23 ديسمبر، 2024 6:40 ص

هَلّْ أَصْبَحَ القُرآنُ الكَرِيْمُ … مَادَّةً لِلْغِنَاءِ السُمْفُونِيّْ!!.

هَلّْ أَصْبَحَ القُرآنُ الكَرِيْمُ … مَادَّةً لِلْغِنَاءِ السُمْفُونِيّْ!!.

قَبْلَ أَيَّامٍ، عُرِضَ على بَرنامَجِ (اليوتيوب)، حَفْلٌ سُمْفُونيٌّ، لكنْ كانَ العَرضُ مِن نَوّعٍ فَريْد. فِي هذا العَرضِ السُمْفُونيّ، خُصِّصَتْ (الآيةُ 13 مِن سُورَةِ الحُجُراتْ)، لتكونَ مادَّةً للغِنَاءِ الأُوْبِرالِيّ. فكانَتْ تُغَنّى تلكَ الآيَةُ الكريمَةُ، معَ العَزفِ الموسِيقيّ الأُوْركِسْتِراليّ، يُرافِقُ ذلك، تَرديْدٌ صَوّتِيّ (لِكُورَالٍ) مِنَ الفَتياتِ.

القُرآنُ الكريمُ كِتَابُ اللهِ العزيزِ، هِبَةُ الخَالقِ للبَشريَّةِ، لتَجِدَ فيهِ كُلَّ مَا يُصلِحُ أُمورَ حيَاتِها و آخِرَتِها. إِنَّهُ بِحَقٍّ الدِّستورِ الإِلهيّ العَظيمِ. الّذي تَتَجَسَّدُ فيهِ الرُؤْيَةُ الرَّبانيَّةُ، في تَخْطِيْطِ الكَوْنِ ماضِيَاً و حَاضِراً و مُستَقبلاً. و رَحمَةُ الخَالِقُ تَعالَى، شَاءَتْ أَنْ تَنْقُلَ هذا المَصدَرَ العَظيْمِ، مِن مَكنُونَاتِ الغَيّْبِ، و تَضَعَهُ بيَدِ الانْسَانِ، ليَتَفَكَّرَ بهِ، و يتَدَبَّرَ آياتِهِ، و يأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ النَّوامِيْسِ، الّتي بِهَا، يُصْلِحُ تَجربَتَهُ الحَيَاتِيَّةُ، و بِهَا تَنتَظِمُ و شَائِجُ علاقاتِهِ، مَعَ اللهِ و مَعَ نَفْسِهِ و مَعَ الآخرَين.

هَذِهِ المنظومَةُ المُتكامِلَةُ و الشَّامِلَةُ، مِنَ التَّشريعاتِ السَّماويَّةِ، الّتي لَمْ تَقتَصِرْ صَلاحيَّةُ عَمَلِهَا، على زَمَانٍ و مَكانٍ، مثلَمَا لَمْ تَقتَصِرْ، عَلى جِنْسٍ أَو نَوعٍ بَشَرِيّ مُعَيَّنٍ، كمَا أَنَّهَا تَتَعَدّْى حُدُودَ، اسْتِفَادَةِ الانْسَانِ مِنها لِذَاتِهِ فَقَطّ، فَتَصِلُ إِلى حُدودِ استِفَادَةِ البِيْئَةِ الصَمّْاءِ مِنْها، و البِيْئَةِ الحَيَّةِ أَيْضاً.

يَصِفُ الخَالِقُ سُبحانَهُ، عِظَمَ قَدّْرِ كِتابِهِ الكَريمِ، و مَنزِلَتِهِ بقولِهِ تَعالَى:

(لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).(صدقَ اللهُ العَليُّ العَظِيْم).

لكنَّ المؤسفَ أَنْ يَتصَدَّعَ الجَبَلُ الأّصَمُ، ولا يتَأَثَّرُ الكثيرُ مِن البشَرِ، بهَذا النِّدَاءِ الرَبَّاني. لقَدّْ أَدركَ أَعداءُ الإِسْلامِ، مُنذُ زمَنِ الجاهليَّةِ الأُولَى، أَنَّ لهذا القُرآنِ شَأْناً عَظيْمَاً، سَيفَتَحُ عليهِمْ الأَبوابَ الّتي تُفقِدُهُمْ، مكانَتَهُمْ الاجتماعيَّةِ، و

امتيازاتَهُمْ الطَّبقيَّةِ، و نُفوذَهُمِ و سُلطانَهُمْ. و مِن هُنا بَدأَتْ نُقطَةُ الصِّراعِ، بيّنَ حِزِبِ اللهِ و حِزِبِ الشَّيْطانِ.

القُرآنُ الكَريمُ أَخطَرُ مَصدَرِ تَهديْدٍ، للمصَالِحِ الدُّنيويَّةِ لكُلِّ الطُغَاةِ، لِذَا شَنَّ الطُغاةُ ضِدَّ انتِشَارِهِ، حَربَاً شَعوَاءَ، ليُوقِفُوا مَسيرتِهِ الاصلاحِيَّةِ، لتَنظِيْمِ و تَقْويمِ حَيَاةِ الخَليقَة.

فوقَائِعُ التَّاريخِ تُثبِتُ لنَا، أَنَّ القُرآنَ الكَريمِ، تَعَرَّضَ لِهَجَمَاتٍ مُنظَمَةٍ، مِنْ قِبَلِ أَعدَاءِ الإِسلامِ، المُسْلِميْنَ مِنهُمْ و غَيّرِ المُسلِميْن. أَمَّا بِتَحريْفِهِ، أَو تَغيّيبِهِ عَنْ وَعِيّ الإِنْسَانِ، أَو تَقلِيْلِ أَهَمِيَّتِهِ فِي نَظَرِ البَشَرِ، أَو بتَطبيْقِ أَحكامِهِ القَضائِيَّةِ على المُجتَمَعِ، دونَ تَطبيقِ نظامِهِ التَّشريْعيّ، و السِياسِيّ و الاقتِصَاديّ. إِضَافَةً لذلكَ، فقَدّْ عَمِدَ أَعدَاءُ الإِسْلامِ، عَلى فَصْلِ تَطبيْقِ السُنَّةِ الصَحيْحَةِ، عَن تَطبيْقِ أَحكامِ القُرآن. و لهذا الدَّوْرِ أَثَرُهُ السَلبِيُّ الكبيْرُ، على تَطبيْقِ النِّظَامِ الإِسلاميّ في المُجتمَع. فالنِّظامُ الإِسلامِيُّ، نِظَامٌ شَامِلٌ، لا يُمكِنُ بأَيّ حَالٍ مِن الأَحوالِ، تَجْزئُ بَعضَهُ عًن بَعض. (كما تَفعَلُ الآنَ حكومَةُ آلِ سُعودٍ، و مِحوَرِها مِن دُوَلِ الخَليْج).

القَصْدُ مِنْ كُلِّ ذلكَ، صَرفُ فِكْرِ و نَظَرِ الانْسَانِ، عَمَّا مَوجُودٌ بَيّْنَ الدَّفَتَينِ، مِن قِيَمٍ إِنسانيَّةٍ رفيْعَةٍ، تُحقِّقُ العَدالَةَ و الاسْتِقامَةَ و النِّظامَ، في حيَاةِ الانسَان.

فبَدَلاً مِنَ السَعيّ لتَحقيْقِ ذلكَ، يَتِمُّ الالتِفَافُ على المَفَاهِيمِ، الفِكْريَّةِ و العَقائديَّةِ، الّتي تَحِثُ الانسَانَ، عَلى إِقامَةِ نِظامِ الحَقِّ و العَدْلِ في الحَيَاة.

و بَدَلاً مِن تَعميْقِ أفكَارِ القُرآنِ، الّتي تَهْدِفُ تَحريْرَ الانْسَانِ، مِن رِبْقَةِ الوَلاءِ المُطلَقِ للحَاكِمِ المُتَسَلِّط. يَقوْمُ مُفَكِّرُوْا السُلُطاتِ الطَّاغُوتِيَّةِ، بِجَرِّ المُسْلِميْنَ للخَوّضِ، فِي نِقاشَاتٍ عَقِيْمَةٍ، لا طَائِلَ مِن وَرَائِها، لتَضيّيعِ وَقْتِهِمْ، و تَشْتِيتِ أَفكارِهِمْ، و تَبْدِيْدِ جُهُودِهِمْ، و تَضْيّيعِ أَنْشِطَتِهِمْ.

لقَدّْ أُختُلِقَتْ شَتَّى الأَسَالِيْبِ، و أَمْكَرُ الدَّسَائِسِ الإِبليْسِيَّةِ، مِن أَجلِ تَحقيقِ القَطيْعَةِ، بَيّْنَ المُجتَمَعِ و الإِسْلام. و مِنْ هذهِ المُؤامَرَاتِ، كانَتْ مُؤامَرَةُ المُجَسِّمَةِ، الّتي يُشَكِّلُ فيها ابنُ تَيْميَّةَ الحرَّانِيّ، أَحَدَ المُرَوِجينَ لهَا، ويتَبنَّاهَا الخَطُّ الوَهابيُّ المُنحَرِف. هَذا الخَطُّ الّذي يُغَذَّى، بأَموالِ المُسلِميْنَ، و بالتَّالي

يَستَهدِفُ عَقيْدَتِهِمْ الصَّحيْحَة. يَقُوْلُ صَاحِبُ كِتَابِ،(رُؤْيَةُ اللّهِ فِي ضَوْءِ الكِتَابِ و السُنَّةِ و العَقْل) ما يلي:

(فما ترى في كتب الحديث قديماً وحديثاً من الاخبار الكثيرة حول التجسيم، والتشبيه، والقدر السالب للاختيار والرؤية ونسبة المعاصي إلى الانبياء، فكلّ ذلك من آفات المُستَسلِمة من اليهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بين الخلف، ودام الامر على ذلك.

ومن العوامل التي فسحت المجال للاحبار والرهبان لنشر ما في العهدين بين المسلمين، النهي عن تدوين حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ونشره ونقله والتحدّث به أكثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذي خلفه هذا العمل أرضية مناسبة لظهور بدع يهودية ونصرانية وسخافات مسيحية وأساطير يهودية، خصوصاً من قبل الكهنة والرهبان.

فقد كان التحدّث بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) أمراً مكروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزيز (19-101هـ)، بل إلى عصر المنصور العباسي (341هـ)، ولكن كان المجال للتحدّث بالاساطير من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هو تميم بن أوس الداري من رواة الاساطير، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بين المسلمين واستأذن عمر أن يقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وكان يسكن المدينة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان.)(انتهى)( رُؤْيَةُ اللّهِ فِي ضَوْءِ الكِتَابِ و السُنَّةِ و العَقْل/جعفر السُبحاني/ص 17)

(روى البخاري في باب (الصراط جسر جهنّم) بسنده عن أبي هريرة قال: قال أُناس: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: (هل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب؟…..الخ))(انتهى)(المصدر السابق/ص102).

(إنّ أساتذة الجامعات الاسلامية في الرياض ومكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة بدلاً من أنْ يُجهدوا أنفسهم في فهم المعارف ويتجرّدوا في مقام التحليل عن الاراء المسبقة، نراهم يقدمون لشباب الجامعات وخريجيها دعماً مالياً وفكرياً لمواصلة البحوث حول الرؤية(رؤية الله تعالى يوم القيامة) في محاولة لاثباتها واثبات الجهة لله تعالى)(انتهى)(المصدر السابق ص14).

