سألني بعض القراء الأفاضل عن عن سبب عدم كتابتي موضوعا عن تظاهرات الملح وما لها وماعليها على الرغم من الحيز الإعلامي الكبير الذي أخذته، والتداعيات الخطرة التي نتجت عنه وأهمها الإطاحة بأضعف رئيس وزراء شهده العراق الحديث (حيدر العبادي)، وطرح إسم محافظ البصرة العيداني كأحد المرشحين لخلافته؟ كان حضور العبادي للجلسة البرلمانية الأولى التي ترأسها أكبر النواب سنا هي المسمار الأخير في نعش رئاسة العبادي لمرة ثانية.
لقد شهدت البصرة منذ عام 2003 ولحد الآن نفس المشاكل من عسرة الماء وقلة الكهرباء وعدم توفر الخدمات والبطالة والفساد الحكومي وسيطرة الميليشيات على المنافذ البحرية وغيرها من المشاكل التي تعاني منها بقية المحافظات، ولكن تظاهرات البصرة تزامنت بشكل غريب مع عملية إعادة فرز الأصوات التي فضحت القضاء العراقي وأثبتت أن الفساد في السلطة الثالثة لا يقل عن الفساد في السلطتين التشريعية والتنفيذية، علاوة على سرقة أصوات الشعب والتلاعب بها بهذا الشكل الفاضح، وهي لا تقل أهمية عن سرقات المسؤولين لأموال الشعب. علاوة على تدخل مرجعية النجف التي ضيقت على لجنة إعادة الفرز الوقت بتسريع إعلان النتائج، فجاءت النتائج متطابقة، فكأنك يا بو زيد ما غزيت. فهل كان توقيت الإحتجاجات عفويا على الرغم من انه غطى بشكل رئيس على عملية إعادة الفرز؟ ولماذا تدخلت المرجعية وهي تزعم انها لا تتدخل في السياسة فأحرجت القضاة بتسريع ومطابقة النتائج ووجهتهم كما تريد؟ ولماذا كان عدد المتظاهرين بالمئات كما أشار النائب والوزير السابق وائل عبد اللطيف؟ ولماذا خلت التظاهرات من قادة ووجوه معروفة؟ وهناك تساؤلات أخرى منها من وقف وراء الإحتجاجات وتصعيدها؟ علما ان بعض رؤساء العشائر ممن أشعل الإحتجاجات أكدوا بأنهم يقفون مع العملية السياسية ومنهم على سبيل المثال الشيخ رائد الفريجي، رئيس مجلس عشائر البصرة؟ ولماذا حصرت المطالب بتوفير الماء والكهرباء وتوفير التعيينات؟ هل تجاهلوا ان معاناتهم هي بسبب العملية السياسية، فمشاكل العراق عموما من مخرجات هذه العملية الكسيحة، اليس من الغريب إنهم ينتقدون الحكومة على فسادها ويؤمنون بالعملية السياسية؟
الأعجب منه ان عدد من رؤساء العشائر في البصرة قدموا إعتذارا الى ايران عن حرق قنصليتهم! عجبا!هل صار للعشائر وزارة خارجية خاصة بهم فتقدم بيانا للإعتذار؟ الأنكى منه قيام البعض من رؤساء العشائر بتوسيخ عقاله من خلال تنظيف القنصلية الايرانية من مخلفات الحرق فأحرقوا بذلك كرامتهم وكرامة عشائرهم! فعلا عشائر آخر زمن! الطريف ان وزير الخارجية الممسوس إبراهيم الجعفري الذي صمت دهرا ونطق كفرا، وصف من أحرق القنصلية الإيرانية بـ (الشذاد) توعدهم بالقصاص، فهل تحول هذا الجعفري الى وزير داخلية؟
من المعروف إن إن محافظ البصرة أحد أبناء واحد من كبار مشايخ البصرة، وعشيرته متضامنة مع مطالب أهل البصرة، فلماذا أحرقوا مقر المحافظة، مع ان موقف المحافظ متطابق تماما مع مطالب المحتجين؟ كيف نفسر هذه الإزدواجية؟
وهنا تُثار الأسئلة الآتية:
اليس قوات الجيش والمؤسسات الأمنية جميعا من أهل البصرة، فلماذا أطلقوا النار على المحتجين وهم من ابناء البصرة؟
اليس محافظ البصرة ومجلس المحافظة جميعا من أهل البصرة؟ لماذا لم ينتقد أي منهم قطع إيران الكهرباء عنهم، ولا قطع نهر الكارون، ولا أملاح المبازل الإيرانية التي تلوث شط العرب إضافة الى المخلفات الكيمياوية الإيرانية؟ بل إن النائب عن تحالف الفتح عدي العوادي إشتعلت النار في قلبه كالحريق لمجرد إنتقاد حيدر الملا في لقاء تلفازي الجانب الإيراني؟ فكيف أحرقت صور الخميني ومقر القنصلية الإيرانية، في الوقت الذي كانت البصرة تستعد لبناء صرح ديني في مكان تبول فيه الخميني؟
