23 ديسمبر، 2024 1:30 م

هَسيس اليَمام رواية للكاتب العراقي سعد سعيد هَسيس اليَمام رواية للكاتب العراقي سعد سعيد

هَسيس اليَمام رواية للكاتب العراقي سعد سعيد هَسيس اليَمام رواية للكاتب العراقي سعد سعيد

تهشيم رتابة الحكي في حميمية البوح الانثوي المقموع
منشورات ضفاف /الطبعة الاولى 2015
الكتابة الروائية المعاصرة بعد كل التجارب الاسلوبية التي عَرَفتها ،تأتي في اطار مغامرة فنية محضة،يخوضها الكاتب في مسار الخروج من اسر المحددات المستهلكة،والتي تحد من حريته وهو يتصدى للموضوعات التي يتناولها ــ فنيا ً ــ في خطابه السردي سواء في تشكيل المتن أو المبنى الحكائي .

الروائي سعد سعيد في عمله الاخير المعنون (هسيس اليمام ) كان مندفعا بكل ادواته الفنية باتجاه الخروج من بوتقة الطمأنينة التي عادة ما يغلف بها عديد الكتاب عملهم لأجل ان يتحاشوا الاصطدام بالثوابت والمعايير الاجتماعية والدينة والاخلاقية،فكان مشدودا بقوة الى قارىء جرىء يكتب معه ولايتلقى مايقرأه منه،ليخرج به ومعه الى افق واسع لطرح اسئلة جريئة في موضوعة الجنس التي تثير الكثير من الحرج والحساسية والاستفزاز لدى الاوساط السلطوية(الدينية والسياسيةوالاجتماعية)،فالتناول لهذه الموضوعة جاء في اطارها الحسي والاجتماعي والاخلاقي والانساني،دون ان يضع في اعتباره التوجس والتحسس والتردد وهو يجتاز حدود الخطيئة التي تضعها القيم والثوابت المجتمعية أمام المبدع .

سعد سعيد في عمله الروائي الجديد يضعنا أمام مسؤولية الكاتب الجوهرية في أن يكون معارضا لعصره وليس مهادنا ومتواطئا ومجاملا ً ،فالكتابة

لاقيمة لها إنْ لم تولد من هاجس التمرد الذي يولد مع الكاتب،بهذا الصدد يكتب الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا :”إن الكاتب الكبير مخلوق شره ،مخرّب آثار يضع في جرابه كل مايمكن أن يصل إليه ،يستعمل جميع الوسائل ،يتناول ويدخل ويعيد تركيب كل انواع المواد في جمع أو بناء إبداعه الخاص ،يمكن لكل شيء على الاطلاق أن يمارس تأثيرا عليه ..”.

الرواية ومن وحي هذا المفهوم الذي انطلق منه سعد سعيد وهو يبني عالمه السردي الحافل بالنساء،كانت ارهاصا وتأملا وكشفا ونقضا لأزمنة وحيوات نسائية،يتأرجح حضورها في منطقة فنية يتداخل فيها الواقعي والخيالي الى الحد الذي لايمكن تمييز الحدود بينهما.إلاّ أن كثافة الظلال الواقعية كانت من السخونة الى الحد الذي فرضت صورة المناخ العام لمدينة بغداد الذي أطّر الزمن الانساني الذي تحركت فيه الشخصيات .

الجنس لغة مقموعة

يشكل الجنس في حياة نساء الرواية قضية محورية،الجنس بكليته،بمعناه المطلق الشمولي(الغريزي والعاطفي والاجتماعي)ويترك اثره عميقا في حياة ومسار الشخصيات.

نحن هنا نواجه نساء لايحملن ملامح خاصة متفردة ومتمردة لاجل التمرد،هنَّ نساء كبقية النساء الشرقيات ينتمين الى بيئتهن العراقية ويتحملن اوزارها واعبائها ليصبحن بالتالي ضحايا،تتبلورفي داخلهن بذرة الانتقام والتمرد لاجل الاحساس بالذات الانثوية التي تم سحقها شيئا فشييئا في مجتمع ذكوري.

