19 ديسمبر، 2024 3:29 ص

وأد المحضون وقبر الحاضن

وأد المحضون وقبر الحاضن

يمثل الحاضن -من وجهة نظر علم الأحياء- الرحم البيئي الذي تنشأ فيه الكائنات، إذ تستمد منه عناصر عيشها ووجودها وديمومة حياتها، حتى تستطيع الاعتماد على نفسها، فتنشئ بدورها كائنات أخرى من الفصيلة ذاتها، وتكرر ذات الدورة في الطبيعة. وبانعدام الحاضن يصعب على تلك الكائنات الاستمرار بأداء فعالياتها الحياتية، فتترك -مرغمة- هذه الحياة وتنفق إن كانت حيوانا، او ترحل الى عالم الأموات كما هو في جنسنا الآدمي. وبذا يكون أٌقصر الطرق للقضاء على آدمي في بادئ نشأته، وقطع السبل أمام اشتداد عوده هو القضاء على حاضنه او حواضنه.

ماذكرني بما قاله علماء الأحياء عن الحاضن هو تكرار عبارة (تجفيف منابع الإرهاب) على مسامعنا، والتأكيد المستمر عليها في أغلب اجتماعات الساسة المسؤولين في الساحة العراقية، ولاسيما حين يتحدثون عن الجانب الأمني فيها. ويأتي هذا عادة بعد هجوم ينفذه (خريجو) تلك الحاضنات، بأساليب تأخذ بعض الأحيان وجها جديدا، و (موضة) حديثة وفق صيحات لم تكن مطروقة من قبل، جاء بها (الحاضنون) أو تلاميذهم. منها على سبيل المثال؛ تفخيخ جثة ضحية تم قتلها مسبقا، او نصب عبوة في جنازة ميت، وغيرها من بنات أفكار الحاضنين.

ومن غير المعقول ان يكون الحاضن منفردا بنشاطاته وفعالياته، مالم تكن هناك قوى تمده بالمال والآلات والآليات التي تعينه على إنجاز عمله، وهي قطعا تسنده معنويا أيضا في تغطية نشاطاته المشبوهة، وتتكفل بتهيئة الاستعدادات البشرية المطلوبة وفق ماتقتضيه الحاجة. وهذا ماتكشفه التحقيقات التي تجري مع المتورطين بعمليات إرهابية، كان قد تم القبض عليهم ولكن..! بعد (خراب البصرة). والغريب في الأمر.. أنهم يُعرضون على الملأ في وسائل الإعلام على اختلاف مصادرها، ولطالما تمت الإشارة الى أسماء الشخصيات والجهات التي لها يد في العملية الإرهابية، بشكل مباشر او غير مباشر، من دون إجراء حقيقي يثبت للمواطن أن الجهات المعنية جادة باتخاذ اللازم بحق تلك الجهات او الشخصيات، مايدل على عدم صدق النيات في الإدعاء بتجفيف منابع الإرهاب.

ومن المسلم به ان الإنسان السوي والمسالم لايجرؤ على حيازة او حمل محذور او محظور من الأسلحة، يتعرض الى المساءلة والعقاب من جراء حمله، لاسيما نحن العراقيون التواقون لروح الألفة والتوادد. كذلك لايعقل ان يصنِّع أحدنا في بيته عبوات او قنابل، مالم يكن مرتبطا بجهات و (أمهات حواضن) تمده بمواد أولية وأدوات تسهم في صنيعته تلك.

فهل جهاتنا المعنية تتعقب بصدق ومهنية وحيادية من دون محسوبية او (محاباة) باحثة عن هذه الـ (أمهات)؟ وهل تتقصى باستنفار ما لديها من معلومات استخبارية وأمنية، تسهل مهام عناصرها بكشف بؤر الإرهاب، وإلقاء القبض على من له يد من قريب او بعيد، بالفعاليات الإرهابية التي تنشط بين الحين والآخر في مدن العراق؟

إن الجد والحزم والعزم في هذا الأمر كفيلة بإيصال يد القانون الى الجناة الحقيقيين والـ (صماخات) الكبيرة كائنا من كان، للحيلولة دون استمرار أعمال العنف، وقبر الحاضن ووأد المحضون في آن معا، وتطهير الشارع العراقي من شرهما؟.

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات