18 ديسمبر، 2024 7:56 م

هيبة الدولة وكرامتها في كف عفريت

هيبة الدولة وكرامتها في كف عفريت

افرزت العملية التي وصفناها مع الكثير من الكتاب والمحللين السياسيين والعسكريين بالجريئة والتي قامت بها قوات مكافحة الارهاب الكثير من المحطات الخطيرة التي يجب ان التوقف عندها، وتحليلها بشفافية كاملة، وصراحة تامة، فمصير العراق كما يبدو يتأرجح بكف عفريت. فالوضع السياسي والصحي والاجتماعي على حافة الهاوية العميقة التي لا نهاية لها، ولا خروج منها. العراق اليوم أشبه بقارب صغير تتلاعب به الأمواج العاتية والأعاصيرالشديدة، وهو معرص للإنقلاب في اية لحظة، ومصير ركابه في خطر محدق، صحيح ان أملنا بالله كبير جدا، ولكن أملنا برئيس الحكومة ضعيف جدا، وبدأ يتلاشى كما يتلاشى الضباب بشروق الشمس، انها ساعة الحسم التي لا مناص منها، فأما الخلاص او النهاية ولا مناص.
تبين ان ابرز فصائل الحشد الشعبي (حزب الله، عصائب اهل الحق، النجباء) لا علاقة لها بالقائد العام للقوات المسلحة ولا ترتبط به الا من جهة الرواتب والتجيزات العسكرية، فهي ترتبط بالحرس الثوري الايراني، كما صرح عدد من زعمائها ، ولا يمكن لأي نائب في البرلمان أو سياسي أن يدعي بعد اليوم أن الحشد مرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، افهي كذوبة تذرعوا بها طويلا، الى أن انجلت الحقيقة في العملية الأخيرة.
اكذوبة وجود ما يسمى بالتشكيلات الإرهابية الجديدة الاربع، كعصبة الثائرين وقبضة الهدى واصحاب الكهف وسرايا الثأر للمهندس، فهي اسماء وهمية لحزب الله والنجباء وعصائب أهل الحق وكتيبة الخراساني. كان الغرض من ترويجها خلط الأوراق فقط.
ثبت بما لا يقبل الجدل إن حزب الله هو من يطلق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء والمطار، وكانت الميليشيا تكذب في بياناتها عندما تزعم انها لم تطلق الصواريخ سابقا.
ما الذي كان يتوقعه القائد العام للقوات المسلحة عندما سلم الارهابين ـ حسب تسميته ـ الى أمن الحشد الشعبي، والقاضي من الحشد، بالطبع ستكون البراءة مصيرهم، وهذا ما هو متوقع من قبل العاقل والجاهل معا.
. كيف يصدر القاضي المرتشي برائهتم لعدم كفاية الأدلة، وماذا يسمي القاضي قواعد الصواريخ المعدة للإطلاق، وعدد هائل من الأسلحة؟ هل كانت قواعد لرمي الزهور مثلا وليس الكاتيوشا؟
لماذا تم إغفال وجود قائد من الحرس الثوري في مقر حزب الله، وسبق الإعتراف بوجوده، ولماذا اغفل وجود ورشة لنصنيع الصواريخ؟ الا يعني هذا ان الكاظمي خضع لإرادة الولي الفقيه.
لماذا اضعف الكاظمي موقفه بعدم بيان الحقيقة للشعب العراقي، فقد تباينت البيانات الصادرة من عدة جهات، وكان حزب الله انشط منه اعلاميا وتمكن من تمويه الحقائق، وانتصر اعلاميا على عى ماكنة الحكومة الاعلامية التي كانت دون المستوى او بالأحرى بلا مستوى. كان من المفروض ان يعقد الكاظمي أو الناطق بإسمه مؤتمرا صحفيا على الفور، يكشف فيه الحقائق لينال ثقة الشعب ويبارك خطوته، وان لا تترك الأمور على عوانيها كل يفصلها حسب قياسه.
