22 نوفمبر، 2024 5:28 م
Search
Close this search box.

هَلْ سـيعتـذر أوباما للعراقيـّين؟

هَلْ سـيعتـذر أوباما للعراقيـّين؟

أكّد الأسقف ديزموند توتو، كبير أساقفة الأنجليكان في جمهورية جنوب أفريقيا، طلبه من الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يقدم إعتذاراً رسمياً للعراقيين عن “كارثة إحتلال العراق” التي إقترفها سلفه الرئيس جورج بوش الإبن. جاء ذلك خلال مقابلة له مع ستيفين سيكور في برنامج تلفزيوني، “كلام صريح”، من هيئة الإذاعة البريطانية يوم 23 شباط 2009. بينما جاء أول طلب له في مقابلة مع نفس المحطة في تشرين الثاني 2008. و نشر القس توتو حول ضرورة الإعتذار الأمريكي للشعب العراقي مقالاً مطولاً في صحيفة “واشنطن بوست” في 9 تشرين الثاني 2008 بعد فوز أوباما بإنتخابات الرئاسة الأمريكية. تجدر الإشارة إلى أنّ الأسقف توتو حاز على جائزة نوبل للسلام عام 1984 و جائزة غاندي للسلام عام 2005 لجهوده و مواقفه الشجاعة في الدفاع عن حقوق الإنسان و مناهضة التفريق العنصري.

عندما يتعلق الأمر بجرائم الحرب و جرائم الإبادة ضد الإنسانية و جرائم الإحتلال فإنه يوجد عادة جانبان للإعتذار الرسمي الذي تقدّمه الدولة المعتدية لاحقاً، و هما الإعتذار اللفظي الصادر من الحكومة القائمة و بإجماع أعضاء مجلس النواب، و برنامج تعويضات شاملة بضمنها الجوانب المادية. و حينما يكون الحديث عن مأساة العراق كنتيجة مباشرة لإحدى الجرائم المنظمة التي إقترفها جورج بوش يجب التركيز على خصوصية البلد المحتل.

منذ البداية ستظهر أسئلة وجيهة جداً و هي: من سيطالب أوباما أو خلَفه بالإعتذار للشعب العراقي و تقديم التعويضات و تسليم مجرمي الحرب؟ و هل سيعتذر أوباما أو غيره من الرؤساء اللاحقين، و لماذا؟ نذكِّر هنا بما قال باراك أوباما، في مدينة شيكاغو في 2 تشرين الأول 2002، أثناء تظاهرة مناهضة للحرب ضد العراق، “أنا لا أعارض كل الحروب و إنما أعارض الحروب الغبية”. و أُعيدَ إنتخابُه للرئاسة في 7 تشرين الثاني عام 2012 و لم يَعُد يخشى من خسارة إنتخابية.

إبتداءً ينبغي القول أن هذا العمل الوطني و الإنساني الجرئ لا بد أن تقوم به الحكومة الوطنية العراقية في المستقبل، سواء جاءت هذه الحكومة بالإنتخاب أو بالإنقلاب. إذ لا يمكن أن يخطر ببال أحد من حكام الإحتلال الأمريكي منذ عام 2003 بالمطالبة بشئ من هذا القبيل، و إن فكّر بذلك فلا يجرؤ على القول علناً. من ناحية ثانية لو فكّر أوباما، تحت وطأة المطالبة من المنظمات الإنسانية الدولية، بموضوع الإعتذار فإن مستشاريه سيمنعونه قطعاً من الإتجاه بهذا المنزلق الخطير، و سيتم التعتيم الإعلامي الشامل على هذا الموضوع حتى نهاية حكمه. فالإعتذار يعني الإقرار بجرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية و جرائم التخريب العمد و جرائم إثارة الحرب الأهلية و جرائم التقسيم و جرائم النهب المنظم للثروات و غيرها من سلسلة الجرائم. عدا عن ذلك فإن الإعتذار للشعب العراقي سيفتح على الأمريكيين أبواباً لن يستطيعوا سدّها مطلقاً بوجه دول كثيرة خرّبوها و أضطهدوا شعوبها على مدى عقود من الزمن.

لم يكن من العِناد أو الصلَف أن يمتنع جورج بوش عن الإقرار بتسمية الحرب الأهلية في العراق على مدى السنين الماضية بل أصّر على تسميتها “الحرب الطائفية بين السنة و الشيعة”. إذ لو إعترف بهذه التسمية فسيترتّب على ذلك مسؤولية قانونية أمام الأمم المتحدة وفقاً لمعاهدات جنيف بإعتباره القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية و هو المسؤول المباشر عن ظهور الحرب الأهلية في البلد المحتل.

لعل من المفارقات المؤلمة أن الإهتمام الجاد بالضحايا العراقيين، و كذلك الحال مع الفلسطينيين و غيرهم، تتولاه منظمات إنسانية دولية و محلية مقراتها في الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا. فمثلاً مشروع تعداد الضحايا العراقيين فريد من نوعه و يوثق يومياً عدد و أسماء الضحايا و أماكن قتلهم كلما توفر ذلك من وكالات الأنباء. و كذلك بعض الدراسات العلمية الإحصائية عن الضحايا المدنيين في العراق التي قام بها مختصون في الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض العلماء العراقيين و نشروها في المجلة الطبية البريطانية “لانسيت”.