الجنس يبقى بالنسبة لهن تعبيراً عن حضور الانثى المغيّبة في سلوك الرجل (الزوج والعشيق والصديق والأخ والأب ) فكل هؤلاء يمارسون دور القامع للأنثى دون شعور بفداحة مايرتكبونه من سحق وتدمير لمشاعرها وعواطفها وغريزتها .

هيفاء :”نستهلك حياتنا ونحن نحاول أن نفهم هذا الامر الغامض الذي يسمى الجنس،وحين نقترب من فهمه ونبدأ بالتعرف على ملذاته الحقيقية ،يكون شركاؤنا قد قاربوا أوان النضوب،فما هي إلا سنوات قليلة من جنّة الفراش حتى يتقاعدوا فنبقى نحن نعاني حتى تنطفىء جذواتنا اضطراريا ” .

هديل إمرأة صيدلانيةاحتاجت الكثير من الوقت حتى تتعرف على احتياجاتها الجنسية كأنثى،وكانت بحاجة شديدة الى الاعتراف لكنها لم تستطع،فشكل لها هذا العجز عذابا شديدا :”هذا يعذبني وكأن عذابي الآخر لايكفيني،عذاب روحي الذي أصلاني ناراً مازالت آثارها تكوي نفسي ” .لذا اختارت أن تكتب مذكراتها لأنها وجدت فيها افضل وسيلة للبوح الى الموت،الذي تعتبره صديقا امينا ومن السهولة التعامل معه على عكس الحياة إذ تبدو غريبة المزاج ـــ رغم انها لاتخطط للموت ومازالت تطمع بمتع الحياة ــ متجاوزة بذلك جميع البشر.فالموت من وجهة نظرها لن يحكم عليها مثلما هُم البشر ماأنْ يقرأوا مذكراتها،والمهم بالنسبة لها ان يطلعوا على مذكراتها بعد موتها،حينها ستكون في راحة تامة،لانها ستكون مع الموت بعد أن تعذبت كثيرا في الحياة ولم تصل الى جواب يشعرها بالارتياح على سؤال ظل يؤرقها :”هل كان عذابي ظلما ..أم اني أستحقه “. لذا تقرر أن تبوح بأسرار تجاربها الحميمة للموت بعد أن يأست من البشر لأنها وجدتهم بلا عقل ولا روح.

عتبة العنوان والاهداء

من هنا يأتي عنوان الرواية(هَسيسُ اليَمام) دقيقا ومكثفا في اثارة احتمالات التفسيرلدى القارىء،وليعكس انسجام دلالة المفردتين ــ الهسيس واليمام ــ مقاربة لغوية تحمل طاقتها السردية للكشف عن قضية الصوت الانثوي المقموع .

الكاتب سعيد يفصح ومن الصفحات الاولى عن مساندة وتعاطف شديدين مع المرأة،ابتدأً من عتبة الاهداء التي قدمها للقارىء قبل الدخول الى عالم الرواية: “إلى المرأة حصراً..لأنها النصف الأحلى من الأنسان.”.. ثم يعقبها في الصفحة التي تليها بجملة أخرى أكثر حدة وبلاغة في التعبير عما يحمله في ذخيرته من عدة فكرية دفاعا عن المرأة:”أيها الحمقى..تلومون الخراف التي ضلّت..وتنسون الراعي !”.

لعلنا نستطيع القول بأن هذا العمل قد جاء وكأنه مرافعة دفاع عنها،اتسمت بلغة شديدة اللهجة والقسوة ضد مجتمع يفتقد الى الانصاف والعدالة والنظرة السوية في التعامل معها،إلاّ أنّ هذه المرافعة خلت تماما من المباشرة في التناول والطرح والتقييم والنقد،بل جاءت شفافة منسابة وفق بنية سردية

اكتسبت آليات حضورها من عالم الفن الروائي ،اشتغل فيها المؤلف على تهشيم رتابة الحكي والزمن،مستجيبا بذلك لسياق منظومة التقنيات التي تنطلق منها وإليها الكتابة الروائية التي لاتكف عن مساءلة نفسها قبل مساءلة عملية التماهي والتعاشق التي تتوفر بين اجناس ادبية متنوعة ومختلفة داخل بنية السرد الروائي .

هديل:” لوفعلتُ نفس الاشياء التي فعلتُها وأنا رجل لما كان هذا حالي..بل لعلني كنتُ الآن في خير حال ” .

سلطة البوح

في مذكراتها تسرد هديل للموت اشياءها العميقة بعيدا عن النفاق الذي تعوّد البشر عليه في اعترافات بعضهم إلى البعض الآخر”تعودنا أن نقول كل ما من شأنه أن يخفي حقيقتنا عن أعين الآخرين “..البوح بالنسبة لها ماكان سوى اعتراف،دون أن تقصد منه ادانة احدٍ مِن اولئك الذين مروا في حياتها،إنما تسعى من ورائه للوصول الى السلام الداخلي الذي افتقدته ماأنْ بلغت العاشرة من عمرها:”عندما بدأتْ تلك الكتلة الخطيرة بالتكور في صدري..انتبهتُ اليها وتعوّدت أنْ الامسها كلما اقتنصت خلوة لنفسي “. حتى جاءت اللحظة وهي في عمر التاسعة من عمرها عندما ضَبَطَتْ فيها أمَّها وأبوها صدفة وهما يستعدان لفعل ـــ الفاحشة ــ التي يخشيان عليها منها.فكانت بمثابة صدمة كبيرة لها في الوعي وفي القيم الاخلاقية التي تربّت عليها من والديها وخدشت صورة الوالد التي تعتز وتحتفظ بها بعد أن كان النقطة المضيئة في حياتها :”اكتشفتُ فجأة انني بنت اسوأ الناس..بكيتُ ليلتها كثيرا وانا افكر بصديقاتي، كيف سأواجههن في الغد وأنا محملة بهذا السر الفضيع”؟.من بعد تلك اللحظة رافقتها حيرة شديدة لمعرفة عالم شديد الغموض كان تعتقد بأن الرجل يخفيه بين فخذيه عندما يرتدي ملابسه،كانت تسعى بكل ماتستطيع لأن تكشف سر قطعة اللحم المنتصبة بين فخذي الرجل،ولم يكبح جماح هذه الرغبة قرار ارتداء الحجاب الذي قررت ان ترتديه تكفيرا عن ذنبها بعد أن ضبطتها والدتها نائمة مع شقيقها الصغيرشبه عارية بعد ان اقنعته بأن يلعبا لعبة(بيت بيت)التي عادة مايمارسها الصغار،في محاولة منها لاكتشاف تلك القطعة من اللحم التي رأتها بين فخذي والدها منتصبة بشكل افقي في تلك الليلة.

هديل لم تعرف الجنس في تجاربها العاطفية قبل الزواج ابدا وظلت التجربة بكل تفاصيلها خافية تماما عليها حتى زميلها الذي أحبته في الكلية حبا عذريا عندما كانت تحلم به كانت تفعل معه كل شيء إلا الجنس الحقيقي لأنها لم تكن تعرف كيفية ممارسته.إلى الحد الذي كانت مرتبكة المشاعر عندما احتواها خطيبها عواد في لحظة اختلاء قبل زواجهما فلم تبذل جهدا في المقاومة وهو يحتويها بين ذراعيه :”شوَّشت تلك الصلابة التي تَحتَكُّ بأسفل بطني،تفكيري ..أهو ذلك الشيء..وما قد تكون غيره..هل كنتُ مستثارة ؟ هل هاجَني الشبق”؟

طرق الأبواب المقفلة

خطاب الرواية يتصدى بجرأة وهو يتناول العلاقات الجنسية دون ان يكون لدى المؤلف حذر أو حساسية من تناول جوانب خفية من صورهذه العلاقات في بنية مجتمعية شرقية تتفنن في قمع الرغبات الانسانية الطبيعية حتى في اطار معرفتها واكتشافها،فكيف الحال عندما يتعلق الامر بالرغبة الحقيقية بالممارسة.

توغل المؤلف عميقا في كشف الهواجس الانسانية حتى في اطار ماهو محرم اجتماعيا،فشخصية سهاد كانت نموذجا للمرأة المِثلية الجنس التي كانت تجد نفسها في حالة من المصارحة والمصالحة مع نفسها وهي تعيش مشاعرها ورغباتها المِثلية وتعرضها على صديقتها هيفاء التي كانت تعيش حرمانا جنسيا متعمدا من قبل زوجها.

سهاد:”اسمعيني فقط الآن..لقد فقدتُ شريكتي مؤخرا..خانتني فطردتها ..كنت أحبها كثيرا وطبعا أغار عليها،ولكنها لم تفهم ذلك،أنا ياهيفاء مخلصة لأحبتي،فإن وافقتِ سأعاملك كحبيبة،واخليج بعيوني “.

الشذوذ هنا في رؤية الكاتب سعد سعيد يأتي باعتباره اقصى حالة تحدٍ للذات الانسانيةازاء ثوابت المجتمع القيمية بكل اعرافه ومورثاته،فلم يأخذ حضوره من معناه الاخلاقي بقدر ماجاء اشارة الى بعده الانساني باعتباره احساسا معادلا للأحباط والقمع الذي تعاني منه الشخصية،فكان الشذوذ محاولة منها للأحساس بالخروج من الهيمنة الذكورية التي ترسم وبقسوة العلاقة مع المرأة وفق منطق عبودي استغلالي لاتتوفر فيه حالة من التسامي والتصالح والتوافق النفسي والعاطفي والجنسي بقدر معقول من

التكافىء.وهذا ما كانت عليه شخصية سهاد التي تكشف في ردّها على سؤال توجهه اليها صديقتها سلمى لمعرفة الدوافع التي جعلتها تذهب في تجربة الشذوذ .

سهاد :”لقد رفضتُ الرجال،ولكنني لن اتجاوز حاجتي إلى الجنس بسهولة ،فكان خياري هذا،ولم أتجاوز تلك الحاجة وهي حق لي ؟ “.

تفرض القيم والعادات الاجتماعية القبلية والطائفية ثقلها في تحديد مصائر الشخصيات،فماهو حلال يصبح حراما وفق هذه الاعراف والعكس صحيح كما في رفض شخصية رعد زوج هديل القبول بالجنين الذي تشكَّل نتيجة اصراره على الدخول بهديل قبل ليلة الزفاف،متسلحا بمنطق العُرف والعادات التي ترفض الاعتراف بشرعية الجنين قبل ليلة العرس!.لذا يتم اسقاطه رغما عنها وهي محاصرة بنظرات الاحتقار من قبل والدة زوجها وكأنها هي التي افتضت بكارة الابن .

بنية السرد الحكائي

يتناوب مسؤولية سرد المتن الحكائي إثنان :المؤلف العالم بكل شي بصيغة ضمير الغائب،وشخصية هديل/بصيغة ضمير المتكلم،من خلال المذكرات التي تكتبها وتتوجه بها الى الموت.

كلا الساردين ــ الذاتي والموضوعي ــ يمارسان دورهما التقني في لعبة كشف الماضي المتداخل بين الشخصيات كل حسب وجهة نظره ،وإنْ بدا الماضي الذي يتم تقليب صفحاته دون تسلسل،وكأنْ مامن علاقة وثيقة تجمع تفاصيله وشخوصه،لكنه يتكشَّف لنا شيئا فشيئا على انه تاريخ مشترك يرتبط بخيوط خفية تلعب دورا كبيرا في حياة الشخصيات دون أن تعلم بذلك .

