قد لايختلف اثنان على انه حين صك المفكر الفرنسي أنطوان دستوت دي تراسي (١٧٥٤–١٨٣٦) كلمة “أيديولوجية” في عام ١٧٩٤ تقريباً، لتصف ما كان يأمل أن يكون علماً جديداً للأفكار، لم يكن يدرك بأن الكلمة ستأخذ تلك المسارات التي اتخذتها في وقتنا الحاضر، بعبارة اخرى لم يكن يدرك ان التوظيفات السلبية ستعمل على سلب قيمة الكلمة ومفهومها منها، لاسيما ان البعض بدأ باستغلالها لتضليل الناس لفرض معتقداته، وفق مزج لامنطقي ولا علمي بين مفهوم اليوتوبيا التي سبقتها بوقت طويل، ومفهوم الايديولوجيا، حتى تناسل منهما مفهوم مربك متعدد التأويلات، فاليوتوبيا استخدمت في مقابل الايديولوجيا باعتبارها مقابلاً لها، وباعتبارها مرادفاً لها، فضلاً عن تشوهات اخرى ساهمت بعض الجهات الفوضوية في فرضها على معطيات الايديولوجيا، كمحاولة زجها في ميدان الابستمولوجيا، الامر الذي حال دون الوقوف على الحقائق العيانية الموضوعية للايديولوجيا كما يقول د.محمود اسماعيل.
يحاول اصحاب الحركات الاجتماعية والسياسية وغيرها استغلال المصطلح لفرض هيمنتها على الناس، من خلال تحفيزها على الانقياد لرؤاها التي تطرحها، ولأنها تدرك بأنه كما يقول لينين لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية، فانهم يقومون بمزج غريب ورهيب بين طوبائية مفهوم اليوتوبيا وبين جبرية او حتمية مفهوم الايديولوجيا، وذلك للوصول الى اهدافهم سواء في بث الافكار التي تخدم مصالحها واجنداتها الفئوية، او اثارة الفوضى والغوغائية داخل المجتمعات الساعية لنيل حقوقها في الغالب، وفي المجتمعات التي تعاني الطبقية في احيان اخرى، وحتى في المجتمعات الشبه مستقرة فان الغوغائية تجد لها منافذ لاسيما في مفاهيم المساواة وفصل السياسة عن الدين وغيرها من الامور التي تثير حفيظة التيارات المتشددة وتتخذ منها سبيلاً لاثارة الفوضى.
ولعل تعدد المفاهيم التي تتخذها الايديولوجيا نفسها تساعد هولاء على تسخيرها لاغراضهم باعتبار انها نسق من المعتقدات التي من خلالها يتم تفسير الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً ضرورياً كما يقول المفكر عبدالوهاب المسيري، ويضيف بان الايديولوجيا نسق يعكس الواقع، وفي الوقت نفسه هي نسق يفسر بعض جوانب الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً مخلاً، فالايديولوجية بنظره تصلح احياناً كدليل للسلوك الانساني، ولكنها لاتصلح احياناً اخرى، ومن هنا تبرز معارضة الفكر الايديولوجي بالفكر الموضوعي والعلمي الابستمولوجي، ومع تشعب الاراء حول مفهوم الايديولوجيا فانها تصف في الغالب على انها علم الأفكار وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديداً.
مفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، فمثلا يعرفه قاموس علم الاجتماع بمفهوم محايد باعتباره نسقا من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) تسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات السياسية او الاجتماعية للافراد والجماعات، وهي من منظار اخر نظام الافكار المتداخلة كالمعتقدات والاساطير التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية و السياسية و الاقتصادية وتبررها في نفس الوقت.
وبذلك فالايديولوجية: هي مجموعة من المعتقدات و الأفكار التي تؤثر على نظرتنا لـلعالم، ويمكن القول أنها مجموعة من القيم و المشاعر التي نتمسك بها بشكل كبير، تلك المعتقدات و الأفكار غالباً تكون قريبة جداً لنا لدرجة أننا لا نشعر بوجودها، و نحن نظن أن معتقداتنا و أفكارنا هي الشئ الطبيعي و الحقيقي بشكل واضح، حتى لو كانت تلك المعتقدات خاطئة، فإن العقل يجعلك تعتقد أنها الحقيقة، لأنها جزء من مجموعة أفكار تؤمن بها” التعريف متوفر على الشبكة” .
في حين ان اليوتوبيا هو مفهوم فلسفي ابتكره الكاتب البريطاني السير توماس مور في كتابه اليوتوبيا الذي نشره في عام 1516، ويدل المفهوم على الحضارة او المكان المثالي وهو مشتق من اللغة الاغريقية الذي يعني حرفياً المكان الذي لاجود له، ويصف الكاتب ذلك بالدولة المثالية حيث يكون كل شيء فيها مثالياً للبشر، وتكون جميع شرور المجتمع كالفقر والظلم والاجرام غير موجودة، اضافة الى افكار يصعب تطبيقها نظرياً لبعدها عن الواقع، وتعتبر تلك المثالية هي السلاح ذو الوجهين الذي يستغله اصحاب المزج الايديولوجي اليوتوبي، فالفقر والظلم والتسلط السياسي تعتبر من اهم الركائز التي تعتمدها تلك الفيئات الغوغائية لفرض منطقها اللامنطقي البعيد عن كل البعد عن الاسس العلمية والموضوعية في طرح ارائهم، وافكارهم التي لاتنتمي الى الواقع الا لكونها تجد في نفوس البعض مكاناً بسبب مواقفها العدائية تجاه الحكومات، أو لاسباب شخصية ناجمة عن النزاعات القبلية والعشائرية، او حتى احقاد شخصية.
لذلك لايمكن فصل الايديولوجيا عن مسارات الحياة داخل المجتمعات بكل تصنيفاتها، لاسيما حين ينظر اليها من منظور الساسة الذين بدورهم يوظفونها على انها اكتشاف نابع من الصراع السياسي، وبفهوم ادق واوضح، ان المجموعات الحاكمة يمكن ان تصبح في تفكيرها شديدة الاهتمام بمصلحتها في احد المواقف، لدرجة انها لم تعد تستطيع رؤية حقائق معينة من شأنها ان تقوض احساسها بالسيطرة، ويعكس مفهوم التفكير اليوتوبي الاكتشاف المقابل النابع من الصراع السياسي، وهو ان مجموعات مقهورة معينة مهتمة، بقوة، فكرياً بتغيير وضع معني بالمجتمع، حتى انهم عن جهل منهم لايرون في ذلك الوضع سوى العناصر السلبية فقط، فلايقدر تفكيرهم على التشخيص السليم للوضع الحالي للمجتمع،لكونهم غير معنيين على الاطلاق بما يوجد فعلياً على ارض الواقع، بل يسعون بالفعل في تفكيرهم الى تغيير الوضع الحالي، كما يقول : لايمان تاور سارجنت ،في كتابه اليوتوبية: مقدمة قصيرة جداً.
هنا فقط يمكننا ان ندرك كيف يقوم بعض الغوغائية باستغلال الطروحات الموضوعية عن الايديولوجيا واليوتوبيا لاغراضهم غير الواضحة، ففكرة تغيير الواقع بقوة، تعني بالضرورة وجود نظرية ثورية على جميع الاصعدة لخلق حركة ثورية، فكرية سياسية اقتصادية اجتماعية، ولكن حين لاتوجد لدى تلك الفيئات تلك النظرية الشمولية، انما تحاول استغلال اليوتوبيا من خلال رصد الحالة الاجتماعية السائدة من الفقر وعدم وجود سلطة موحدة تتحكم بالبلاد مثلاً، فانها تحول تلك الافكار الى سلاح فوضوي يهدم الكثير من القيم الاخلاقية ويزيد من التنافر والتباعد بين الفيئات الاجتماعية لاسيما تلك التي توالي السلطات وتلك التي تعيش حالة الانعدام والفقر والتي تنحاز للفيئات الفوضوية الغوغائية، وذلك ما يزيد من انقسام المجتمعات على بعضها البعض وتزيد الهوة بين القاعدة والقيادة، فيتحول ذلك الشرخ الى معضلة مزمنة لايمكن علاجها بالشعارات والاقوال فقط، انما تحتاج الى وقت طويل كي يتم علاجها بالافعال التي تتناسب وتلك الاراء الفوضوية المنبعثة من سوء فهم الايديولوجيا ومزجها باليوتوبيا والابستمولوجيا.
يقول بول تيليخ ” يدرك المؤمن باليوتوبية ان افكاره ليست واقعية، لكنه يؤمن انها ستصبح امراً واقعاً، اما الشخص الذي لديه ايديولوجية، فعادة ما لايدرك ذلك..”، وذلك ما يشكل الفارق بين سرعة انتشار الفكر اليوتوبي والعوائق التي تواجه الايديولوجيا في انتشارها، فالقناعة هنا لاتكفي لفرض الايدولوجيا، لكنها تحتاج الى موضوعية الطرح والتناسب الفكري والادائي العملي، في حين ان اليوتوبيا تثير ملكة الخيال اللامنتهي عند الافراد المنعدمين، فتنتشر بينهم لكونهم الشريحة الاكثر انتشاراً في البلاد، وبذلك تكون اليوتوبيا لديها حضور كبير وواسع بين الفيئات المنعدمة والتي يستغلها التيارات الفوضوية والغوغائية لبث فوضاهم داخل المجتمعات، وفي المقابل وكما يقول: زهير توفيق في مقال له منشور بعنوان ( الايديولوجيا واليوتوبيا) في جريدة الرأي: اكتسبت الايديولوجيا حضوراً طاغياً في السجال السياسي واصبح الصراع الايديولوجي بين الافكار المتعارضة امتداد للصراع الطبقي الشامل، واستعملت الايديولوجيا بدلالات متناقضة، فمرة هي منطومة فكرية عقائدية للتنظيمات الاصطناعية كالحزب والطبقة والدولة ودلالة وجودها وهويتها لتعريف ذاتها وغيرها بالسلب اي بمغايرة الاخر لتبرير الانقسام، واذكاء الصراع، وتعني كلمة الايديولوجيا علم الافكار، ورفع مستوى العلوم الاخلاقية والسياسية الى مرتبة العلوم الطبيعية، وفيما بعد اصبحت الايديولوجيا نقيض التجريد والمثالية بما يتناسب مع الفكر الوضعي التحليلي للثورة والتنوير، كما يفسر ذلك الباحث خليل احمد خليل في دراسة له بعنوان الإيديولوجيا في مساراتها ( من الوهم إلى العلم ).
انها الصورة التي تحاكي واقعنا الحالي في المجتمعات الشرقية بالاخص الشرق اوسطية، ومجتمعنا الكوردي يندرج ضمن دائرتها، فالايديولوجيا اصبحت خارجة عن مساراتها المنطقية، واصبحت رهينة الوهم النابع من سرعة انتشار اليوتوبيا الفوضوية بينها، فالفكر لم يعد يندمج مع العلم مثلما يندمج مع الوهم، حتى اصبحت ممارسات السلطة بعين الافراد الخاضعين لليوتوبيا كلها نابعة من فكر التسلط، والدكتاتورية، على ان الواقع والموضوعية تؤكد ان تلك الرؤية نسبية لأن الظروف الاقليمية والدولية والتجزأة الداخلية والتحزب الفوضوي هما من ركائز انعدام رؤية واضحة لاعمال السلطة، وذلك ما يؤكد ان الناس الراكبين لموجة اليوتوبيا الواهمة اختلطت عليهم المفاهيم والافكار حتى انهم باتوا لايفرقون بين الكثير من المفاهيم المتحكمة بجذور وجودهم، وبتفاصيل حياتهم التي يعيشونها، فالخلط بين تلك المفاهيم ساد كل المسالك والاصعدة، حتى انهم اصبحوا لايفرقون بين نظام الحكم ، والنظام السياسي، باعتبار انهما نظامان مختلفان، يقول : د. مصطفى كامل السيد عن الفرق بين نظام الحكم والنظام السياسي: النظام السياسي هو طريقة ممارسة الشأن العام في المجتمع وهذا اوسع بكثير من نظام الحكم لان النظام السياسي يشمل هيئات اخرى لاتمارس سلطة الحكم، يسندها في النهاية خطة