23 ديسمبر، 2024 1:26 م

هَوِيَّةُ التَّشَيُعِ فِي مَنهَجِ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِيّ(ع)

هَوِيَّةُ التَّشَيُعِ فِي مَنهَجِ الإِمَامِ الحَسَنِ العَسْكَرِيّ(ع)

الإِمامُ الحَسَنُ العَسكريّ(ع)، هو الإِمامُ الحَادي عَشر، في سِلسِلَةِ الإِمامَةِ المعَصومَة. كما أَنَّهُ(ع)، حَمَلَ فِي صُلبِهِ المُباركِ، مُخَلِّصَ البَشريَّةِ مِن الظُلمِ و العُدوانِ، الإِمامُ الثَّاني عَشر الحُجَّةَ بن الحَسَنِ(ع). لقدّ تَربصَتْ بالإِمامِ(ع) السُلطَةُ الظالمةُ، كما فعلَتِ بآبائهِ الأَطهارِ(ع). لِتُجهِضَ مَشروعَهُ التَّغييريّ، الّذي يُعتبرُ أَحَدَ حلقاتِ المَشروعِ الكُلِّيّ، للأَئِمَّةِ المَعصومين. في زمنٍ تكاثَرتْ فيهِ الأَهواءُ، و كثُرَت فيه المفَاسِدُ والظُلامَات، بسببِ فَسادِ الجهازِ الحُكومِيّ آنذاك.
كما كانَت أَنشِطةُ السُلطَةِ الحاكِمةِ، جَادَّةً في التَّصدِي لأَيِّ عمَلٍ إِصلاحِيّ، كي لا تتعرَضُ، سَلامَةُ عرشِ السُلطةِ الحاكمَةِ للخَطَر. فكانَت أَجهزَةُ الحُكمِ الظالِمِ، تُثيرُ حَولَ الإِمامِ(ع)، الكثيرَ مِن الشُكوكِ و الشُبهاتِ. و كانَت تَنظرُ إِلى أنشطتِهِ بعيّنِ القَلقِ، بسببِ جماهيريَّتِهِ الواسِعةِ، المنتشرةِ بيّن آفاقِ المعمورةِ. لأَحقيَّتهِ و شَرفِهِ و مكانَتهِ العلميَّةِ و الروحيَّةِ بيّن مُحبيه. فكانَت السلطةُ تَحرُصُ، عَلى عَزلِ الإِمامِ(ع)، إِجتماعيّاً و سِياسِيّاً، و منعِ اتّصالهِ بالجماهير، و اتّصالِهم بِه، مِن خلالِ فَرضِ الإِقامَةِ الجَبريَّةِ، عليهِ فِي مدينةِ سَامَرّاء.
لكنْ بقَتْ الأُمَّةُ المؤمنَةُ متمسكةً بخطِّ أَهلِ البَيّتِ(ع)، و تتّصلُ بالإِمامِ عبرَ وصاياهُ، التي يَنقلُها إِليها خواصُهُ، كلّما دعَت الضرورةُ لذلك. إِنَّ المشروعَ الرئيسَ و الأَساسَ، للأَئِمَّةِ(ع)، هو اشاعةُ الفضيلَةِ، و تطبيقُ مبادئ الإِسلامِ السَمحاءِ، و إِفشاءِ السَلامِ و العَدلِ، و الحَقِّ بيّن النَّاسِ، ليعيشَ المجتمعُ الحياةَ الإِنسانيَّةِ، الّتي أَرادها اللهُ تَعالى أَنْ تَكون.
و لغرضِ النُّهوضِ بالأُمَّةِ، ارتَأَتْ حكمةُ الإِمامِ الحَسنِ العَسكري(ع)، أَنْ يُعيدَ تَذكيرَ الأُمَّةِ، الّتي تُشايعُ خَطَّ أَهلِ البَيّتِ(ع)، بهويَّةِ التَّشَيُع. تلك الهويَّةُ الَتي كلَّفَتْ شِيْعَةَ آلِ محمدٍ(ص)، الكثيرَ من المآسي و النَّكباتِ و الدَّماءِ، و الحرمانِ و التَّعسفِ و الظُلمِ، مِن قِبَلِ كُلِّ السُلطويّينَ الّذينَ يَستَشعِرونَ الخَطرَ، مِن أَتباعِ أَهلِ البَيّْتِ(ع)، خوفاً على نُفوذِهم و سُلطانِهم.