فالتعامل مع الاحداث المستعادة إذن لايتم وفقا لتسلسها الزمني بقدر ما يتم تقديم وتأخير بعضها على البعض الآخر،فالمهم بالنسبة لهديل هو البوح بكل شيء دون أن اخفاء اية تفاصيل حتى التي لايمكن للأعراف أن تتسامح معها .

وفي اطار المنحى الفني الذي يأتي متوافقا مع البوح بكل مايمحله من اسرار وخفايا محذورة وصادمة استثمر المؤلف وحدات اسلوبية متنوعة في بناء

المتن الحكائي(المذكرات،دردشات الفيس بوك،الاستذكار) فكانت هذه المفردات وحدات بنائية اساسية ارتكزعليها السرد الحكائي .

عالم النساء بأسراره العاطفية والرغبات الجنسية الحميمة كان المحور الاساس الذي دار حوله المتن الحكائي للرواية،فاقترب المؤلف كثيرا من ماهو مخفي ومستور خلف مظاهر العلاقات الاجتماعية وفكك مغاليقه وعقده الدفينة التي اصابت شخصياته بالتمرد والثورة والشذوذ بعد أن كبح تطلعاتها الانسانية في عيش التجربة الجنسية في لحظتها التي تمنح المرأة كينونتها الانسانية دون ان تبتذلها الى مجرد وعاء لتفريغ الغريزة.على سبيل المثال شخصية فاتن العراقية القادمة من اميركا الى بغداد لتلتقي بهمام الذي عرفته من خلال الفيس بوك ،فمع اول لقاء يجمعهما تكتمل التجربة الجنسية بينهما في بيت خالتها العجوز.وشخصية هديل التي كانت تعيش قلق التعرف على هذا العالم الخفي اصبحت بعد تجربة زواجها من رعد الذي لم تكن تحلم به وفُرض عليها دون رغبة منها تعيش تجارب جنسية عنيفة خارج اطار العلاقة الزوجية مع اكثر من رجل، ووجدت في تلك التجارب التي لم تخطط لدخولها اشباعا حسيا وعاطفيا لم تحظى به في حياتها الزوجية،رغم أن جميع الرجال الذين عرفتهم ــ اصدقاء لزوجها أو ازواج لصديقاتها ـــ كانوا ينظرون اليها باعتبارها فريسة ينبغي صيدها والتهامها،وكانت هي الاخرى تقاوم للوهلة الاولى لكنها تنساق وتذوب في حمى التجربة بكل غريزتها وشهوتها الى اقصى حدود المتعة واللذة والقفز على كل الحدود الصارمة التي يضعها المجتمع امام المرأة المتزوجة .

هديل :”هكذا ترى ياموت أن الرجال الثلاثة الذين عرفتهم قد بدؤوا علاقاتهم معي بالاغتصاب ،حتى انني وافقت على الاستمرار معهم، الاول لأنه زوجي..(كوادي )طبعا..والآخران لأنهما حققا لي اللذة التي كنت افتقدها ،ولكن ذلك لم يكن في حسباني لولا انهما عبرا بي محنة التجربة الاولى بالاغتصاب،فالخطوة الاولى هي الأصعب دوما ومايحدث بعدها مجرد تحصيل حاصل”.

نساء هذه الرواية يصل بهن تطرفهن الى حد كبير وكأننا أمام عالم متخيل اكثر مما هو عالم واقعي ،لكنه عالم شديد الواقعية بمايحمِلنه من عواطف ورغبات ،ولديهن الاستعداد للذهاب الى اقصى الحدود للوصول الى مايرغبن او مايحققن به وجودهن وكيانهن الانساني بعيدا عن الاستغلال

الذكوري لهن ،فشخصية عذراء لن تترد في ان تهجر زوجها وتغادر البيت الى الابد في ساعات متأخرة من الليل بعدأن اتضح لها خطة زوجها الديوث عندما تركها لوحدها مع شخص غريب ينوي ان يحقق من خلاله صفقة تجارية كبيرة ويصل بها موقفها هذا الى ان تهاجر مع اهلها خارج العراق فقط للخلاص من هذه العلاقة الزوجية .وشخصية هديل لديها كل الاستعداد ان تمنح حبيبها حيّان كل مايريد فقط لو ابدى رغبته بذلك “لو اراد لمنحته كل شيء فهو ليس ككل الرجال .”