و من أغرب الأمور، دون الخوض بالتفاصيل، أن هناك جهات أمريكية وطنية كثيرة تطالب بمحاكمة جورج بوش لجرائم الحرب في العراق و الكذب العمد على الأمريكيين و المجتمع الدولي و غيرها من الجرائم، و هم يجمّعون الوثائق و ينشرونها في الشبكة الدولية (إنترنت) إستعدادا لليوم الموعود. بل إن نفراً من أعضاء الكونغرس طالب صراحة بضرورة محاكمة جورج بوش و بقية العصابة الحاكمة سابقاً. يجب الإشارة هنا إلى أن جورج بوش ذاته طلب في بداية عام 2002 من العميل كنعان مكية، و هو أمريكي من مواليد العراق، أن يهتم شخصياً بتنظيم ملفٍ أسماه “جرائم صدام حسين”، ثم أودع بعهدته بعدد ضخم من الوثائق التي إستولى عليها الأمريكيون في بداية الإحتلال. و كان يتنقّل بين واشنطن و بغداد المحتلة إلى أن تمّ إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. بعدما أنجز كنعان مكية مهمته بإخلاص توارى عن الأنظار و عاد للإستقرار في بلده في واشنطن.

إذن كيف يكون الإستعداد الآن لهذا الأمر الخطير؟ كيف يتم جرد أنواع الخسائر و حجمها و زمانها و إستمراريتها لكي تحدد أنواع و حجوم التعويضات قيد البحث؟ ليس من العيب أن نتعلّم من خبرة اليهود الصهاينة الشئ الكثير بخصوص مطاردة المسؤولين الحكوميين المجرمين و توثيق جرائمهم و المطالبة بالإعتذار و المحاكمة و التعويضات حتى لو جاءت متأخرة عشرات السنين بعد هذا اليوم، و حتى بعد موت الجناة، و أن تكون هذه المطالبات منتظمة و مستمرة، و تُعرَض في وسائل الإعلام بشكل ذكي مؤثر. إن جرائم القتل الفردي لا تتقادم و لا تسقط بمرور الزمن، فكيف إذا كانت جرائم إبادة ضد الإنسانية و جرائم حرب من النوع الذي إقترفه جورج بوش و حكومته؟ مع ذلك يكون من الضروري جداً ربط المجرم بشكل مباشر بالجريمة لكي تكون الإدانة يقينية من الناحية القضائية.

الخطوة الأولى:

لتحقيق هذا الهدف الإنساني النبيل يجب أن تقوم الحكومة العراقية الوطنية مستقبلاً، و بالتنسيق التام مع المنظمات الإنسانية الدولية و المراكز العلمية، بالطلب من منظمات الأمم المتحدة و الدول الإسلامية و الجامعة العربية أن تشرف على إجراء إحصاءات و دراسات رسمية مفصلة شاملة محايدة منذ الغزو الأمريكي في 19 آذار 2003:

1. لكل الضحايا العراقيين و العرب و الأجانب المقيمين قانونياً، من القتلى و الجرحى و المعاقين جسمياً و نفسياً و عقلياً، و اللاجئين إلى الدول المجاورة و غيرها. تجاوز عدد الضحايا العراقيين المدنيين مليون و نصف مليون شهيد حتى نهاية عام 2013، و عدد الأرامل أكثر من ثلاثة ملايين، بالإضافة إلى مليوني لاجئ داخل العراق و ثلاثة ملايين لاجئ خارج العراق.

2. الممتلكات العامة و الخاصة لكل من جاء بالفقرة الأولى.

3. للبنى التحتية المتضررة (كهرباء، ماء، هاتف، مجاري، طرق، جسور، أنهار، جداول، أهوار) و الخدمات المنهارة (صحية، إجتماعية، نفسية، قضائية، مشاتل، مزارع، بريد، نفايات).

4. للآثار المسروقة و المتضررة و بضمنها المراقد الدينية.

5. لدراسة تلوث البيئة باليورانيوم و المواد الكيمياوية و الجراثيم المرضية و الغبار الكثيف و الضوضاء بأنواعها، مع ضرورة التركيز على محافظتي البصرة و ميسان و مدينة الفلوجة.

6. للأمراض البشرية و الحيوانية و النباتية الوافدة بالإضافة إلى تلك الناجمة عن التلوث البيئي الواردة في الفقرة أعلاه.

7. لإنخفاض الإنتاجية العامة بين الناس، و لتدني الإنتاج الزراعي و الحيواني، و إنتشار التصحّر، و جفاف الأهوار مرة أخرى حتى بعد محاولات إحيائها من جديد.