من الذي نصب الصور والملصقات للخميني والخامنئي؟ ومن أحرقها؟ اليس هم أهل البصرة أنفسهم؟ وفي نفس الوقت قام شباب البصرة بتنظيف مبنى القنصلية الايرانية من مخلفات الحرق! من يعادي من؟
لماذا لم يتطرق المحافظ ومجلس المحافظة الى سيطرة الميليشيات الموالية لنظام الملالي على المنافذ البحرية للبصرة، وأين تذهب عائداتها؟ من يقف وراء وضع الستار عن هذا الموضوع؟
تحدث المحافظ وأعضاء مجلس المحافظة ونواب البصرة ومشايخها عن مطالبتهم بالبترودولار التي أقرها مجلس النواب لهم، لكن لماذا لم يتحدث أي منهم عن موضوع تراخيص النفط التي عقدت خلال ترأس حسين الشهرستاني لوزارة النفط، وهي واحدة من أفسد صفقات القرن؟ هل لأن الوزير من أقارب المرجع السيستاني ام هناك سبب آخر؟
كيف يفسر أهل البصرة إنتخابهم لنفس الوجوه الفاسدة التي عبث بهم وأطاحت بأحلامهم الوردية، وخلال بضعة أيام ينتفضوا ضدهم؟ ويحرقوا مقراتهم؟ من يضحك على من؟
المحافظ ومجلس المحافظة والجيش والشرطة والقوات الأمنية والميليشيات النافذة في البصرة وسراقها من جهة، وشهداء الإحتجاج والجرحى والمحتجون هم من أهل البصرة، بمعنى ان الجلاد والضحية كلاهما من أهل البصرة. اليس هذا الأمر يثير الحيرة؟
تحدث المسؤولون البصريون عن إحترامهم لمرجعية النجف وانها الفيصل الحاسم في أي قرار تتخذه، لكن هل أطاع أهل البصرة قرار مرجعهم (المجرب لا يجرب)؟ نتائج الإنتخابات تقول بأنهم لم يحترموا قرار مرجعهم الديني الأعلى، وإنتخبوا المجرب رغم أنف المرجعية. كيف تُفسر هذه الإزدواجية؟ الا ينطبق عليهم المثل العربي” من جرب المجرب حلت به الندامة”.
على الرغم من تفاقم مشكلة مياه البصرة وتسمم الآلاف من ابنائها، وعلى الرغم من عجز الحكومة ممثلة برئيس الوزراء ووزرائه ومحافظ البصرة ومجلس المحافظة من حل مشكلة تحلية المياه بل وتهويلها بطريقة غريبة، وكل يلقي اللوم على الآخر ويحمله المسؤولية، بحيث صار من المعاجيز حلٌها الا بعد سنوات، لكن فجأة يظهر شمشون من مرجعية النجف ليحل مشكلة المياه في البصرة بطريقة سهلة من خلال تصليح المضخات بمبلغ قليل خلال بضعة أيام، ليحصل أهل البصرة على ماء نظيف صالح للشرب! من كان يهول حل مشكلة الماء؟ علما ان ممثل المرجعية زار البصرة للقاء أهل زوجتة الجديدة وليس لحل المشكلة، بل جاء الحلٌ على هامش زيارته العائلية؟ هل هي دعاية للمرجعية، ام هناك مغالاة في مشكلة المياه؟ أين الحقيقة؟ لماذا سكتت الأفواه ولم يعلق أحد على معجزة المرجعية في حل مشكلة الماء الملوث؟
أشاع بعض النواب وأعضاء في مجلس محافظة البصرة ومشايخها في باديء الأمر ان الدواعش هم من يقف وراء حرق القنصلية الإيرانية، وهو أمر مضحك لكل من يراقب المشهد السياسي في البصرة، وبعدما إدعى نظام الملالي ان السعودية تقف وراء عمليات الحرق، فسارع أقزامها من رؤساء الميليشات العراقية الموالية لولاية الفقية بتوجيه إصبع الإتهام الى المملكة الشقية، وأخيرا تغيرت بوصلة الإتهام الى القنصلية الامريكية في البصرة، قامت ميليشيات الفقيه في العراق بإطلاق صواريخ على السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء كرد فعل لحرق القنصلية الإيرانية، فجاء التحذير الامريكي لنظامي إيران والعراق صاعقا بأن إي إعتداء على مؤسساتها ووكالاتها وقواتها ومواطنيها في العراق سيكلف النظام الإيراني والعراقي تكلفة باهضة وسيكون الرد سريعا.