الحب وفق رؤية شخصيات الرواية حتى لو كان من طرف واحد فهذا لايشكل لهن خدشا في كرامتهن،لان الحب هنا يكتسب درجته القطعية في الحب ذاته:” في الحب لانفكر إلا بالاشباع وحاجتي لم تكن إلاّ أمرا بسيطا..مجرد قبلة..فأنا لم أطلب إلا حقي..اليست القبلة زكاة المحبة وهي استحقاق المحتاجين..انا محتاجة ياناس “.

وحتى عندما تنقلت هديل بين احضان اكثر من رجل وكلهم اصدقاء زوجها رعد الذي كان يكلفهم برعايتها عندما يسافر الى عمّان لقضاء اعماله التجارية لم تكن تنظر الى نفسها على انها تمارس دور الزانية بنفس الوقت الذي كانت تسأل نفسها :” ألستُ زانية ؟ “

محنة المرأة العراقية كأنثى تفرض حضورها القوي في هذه الرواية،فهي تبدو في نظر الرجل مجردة من كينونتها الانسانية ومن حضورها الاجتماعي والمهني والاخلاقي،هي مجرد صيد مطارد بالاغواء من الرجل ولافرق هنا بين جميع الرجال،كلهم ساعة تقع الفريسة امام اعينهم وهي وحيدة ضعيفة بحاجة الى الدعم والمساندة يبذلون كل جهدهم لمساعدتها من اجل صيدها وافتراسها فقط .

عتبة اللهجة البغدادية

لغة الحوار في كثير من المواضع انتمت في مكاشافتها الفاضحة الى البيئة المحلية بكل طبقات مفرداتها القديمة والحديثة التي تكتسب خصوصيتها من مدينة بغداد بما تختزنه اللهجة العراقية البغدادية من طاقة ساخنة متوهجة في القدرة على البوح الواضح بمكنونات الذات الانسانية من احتياجات غريزية وحسية دون ان تتعكز على التورية :

-شكد ساقط أنتَ

-ساقط أبن ساقط ،المُهِم ، اشوكت ؟

-ابكيفك ،موانته الزلمه ؟ .. هاي إذا جنت زلمه

-هههههههه ، لاياكحبه

هذا التوظيف لمفردات اللهجة الشعبية البغدادية جاء منسجما مع رؤية المؤلف في أن تكون منظومة آليات مشغله السردي تتظافر بكليتها للكشف عما تنطوي عليه الشخصيات النسائية البغدادية من عوالم عميقة تختفي فيها هواجس ورغبات انسانية مقموعة.

يمكن القول بأن الكاتب سعد سعيد ينتمي في عالمه الروائي الى جوهر المدينة العراقية وتحديدا بغداد بكل فضاءاتها المدنيّة،وهذه الخاصية تضعه في مكانة مميزة طالما افتقدها السرد الروائي والقصصي العراقي الذي ينتمي اغلب كتابه الى اصول ريفية،فكان البعد ألطبقي والاجتماعي للريف،بعلاقاته وموروثاته وظلاله الثقيلة أثره وحضوره الفني على الادب العراقي .

*الروائي سعد سعيد مواليد بغداد 1957 يحمل شهادة بكالوريوس في الادارة والاقتصاد.،اصدر عدد من الاعمال الروائي:الدومينو 2007، خلدولوجيا 2009 يا حادي العيس 2011،فيرحوالية 2012، ثلاث عشرة ليلة وليلة 2013.