 و كان تأكيدُ الإِمامُ الحسنُ العَسكريّ(ع)، على أَصحابهِ و السائرينَ على خطِّهِ العِصمَويّ، بالتمسُّكِ بخطِّ الإِمَامَةِ، كانَ بمثابَةِ التأكيدِ، على وجودِ الكِيانِ الشِّيعيّ، و استمرارِهِ حيّاً، في بيئةِ ذلكَ المجتمع. فهناك قطّاعاتٌ من المجتمعِ، أَثَّرَت على أَفكارِها، انحرافَاتُ السِياسَةِ السُلطويَّةِ. فعملت السلطةُ بكلِّ آليّاتِها، الترغيبيّةِ و التَرهيبيَّةِ، و الدِّعائيَّةِ و الإِعلاميَّةِ و الإِغرائيَّةِ و غيرِها، مِن الأَدواتِ المُضَلِّلَةِ الّتي تَتَفَنَنُ بامتلاكِها الأَنظمةُ الطّاغوتيَّة، لغرضِ تَدميرِ قِيَمِ و أَخلاقِ المُجتمع. فكانَتْ خُطَّةُ الإَمامِ الحَسنِ العَسكريّ(ع)، مبنيَّةً على أساسينِ هما:
الأساسُ الأولُ: ترسيخُ المفاهيمُ الإِسلاميَّةِ العقائديَّةِ الصَّحيحةِ، في ذهنيَّةِ الإِنسانِ المُسلمِ، مِن خلالِ تبيانِ طريقِ الحَقِّ، و تبيانِ طريقِ البَاطِل. فقالَ(ع)، مُوضحاً آفاقَ ذلك كما يلي:
1. (و الناسُ على طبقاتٍ مختلفين شتّى، فالمستبصرُ على سبيلِ نجاةٍ متمسّكٍ بالحقِّ، فيتعلّقُ بفرعٍ أَصيلٍ غيرِ شَاكٍّ، و لا مُرتابٍ لا يجدُ عنهُ ملجأً. و طبقةٌ لم تأخذُ الحقَّ من أَهلهِ، فهُم كراكبِ البحرِ يموجُ عندَ مَوجِهِ، ويَسكُنُ عندَ سُكونِه).
2.  (و طبقةٌ استحوذَ عليهم الشَيطانُ، شأْنَهم الردّ على أَهلِ الحقِّ، و دفعِ الحقِّ بالباطلِ، حَسداً مِن عندِ أَنفسِهم، فَدَعْ مَن ذَهبَ يميناً و شمالاً، كالراعي، إِذا أرادَ أنْ يجمعَ غنمَهُ، جمعَها بأَدوَنِ السَّعي)(موسوعة الامام الحسن العسكري ص281 ج3)(انتهى).
الأَساسُ الثّاني: وضعَ الإِمامُ(ع)، مواصفاتٍ محدَّدةً، كما جاءَت فِي القُرآنِ الكريمِ. فبيَّنَ الإِمامُ(ع)، كيّفَ يجبُ أَنْ يكونَ، سُلوكُ الإِنسَانِ الشِّيعِيّ المُنتَمِي لمدرَسةِ أَهلِ البَيّتِ(ع)، فِي المجتمع. فَقالَ(ع) فِي ذلك حديثاً، أَجدُ مِن ضَروراتِ التَّبسيطِ، ذِكرَهُ بالنُقاطِ التَّاليَة:
1. هُم الذينَ آمنوا باللّهِ، و وصفوهُ بصفاتِه، و نزّهوهُ عَن خِلافِ صفاتِهِ(لم يجسموه و يجسدوه/الكاتب). و صدَّقوا محمّداً في أَقواله،(لم يردّوا عليه قولاً أَبداً/الكاتب). و صوّبوهُ في كلِّ أَفعالِه(جعلوهُ معصوماً قولاً و فِعلاً/الكاتب).