من هم المندسين؟
إعتبارا من رئيس الوزراء وعدد من النواب والمحافظ ومجلس المحافظة وشيوخ البصرة إدعوا بأن الجهة التي تقف وراء عملية قتل وجرح عدد من المتظاهرين، وحرق مبنى القنصلية الايرانية جماعة من المندسين بين المتظاهرين، ويبدو ان هؤلاء المندسين نزلوا بزنبيل من السماء نفذوا عمليات القتل وسرعان ما إختفوا، بل ان قائد عمليات البصرة السابق إدعى بأن مندسين جاءوا في سيارة اسعاف وهم من أطلق النار على المتظاهرين وهربوا، وهذا الكلام بالطبع يدين قائد العمليات نفسه وقواته الأمنية التي عجزت عن إلقاء القبض على المندسين، وهم المسؤولون عن أمن المحافظة كما يفترض.
الأمر المثير ان من حَرَقوا القنصلية الايرانية كانوا مكشوفي الوجوه، فلماذا لم يلقى القبض عليهم، لنعرف الجهة التي تقف ورائهم، اليس هذا يعني أن هناك من يريد خلط الأوراق، وطمس الحقيقة، ولكن الحقيقة سرعان ما تكشف عن نفسها، وتفضح من يحاول أن يحجبها عن الناس.
وأخيرا عرفنا حقيقة المندسين.
يقال ان المجرم عندما يرتكب جريمته يحوم حول موقع الجريمة، والمندسون بالتأكيد ليسوا بغرباء عن أهل البصرة، وإلا لكشفهم أهل العشائر والجهات الأمنية بسهولة. المندسون لابد ان يكونوا من جهة تخشى الحكومة وأجهزتها الأمنية الكشف عنها، لذلك تخبطت هذه الجهات في تحديد المندسين.
في مقال سابق تحدثنا عن مشروع الخميني في العراق والجهات التي تقف ورائه سيما ميليشيات الحشد الشعبي الذي ما يزال رئيس الوزراء يدعي انها تخضع لأمرته، فيضحك من يستمع الى مقولته، مع ان اذا العبادي لم يجرأ مرة واحدة فقط ان ينتقد واحدا من زعماء الحشد الذين يكيلون له ولجيشه العرمرم الإهانات تلو الإهانات. ولأن المقال السابق له علاقة بموضوعنا الحالي، سنتعرف على الجهة التي تقف وراء قتل المتظاهرين وإستخدام العنف ضدهم، وحرف بوصلتهم وتشويهها، الغريب في الأمر ان غالبية أهل البصرة يعرفون هذه الحقيقة، وقوات التعبئة وهي التشكيل السري الجديد هم من أهل البصرة، لكنهم يتجنبوا الحديث عنها، بسبب عقدة الخوف الملازمة لعقلية لمواطن العراقي على مر السنين. المندسون هم من أهل البصرة، والمجرمون والضحايا من أهل البصرة.
لنقرأ التصريحات في أدناه ونترك الحكم للقاريء المثقف الواعي اللبيب.
كشف القيادي في هيأة الحشد الشعبي ابو الاء الولائي في 15/9/2018 تفاصيل عمل قوات التعبئة التابعة للحشد في محافظة البصرة، بقوله” ان قمع التظاهرات والناشطين من اهدافها، وإن قوات التعبئة تشكيلات مدنية شُكلت قبل ثلاث سنوات في جميع المحافظات العراقية، وليس في محافظة البصرة فقط، وإن تشكيل التعبئة هي ضد التظاهرات التي تنادي برفض مشروع الامام خميني في العراق، والهدف من الاستعانة بهذه التشكيلات في محافظة البصرة هو ضد استهداف المقرات الايرانية في المحافظة”. وشدد ابو الاء الولائي، على ان ” قمع التظاهرات والناشطين من اهداف قوات التعبئة”.
كما أعلن قسم التعبئة في هيأة الحشد الشعبي بمكتب البصرة،15/9/2018 ” إن هيئة الحشد الشعبي مكتب البصرة – قسم التعبئة تعلن عن تشكيل قوات التعبئة الاحتياطية (الباسيج) مكونة من عشرة ألوية في مختلف مناطق البصرة (كوجبة اولى)، وذلك لمساندة الحشد الشعبي والقوات الأمنية، واجبها حفظ الأمن وحماية الممتلكات العامة وتقديم العون و الخدمات لأهالي مناطقهم في الاحداث الغير مرتقبة، وستكون قوات احتياطية لخدمة مشروع الامام خميني”. نترك التعليق للقاريء الكريم.