القهر في الدولة من خلال الشرطة والمحاكم والسجون، وجماعات الضغط داخل الدولة من المجموعات الاقتصادية والحزبية التي لاتشارك في الحكم، وحتى الرأي العام، انما هم يدخلون ضمن هيئات النظام السياسي داخل الدولة، وذلك ما يؤكد ان الفئات الغوغائية الفوضوية التي تستغل حالة الركود المنتشرة داخل صفوف شرائح المجتمع المتعددة تعد ركناً من اركان النظام السياسي العام، اما نظام الحكم فهو يشير فقط الى مؤسسات الحكم الثلاث السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة بالمعنى الضيق، والسلطة التشريعية والتي يجب ان تكون منتخبة ويمثلها البرلمان والمجلس النيابي، والسلطة القضائية التي يدعوا اليها القضاة،ذلك هو نظام الحكم الذي يتأثر في الغالب بالمتغيرات الاقليمية والدولية والظروف الداخلية فضلاً عن الظروف العامة كالعلاقات الدولية ومترتبات المنظومة الدولية وحاجياتها، اما القواعد التي تخضع لها هذه الهيئات الثلاث، فهي التي تميز بين الدولة والحكومة، فالدولة أكثر اتساعا من الحكومة، حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، كما يقول: د. عدنان كايد في دراسة له بعنوان الدولة بين المدنية والحاكمية، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءاً من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة (استمرارية) مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام السياسي الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة.
وهنا كما يتم الخلط بين الايديولوجيا واليوتوبيا، يتم الخلط بين النظام السياسي ونظام الحكم، كما يتم الخلط بين الحكومة والدولة، ولايسعنا في مثل هذه الحالات الا ان نركز على مقولة الوعي الزائف الذي يصفه الباحث محمد امين بن جيلالي في دراسة له بعنوان الايديولوجيا واليوتوبيا في فكر مانهايم تأصيلات نظرية في الممارسة السياسية على ان هذا المفهوم ظهر في أحدث أشكاله، بعد إلغاء العوامل المتعالية والدينية، وبداية البحث عن معيار للأمر الواقع في مجال الممارسة، خصوصاً الممارسة السياسية، في حالة تستدعي مذهب البراغماتية،لكن في المقابل إذا قورنت بصياغتها الحديثة، فينقصها الإحساس بما هو تاريخي. الفكر والوجود لا يزالان يمثّلان قطبين ثابتين منفصلين، يحمل كل منهما تجاه الآخر علاقة ستاتيكية في عالم لا يتغير. أما الآن فقد بدأ الإحساس الجديد بالتاريخ يتغلغل وأضحى ممكناً تصور مفهوم ديناميكي للإيديولوجيا والأمر الواقع عبر الاعتقاد بأن مقولة التاريخ يعيد نفسه من باب التكرار اصبح ليس بالمفهوم الشائع والسائد عنه، الذي يتخذ من سطحية الحدث كدليل على التكرار، اتما من خلال الاعتماد على ادارك ماهية الاسباب والمسببات ” العلل والمعلولات” ومن ثم رداستها واسقاط نتائجها على الواقع بعقلية الحاضر والتنبأ بالمستقبل وليس من خلال مفهوم الاستسلام لنفس العوامل والمسببات ،و انتظار نفس النتائج القديمة والخضوع لمنطق المظلومية السابقة.