8. لإهمال تنظيم الحصص المائية بين العراق و إيران و تركيا و سوريا، و ما ترتب على ذلك من شحة المياه و إزدياد الملوحة و تردي المحاصيل الزراعية.

9. للثروات الطبيعية المتضررة أو المنهوبة أو المهربة بإستمرار مثل النفط و الغاز و الكبريت و الفوسفات و الحيوانات البرية و الطيور و الأسماك و النباتات.

10. للأسلحة العراقية من الطائرات و الدبابات و المدرعات و المدفعية و الزوارق البحرية و الصواريخ و الأسلحة الخفيفة و الأعتدة المتنوعة التي تم إتلافها بطريقة منظمة بإشراف الجيش الأمريكي و الجيش البريطاني.

11. لإهمال حماية الحدود و تسهيل دخول التنظيمات الإرهابية و زيادة جرائم التهريب.

12. لتخريب مباني الدولة و المباني العامة لا سيّما في بغداد.

تتضمن الخطوة الثانية ما يلي:

1. إعداد لوائح قضائية أصولية و تقديمها رسمياً بإسم الحكومة الوطنية العراقية إلى المحكمة الدولية للجرائم (المحكمة الجنائية الدولية) لإدانة المجرمين الواردة أسماؤهم أدناه. تأسّست هذه المحكمة بصورة ثابتة في مدينة هاخ، هولندا، و أفتتحت أولى جلساتها يوم الإثنين، 26 كانون الثاني (يناير)، 2009:

أ. مجرم الحرب الأمريكي جورج بوش الإبن و أعضاء حكومته و كبار ضباطه العسكريين المساهمين بالتخطيط و التنفيذ.

ب. مجرم الحرب البريطاني توني بلير و أعضاء حكومته و كبار ضباطه العسكريين المساهمين بالتخطيط و التنفيذ.

ت. مجرم الحرب الأسترالي جون هوارد و أعضاء حكومته و كبار ضباطه العسكريين المساهمين بالتخطيط و التنفيذ.

ث. رؤوساء منظمات الجنود المرتزقة لا سيما المنظمة الأمريكية “بلاك ووتر”، بالإضافة إلى الجنود المرتزقة أنفسهم.

2. عند صدور أحكام قضائية بالعقوبة القصوى ضد المتهمين مستقبلاً تصدر الأمم المتحدة قراراً ملزِماً لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية و من تحالف معها من الدول و الشركات و الحركات السياسية و الأفراد لغزو العراق:

أ. بتقديم إعتذار خطي رسمي و بإقرار مجلس النواب (الكونغرس الأمريكي، و مجالس العموم البريطانية و الأسترالية) إلى الشعب العراقي عن كافة الجرائم و ما ترتّب عليها من نتائج فادحة مستمرة.

ب. بدفع تعويضات مالية كاملة خلال خمس سنوات من إصدار قرار الأمم المتحدة. عند حساب الخسائر كاملة فإنه ليس من المستبعد أن يصل حجم التعويضات المالية للعراقيين ما يساوي حجم النفقات المالية الأمريكية لغزو و إحتلال العراق من عام 2003 حتى عام 2011  مع النفقات في أفغانستان ـ و هو ما يقدّره أصحاب الخبرة و الدراسة الموضوعية بحوالي ثلاثة ترليون دولار أمريكي.

ت. إسترجاع التعويضات المالية التي منحتها أمريكا من الأموال العراقية للدول و الشركات و الأفراد بعد الغزو الأمريكي. حسب المصادر الرسمية فإن الحكومة الكويتية تسلّمت من أموال العراق 13.3 مليار دولار حتى نهاية العام 2008 و ما تزال تطلب المزيد ليكون المجموع الذي ستستلمه 39 مليار دولار. و هذا المبلغ هو جزء من الإجمالي الذي وافقت عليه اللجنة الدولية للتعويضات عموماً و هو 52 مليار دولار.

ث. التوقف فوراً عن صرف أية تعويضات من جراء نظام الطاغية صدام حسين لأية جهة، و إلغاء كافة القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي وقتئذٍ.

و نظراً إلى إلغاء عقوبة الإعدام في المحكمة الجنائية الدولية فإن أقل عقوبة يستحقها بوش و بلير و هوارد و بقية المجرمين هي السجن المؤبد في زنزانات إنفرادية مشابهة لتلك الموجودة في سجن “أبو غريب”.

ختاماً، يجب أن لا يتوقع أحد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سوف يبادر من تلقاء نفسه بتقديم إعتذار شفهي أو خطي للشعب العراقي عما إقترفه الرئيس السابق الإرهابي جورج بوش و أفراد عصابته. بل هو واجب كل فردٍ من الشعب العراقي أولاً و أخيراً أن ينتزع حقوقه غير منقوصة خلال السنين القادمة من دول محور الشر ـ أمريكا و بريطانيا و أستراليا، و إرغامها على الإنصياع لإرادة المجتمع الدولي. و أيّ إسناد يقدمه المحبّون للسلام و العدالة للعراقيين فهو خير و بركة.

أحدث المقالات