ما هوموقف القائد العام للقوات المسلحة من المجرمين الذي داسوا بأحذيتهم على صور قائدهم وأحرقوها؟ وهل مثل هؤلاء فعلا يخضعون لإمرة القائد العام للقوات المسلحة؟ وهل سبق لأي رئيس حكومة في تأريخ العراق أن تعرض الى مثل هذه الإهانة؟
اليست إهانة الإرهابين للكاظمي هي إمتداد للإهانات التي وجهت للقائد العام من قبل زعماء الحشد، إهانات بليغة تجعل العاهرة تعرق من الخجل.
الم تثبت هذه العملية التي تميزت في البداية بالجرأة والجسارة، وانتهت بالفضيحة المدوية ان الحشد او الدولة العميقة أقوى من حكومة الكاظمي؟ وهذا يعني ان الولي الفقيه ما يزال مسيطر على مقدرات العراق كافة، وليس الولايات المتحدة كما يظن البعض او يروج له من شيعة السلطة.
لو كان الإرهابيون من أهل السنة، هل كان القاضي يبرأهم لعدم كفاية الأدلة؟ وهل تتم المحاكمة بسرية تامة لا أحد يعرف حقيقة ما جرى فيها، ولا يتسرب عنها أي شيء؟ الا يعني هذا ان زعماء أهل السنة ضعفاء، وان من يحكم العراق هم الشيعة والأكراد فقط. أي عار لحق بزعماء أهل السنة!!!
كيف تم الافراج عن الارهابيين خلال إستجواب لم يزد عن يومين، في حين الآلاف من السجناء ينتظروا البت في قضاياهم منذ عدة سنين، والبعض الآخر إنهى محكوميته لكن وزارة الداخلية ترفض إطلاق سراحهم لغاية في قلب يعقوب، لعن الله القضاء العراقي عما ارتكبه من ظلم بحق الأبرياء، اين هم من إنتقام الله تعالى! الا يعلموا انه لا حجاب بين دعاء المظلوم وربٌ العالمين.
بعد هذه الإهانة الساحقة لرئيس الوزراء، هل سيدفع الرواتب لعناصر الحشد؟ هل سيعتبرهم جنود يخضعون لإمرته أم متمردين على الأوامر العسكرية ويخضعهم الى قانون العقوبات العسكري كما يفترض؟ هل سيبقى قاضي الحشد (قره قوش القضاء) في موقعه بعد هذه المهزلة القضائية؟
ما هو موقف مرجعية النجف مما جرى، طالما ان الحشد أسس بفتوى من المرجع علي السيستاني، هل هذا ما هدفت اليه بجعل الدولة العميقة هي التي تدير الدولة؟ وان كان الجواب لا، فلماذا كل هذا الصمت المطبق؟ وهي التي تدس أنفها الطويل في كل صغيرة وكبيرة في الشأن العراقي، رغم انها لا تمت بصلة الى العراق.
هذا هو ثمن بدلة الحشد الشعبي التي البسوها الكاظمي في مقرهم سيء الصيت، ونزعوا عنه كرامته ورجولته، كما يقول المثل العراقي (اللي ما يعرف تدابيره حنطته نأكل شعيره).
هل بهذه الطريقة سيحقق الكاظمي وعده بسحب السلاح المنفلت من الشارع، وهل فعلا سيتمكن من تحقيق مطالب المتظاهرين؟ اقول كنا مع عبد المهدي بخيبة، وصرنا مع الكاظمي بخيبتين.