و بِمَا أَنَّ القُرآنَ العَزيزَ، هُوَ مَصدَرُ كُلِّ الخَطَرِ، عَلى عُروْشِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ و المُستَقبَلِ، كمَا كَانَ خَطَراً، عَلى عُروْشِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ الأُوْلَى. لِذَا اتَّجَهَ الطَّواغِيْتُ، ليَجعَلوا مِنَ القُرآنِ أُسْطُورَةً خُرافِيَّةً، مُشْبَعَةً بالتَّناقُضَاتِ الفِكْريَّةِ و العَقَائديَّة. و أَنْ يَرسِمُوا فِي أَذهَاِن النَّاسِ، صُورَةً سَاذِجَةً عَنْهُ، حَتَّى يَصرِفِوا أَنْظَارَهُمْ، عَنِ الاهتِمَامِ بِهِ، و التَّبصُرِ فِي مَضَاميْنِه. و الآنَ و قَدّ تَقَدَّمَتْ التِّقَنِيَّةُ عَالمِيَّاً، لذا تغَيَّرَتْ وَسَائِلُ تِلكَ المُؤَامَرَة.

فَمِنْ تِلكَ الأَسَاليْبِ المَشْبُوهَةِ، فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ، أَنْ تُقَامَ فِي أَندُونِيْسْيَا، البَلَدُ الأَكثَرُ سُكَانَاً مِنَ المُسلِميْنَ فِي العَالَمِ، حَفَلاتٌ سِمْفونِيَّةٌ، تُغَنَّى فيها آياتٌ قُرآنِيَّةٌ. و كانَ مِنْها الحَفْلُ الّذيْ عُرِضَ عَلى (اليُوتيوب)، فِي أَواخِرِ شَهْرِ أَيّْارَ 2014. و الّذي كانَتْ مادَّةُ الغِنَاءِ فيْهِ ، قَولَهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

أَندُونِيْسْيَا بَلَدٌ تَرَعْرَعَ عَقَائِدِيَّاً، تَحتَ رِعَايَةِ الخَطِّ الوَهَابِيّ، قُبَيْلَ أَنْ يَشْهَدَ ثَوْرَتَهُ الصِّنَاعِيَّةِ، فِي أَواخِرِ القَرنِ الماضِيْ. و حتّْى يَكونَ القُرآنُ فَاقِداً، لِجَوْهَرِ حيَوِيَّتِهِ و فَاعِليَّتِهِ، ابتَكَرَ أَصْحَابُ الأَفكَارِ الشَّيْطَانِيَّةِ، أُسْلُوبَ جَعلِ القُرآنِ الكَريْمِ، مُجَرَّدَ تَرانِيْمَ مُوسِيقِيَّةٍ.

هَلّْ يَنتَبِهُ المُسلِمُونَ الآنْ، إِلى حَجْمِ عَمَلِيَّةِ هَذا التَّشْويْه؟.

هَذِهِ العَمَلِيَّةُ، تَستَهْدِفُ القُرآنَ الكَريْمَ، أَوّلَ الثِقْلَيّْنِ فِي العَقيْدَةِ الإِسْلامِيَّةِ، بَعدَمَا فَشِلَ أَعدَاءُ الإِسْلامِ، باسْتِهْدَافِ ثَانِيْ الثِقْلَيّْنِ، عِتْرَةِ الرَّسولِ (ص) مِن أَهْلِ البَيّْتِ(ع). بِتَحْجِيْمِ دَوْرِهِمْ، بِشَتّْى صُوَرِ الافْتِرَاءِ و التَّزيّيْفِ، لِتَنْفِيْرِ النَّاسِ مِنْهُمْ، وَ مَنْعِ تَأَثُرِهِمْ بِمَنْهَجِ أَهْلِ البَيّْتِ(ع). و لكِنْ كُلَّ تِلكَ المُحَاولاتِ البَائِسَةِ بَاءَتْ بالفَشَل.

فَهَلّْ يُدْرِكُ المُسلِمُونَ المُؤْمِنُونَ، حَجْمَ الخَطَرِ المُحْدِقِ بِعَقِيْدَتِهِمْ أَمّْ لَاْ.؟.
رابِطُ الحَفلِ السِمفُونِيّ المَذْكُور هُوَ:
.youtube.com/watch?v=pVz7SW5556Uhttps
*[email protected]