ان الخلل الذي يفرضه المنطق الوجودي في المجتمعات الشرقية بصورة عامة، هو عندما يحاول البعض جعل الوجود المتعالي وحِدَّة الوعي الزائف في منزلة متساوية، وبذلك نجد الدول تختبئ وراء اقنعة شعاراتية زائفة ومعنونة تحت غطاء الايديولوجيا، وحين تنفك عُرى تلك الشعارات تستغلها اليوتوبيا الغوغائية لفرض واقع وهمي بعيد كل البعد عن المنطق السياسي بنظامه، والسلطوي بنظامه، والحكومي بمفاهيمه، وحتى الاستقلالي بمفهوم الدولة، حيث تختلط الامور وفق نمط فوضوي مثير للجدل، لاسيما ان الطبقات المنعدمة والشرائح الناقدة تجد في وهم اليوتوبيا الفوضوية فرصة للتعبير عن سخطها، وعدم رضاها فتجد التيارات الغوغائية فرصتها لركوب الموجة تلك والقيام باستغلال الاحداث للدعاية الحزبية وفي الكثير من الاحيان تجد تلك التيارات غارقة في مشاكلها الاقتصادية وحتى طروحاتها المعادية للقضية مع الحكومات، على ذلك نجد تلك القيم الفوضوية التي تطرحها الغوغائية المترصدة للحدث تتهاوى في مسرح السيادة الفعلية أو سلوك الدولة، وبالتالي تغدو الإيديولوجية التي تتبناها زائفة في قيمها ومبادئها، وبعيدة كل البعد عن معايير الحقيقة التي تنشد واقع حياة سياسية خالية من الصراعات الطائفية والحروب الاهلية، إذا لم تُؤدِّ الإيديولوجيا وظيفة بناء واقع اجتماعي متوازن، فهي لا محالة تقوم بوظيفة تبرير ذلك الواقع لمصلحة طبقة أو طائفة أو نخبة معينة،وذلك ما يعني إن الواقع الزائف يولد من رحم الوعي الزائف، كما يقول محمد امين بن جيلالي.
لذا الايديولوجيا واليوتوبيا هي التي تميز في المجتمعات ما بين المعنى الجزئي والمعنى الكلي للايديولوجيا، ويقصد بالاول التزييف والكذب المقصود وغير المقصود عند الفرد لاسباب شعورية ولا شعورية، اما المعنى الكلي فيقصد به الاطار الفكري العام لطبقة او لمرحلة فكرية معينة، وذلك ما يظهر بصورة جلية في المجتمعات الشرق اوسطية المقامة على بنى بدوقراطية، استبدادية، فردية، الحزب الواحد يحكم المتعدد بلاشراكة، والتي تخفي سحرها الإيديولوجي وراء أقنعة صراع الدول ، الشركات، ويتخذ سحرُها الإيديو تكنولوجي طابع الإغواء للشعوب المنسحرة بإيديولوجياتها الممزوجة باليوتوبيا بل اليوتوبيا التي تغلفها بالادلجة، فاستغلال حتى الاديان لفرض ايديولوجيا مبنية على اليوتوبيا الواهمة اصبحت ركناً من اركان صيرورة المجتمعات الشرق الاوسيطة بصورة عامة، فكيف بالفقر والمظالم والكوراث التي تحدث للامم والشعوب، وكما يقول الاعلامي فارس خشان :”عندما نطمح إلى مسألة ما نُصاب بداء الحصان، فنرى الأمور أكبر مما هي في الواقع. وعندما نملك ما نطمح إليه يُصاب نظرنا بداء النسر، فيصبح الأمر البعيد قريباً، وكأن متراً واحداً يفصله عنا، دائماً نخطئ في الرؤية، عندما نعظم من حجم شيء نخضع له، وعندما نستصغره ننقض عليه. وفي الحالتين، نُصاب بعوارض الأوهام. عوارض تحرم الجميع لذة الحياة. المواطن العادي يراك أكبر مما أنت عليه، زعيمك يراك أصغر مما أنت عليه، أنت ترى المواطن العادي أصغر مما هو عليه، وترى زعيمك أكبر مما هو عليه. أوهام الرؤية تسحب نفسها على كل المناصب”، وعلى تلك الشاكلة تتحول مجتماعتنا من قطيع يساق بمنطق الايديولوجيا المسيسية الى قطعان تساق باليوتوبيا الواهمة، وفي جميع الحالات تبقى الشعوب هي الاضاحي التي تقدم للارض كي يثبت السلطوي او الغوغائي كرسيه.