لخوف أو جهل أو سذاجة أو لأننا غير قادرين على التصدي لها ونُوكل أمرنا الى الله لعله يقضى أمراً يكون فيه للعبادِ خيراً وكان علينا مكتوبا .
وأما الثانية فهي الكبرى وهي قاب قوسين أو أدنى وتكون أمتداداً للصغرى ولكنها لاتذر ولاتبقي وسينبري كل قوم ليقولوا أن الحق والشرع معنا وأننا نقاتل من أجل العقيدة , وسنقف حيارى ولانعرف للحق طريقا وسيطالنا الخوف وبلاء من الله يكون علينا عظيما وسيتفرق القوم أقواما ولن ينفع فيهم نصح الناصحين وأرشاد الاتقياء والصالحين وسيندم قادة القوم وعليائهم وسيصبح العباد بلا وطن ولا أمل وسيفكر العقلاء أن كانوا على حق فلما هذا الابتلاء . وخير الامور التي تُحل قبل وقوعها وهنا لابد من التحليل والتدقيق والتعقل وأخذ التسامح طريقاً ومنهجا وبدلاً من التصعيد لأن قوما ما تجرأوا وأقتحموا مقراً أو منظمة وكان عملهم غير محمود ولا مقبول علينا أن نقوم بأجراء وقائي فنؤلف قلوبهم ونعطي لهم ما يطلبون من حقوقهم التي عانوا من الحرمان منها طوال عشرة أعواماً ونيف تلك الحقوق التي كُتبتْ بالدستور والتي تحولت الى أمتيازات ومخصصات لغيرهم وعلينا أن لا نفصلهم عن المجتمع بمسميات ترعبهم خوفاً من أن يزدادوا ويتكاثروا وخوفاً من أن يكونوا هم الشرارة التي ستُشعل ناراً لن يُطفئها الا الله ونكون على ما فعلنا نادمين .