من يتابع ما يجري في العراق من أحوال ومجريات، يكاد يصاب بالذهول ، من حجم عدم قدرة هذا البلد على ان يجد له طريقا يخدم شعبه ومواطنيه ، حتى راح من أقطاب العملية السياسية نفسها، من يترحم على أيام النظام السابق، يوم كان الشعب العراقي ، على رغم ضآلة موارده، يقيم مشاريع بناء وتنمية ويوفر لقمة العيش لمواطنيه، أكثر بكثير مما يجري اليوم وما يعانيه العراقيون من احوال ومنزلقات تسير ببلدهم الى المجهول.
أجل الغريب أن انصار العملية السياسية نفسها من بدأ يطرح المقارنات مع ما كان أيام النظام السابق وما يجري اليوم من أهوال، فيجده لايقارن، بحجم عمليات الغش والفساد والضحك على ذقون العراقيين، وتعريض مستقبلهم للخطر، وهو مؤشر خطير فعلا، ولكن بعد فوات الآوان.
من كان يتجرأ أن يتم التطرق الى مكاسب النظام السابق ويجري له مقارنات مع ما يجري اليوم، لو لم تصل الامور حد الانفجار، ولو لم يتوصل الكثيرون الى ان حال شعبهم وصل الى مرحلة من اليأس وعد الثقة بقياداته ومن يتولى أمره، فقد كان مجرد الحديث عن أيام النظام السابق من المحرمات، التي لايمكن قبولها بأي شكل من الأشكال، ولكن وبعد ان طفح الكيل وانقلبت الموازين ، حتى تجد الاف العراقيين، وغالبيتهم من شيعة العراق، من يترحم على أحوال النظام السابق، على رغم كل ظلمه وجوره، الا انه لم يصل بأحوالهم الى هذه الدرجة من الاستهانة بمقدراتهم وتعريض أمنهم لخطر يومي داهم، وكان آخره ما اتجه به الحال نحو الغاء البطاقة التموينية، التي عدها الكثيرون، حكما بإلاعدام على الشعب العراقي واعلان حرب عليه.
وما يجري اليوم من مقارنات على صعيد البطاقة التموينية وحتى انجاز المشاريع ومستوى الامن الاجتماعي والوطني والتقدم الاقتصادي الذي كان يعيشه العراق في الثمانينات والتسعينات، لايمكن ان يتم مقارنته بأي شكل من الأشكال عما يشهده العراق اليوم من أحوال، أصابت اقطاب العملية السياسية ليس بالذهول، وانما من الخطر الداهم الذي ينتظرهم، اذا ما بقيت الاحوال تدار بهكذا طريقة من الاستخفاف بالعراقيين وتجاهل أبسط مطالبهم المشروعة وتعريض أمنهم اليومي لمخاطر التشرد والفناء، وما يجري من اعتقالات ومداهمات لالاف المواطنين العراقيين يمثل مؤشرا خطيرا يقود الشعب الى هاوية ( اعلان الحرب) بعد ان تم محاربة الناس الابرياء الذين لاحول لهم ولا قوة، وتجري الاعتقالات على أساس طائفي ومذهبي لاغير، ولا توجد اية مؤشرات حقيقية لقيام هؤلاء بأي نشاط يضر بأمن البلاد، بل ان اغلبهم مجرد مواطنون مشتبه بهم، بلا ولا شائبة على أحوالهم وليس لهم من قريب أو بعيد بأي نشاط ما يدخل في قائمة ( الارهاب ) سوى انه من هذه الجماعة او تلك الطائفة، وهو يجري بشكل منظم ويومي بالعشرات وما يجري الاعلان عنه يوميا من اعتقالات يمثل كارثة انسانية تستدعي من الضمير العالمي والانساني والوطني ان يوضع حد لمثل تلك الاجراءات التي فاقت وحشية النازيين والمتجبرين وكل طواغيت الارض المفسدين، وعلى الولايات المتحدة ان تدرك ان ظلمها للعراقيين والتعامل مع طوائفه ومللهم بهذه الطريقة انما انه انتهاك صارخ لكل قيمة انسانية وانتهاكا فظا للمواثيق والأعراف الدولية واستهانة بكل قيم الارض والسماء، ويعرض مستقبل العراقيين لخطر الفناء، وما يجري اليوم يمثل وصمة عار في جبين الانسانية ينبغي وضع حد له قبل ان يستفحل الى مالا يحمد عقباه، والعمل على انقاذ ما تبقى من الشعب العراقي ممن لم تلحق به ظلم السلطة واجهزتها وما يجري التخطيط له لاعوام مقبلة يكاد يصيب العراقيين والعالم بأهوال لامثيل لها في التاريخ الانساني، ولا أدري اين ضمير العالم والأمم المتحدة وكوبلر ومن يهتم بحقوق الانسان في العراق من كل هذا الظلم الصارخ الذي يتعرض له الشعب العراقي ولا احد من المجتمع الدولي ولا من دول المنطقة من يحرك ساكنا لانقاذ الشعب العراقي من محنته.