2. و رأوا عَليّاً (ع) بعدَهُ سَيِّداً إِمامَاً، و قَرْمَاً هُمَامَاً، (والقَرْمُ من الرجال : السيّد المُعظم…. و في حديث علي (ع): أَنا أَبو حَسنٍ القَرْم).(لسان العرب لابن منظور/ج-12 ص/ 473). لا يَعدلُه مِن أُمَّةِ مُحمّدٍ أَحَدٌّ، و لا كلُّهم، إِذا اجتمعوا في كَفَّةٍ، يوزَنونَ بوَزنِهِ، بَلّْ يَرجِحُ عليهم، كما تَرجِحُ السماءُ و الأَرضُ، على الذَرَّة (الذَرَّة: الجُسيّم الصغير جداً).
3.  و شِيْعَةُ عَليّ (ع)، هُم الّذين لا يبالونَ في سبيلِ اللّهِ، أَ وَقَعَ المَوتُ عليهِم، أو  وَقعوا على المَوت. (لأَنَّهم مشاريعُ استشهادٍ، مِن أَجلِ عقيدَتِهم/ الكاتب).
4. و شِيْعَةُ عَليّ (ع)، هُم الّذين يُؤثرون إِخوانَهم، على أَنفُسهِم، و لو كانَ بهم خَصاصَةٌ. (فهم أَهلُ التّراحُم و التضحيَّة و الإيثار/الكاتب).
5. و هُمْ الّذين لا يَراهُم اللّهُ، حيثُ نهاهُم. و لا يَفقدُهُمْ مِن حيثُ أَمرَهُم. (ملتزمين بأوامرِ الخالقِ تعالى/الكاتب).
6. و شِيْعَةُ عَليّ (ع)، هُمْ الّذين يَقتَدونَ بعَليٍّ (ع)، في إِكرامِ إِخوانِهم المؤمنين.
7. كما يخاطبُ الإِمامُ الحسنُ العسكريّ(ع)، الآخرَ عمّا تقدَّمَ مِن نُقاطٍ، فيقولُ(ع): (ما عَنْ قَولي أَقولُ لكَ هذا، بلّْ أَقولُهُ عَن قَوّلِ مُحمّدٍ(ص). فذلِك قولُهُ تَعَالى: (وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ). قَضُوا الفَرائضَ كلِّها، بَعدَ التَّوحِيدِ، و اعتِقادِ النُبوَّةِ و الإِمَامَةِ. و أَعظمُها فَرضاً،  قَضاءُ حُقوقِ الإِخوَانِ فِي اللّهِ)(موسوعة الامام الحسن العسكري ج3 ص327).
لَمْ يكُنْ نشاطُ الإِمامِ الحسنِ العسكريّ(ع)، مُريحاً للسُلطةِ الغاشِمةِ، و هوَ يُمارسُ نشَاطَ تغذيَةِ أَفكارِ النَّاسِ، بالقيمِ و المبادئ الإِسلاميَّةِ، النَّقيَةِ الصَّحيحَةِ المُطابِقَةِ، تمامَاً للقرآنِ الكَريمِ، و السُنَّةِ النَّبويَّةِ الصَّحيحَة. فقَرَّرت السلطاتُ الحاكمَةُ، فِي الثامِنِ مِن شَهرِ رَبيعٍ الأَوَّلِ، مِن عامِ ستّينَ و مائتينِ، مِن الهِجرةِ المُباركةِ، إِنهاءَ حياةِ الإِمامِ الحَسَنِ العَسكريّ(ع)، لتَسْلَمَ عُروشُهم مِن كلَّ تَهديدٍ مُحتمل.
و عندَما نستَذكِرُ هذهِ المناسبَةَ الأَليمةَ، يُحَتِّمُ الأَمرُ على جَميعِ مُحبّي أَهلِ البَيّتِ(ع)، الاقتداءَ بهديهِم، و العملَ على تطبيقِ رسالَتهم، و هي رسالةُ الاسلامِ المجيدِ، مِن أَجلِ تحقيقِ العَدالَةِ الإِجتماعيَّة، و تحقيقِ الأَمنِ و الرَّفاهِ للجَميع.
كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي
[email protected]