هل يعلم الكاظمي انه ضيع فرصة ذهبية وقد لا تعوض، لو انه لم يتراجع عن موقفه، كما ضيعها قبله الدحداح حيدر العبادي عندما وعد بضرب الفاسدين بقبضة من حديد، فوجهوا له الفاسدون ضربة من حديد أفقدته صوابه؟ لقد وضع الكاظمي نفسه مع عبد الوهاب الساعدي وقيادة وقوات قوات مكافحة الارهاب في موقف لا يحسدون عليه، بدلا من تكريمهم من قبله عرضهم الى السخرية وأفشل عمليتهم الجريئة، وكانت النتيجة كأنك يا بو زيد ما غزيت، بل تعرض ابو زيد الى الإهانة جراء غزوته.
هذه الفاجعة فيها درس بليغ للثوار العراقيين، ان من لا يقدر على تأديب ومحاسبة ميليشيا إرهابية لا يمكنه أن يحقق أي من مطالبكم، (الميه تكذب الغطاس) كما يقول المثل العراقي، فالإستمرار بالثورة ورفض كل من ولِد من رحم البغي (العملية السياسية) لا يمكن الوثوق يه مهما نتبجح بوعوده وعهودة، كلكم تدركون ان الميليشيات الولائية هي من قتلت واختطفت واغتالت اخوانكم الثوار، وكتائب حزب الله واحد منها، وقد لاحظتم كيف خضغ الكاظمي لإرادتها، بشكل مهين.
اي تهدئة من قبل الكاظمي او ردٌ فعل بعيد المدى او غير فعال، يعني إفساح المجال للميليشيات الإرهابية بالمزيد من التوسع والنشاط في عملياتها الارهابية، واستمرار قصف منطقة السفارات، اي ان الحكومة العراقية بتعبير واضح عاجزة عن تنفيذ ما تعهدت به خلال الجولة الأولى من المفاوضات مع الادارة الامريكية بشأن حماية السفارات ومنها الامريكية.
كيف تمكن الإرهابيين من عناصر الميليشيات الدخول الى قلعة المنطقة الخضراء، وهذه للمرة الثانية، ولماذا لم يعالج هذا الخطأ،وكيف يكون آمر حماية المنطقة الخضراء من منتسبي الحشد الشعبي.
المعادلة هي: جنود يعودون الى هيئة يقوجها القائد العام للقوات المسلحو، ويرتدون بدلة عسكرية من اموال الدولة، ويحملون سلاج جهزتهم به الحكومة، ويركبون عجلات حكومية، ويدخلون منطقة محصمة، ويتحدون جهاز حكومي ويحتكون له (ججهازمكافحة الارهاب)، ويحدثون ضجة تهدد امن المواطن ويثيرون هلعه، ويتحدون منع التجول بالتجوال في سيارات الحكومة، ومع كل هذا الإستهتار يخرجون بسلام وبدون حساب!!! هذا هو عراق اليوم، وأسفاه.
كلمة أخيرة للكاظمي: ربما بقي بعض العرق في جبهتك، فأمامك طريقين لا ثالث لهما، اما ان تمسح غبار الذل والعار عن نفسك، وتثأر لكرامتك، بعملية جريئة على هؤلاء الأوغاد، بكبيرهم وصغيرهم وقاضيهم وتجردهم من اسلحتهم وتعرضهم لقضاء عادل، وتكسب ود الشعب العراقي، فيقفون معك، وهم قوة كبيرة لا يستهان بها، او ان تقدم استقالتك بشرف وتصارح الشعب العراقي ان لا قدرة لك على المواجهة مع الميليشيات الولائية، وتنسحب من المشهد السياسي تماما، وتترك الشعب ليتدبر أمره مع هؤلاء الإرهابيين.
ان عزمت على أي من الطريقين فتوكل، اما البقاء بقوة فيذكرك التأريخ كرجل دولة حقيقي، او الإنسحاب بضعف فتكون في مزبلة التأريخ، ولك الخيار، ولكن لا تنسى ابدا ان الشعب العراقي مازال فتيا وقويا، ويمكنه ان ينصرك، ان طلبت منه ان يعاضدك ويشد من عزمك.