22 ديسمبر، 2024 8:06 م

ليس مهما ان تكون الاخلاق بالهمزة ام بالقاف ، المهم ان نمتلكها ..هذا ما قالته معلمة الاولاد في مسرحية مدرسة المشاغبين حين تمكنت بعد جهد عظيم من ترميم الخراب الذي اصاب تعليمهم وتربيتهم …وبهذا ابدأ فاقول ليس مهما ان تكون همزة الهيئة على الكرسي ام على الالف المهم جدا ان نجعل النزاهة حاضرة وتتحرك مع كل خطوة في زمان المجتمع ومكانه ، العراقيون كلهم بلا استثناء متابعون لما يجري في مكاتب تنظيم وادارة حياتهم ، يرصدون ويستفهمون وينتقدون و يحملون الاسى ويزفرون الحسرات واللوعة حين يعلنون في ملتقياتهم وحتى مع انفسهم حجم الهدر الضائع والمبدد من الاموال التي بامكانها انقاذهم ، ومصدر معلوماتهم لا يحتاج الكثير من الفطنة لاثبات صحته، فصورة الخراب في الشارع ، والخراب هذا يتسيد لوثة النفوس …اذ يظهر في السلوك والذوق وحتى في المنجز الابداعي والجمالي .
وهي لا تستثني شيئا تضرب معاول الخراب جدران هيئة النزاهة فيسقط حجرا في هذا الجانب وربما يتصدع جزء من جانب اخر ،لكن اساساتها تقاوم بعنت رغم زحف النزيز فلا تستسلم للسقوط … فرجاء الناس ممزوج بمادة بناءها يشرئب بعد كل كبوة ، يحفزها على انجاز يبعث املا ويحرك راكدا ،
مادتها في القانون الاساس للدولة تؤشر بوضوح على استقلاليتها فهي لا تخضع في اجراءات عملها لاي سلطة الا السلطة التي منحتها الوجود “سلطة الشعب” وخولتها المراقبة والتشخيص والمساهمة في تعديل المسارات والحد من الانحرافات والتجاوزات وتمنع وتواجه الاعتداء على اموال الشعب لضمان المسقبل لاجيال يجب ان تعيش في سلام ورفاه …
النزاهة …..ياللامل المعقود في النفوس وهي ترجوها ان تحضر ان تدخل الدهاليز والزوايا تضيء وتفتح النوافذ وتكشف وتجعل العيون ترى والاذهان تفهم كي تتحرك الاجساد ضمن طوابير الانتاج والعطاء ليعطي الكل للكل وينشا الحب وتتعاضد الافئدة …
خمسة عشر عاما مرت على مسيرتها ، مسيرة واكبت منحنيات قياس متشابكة تهبط اكثر مما تعلو في مجالات الامن والخدمات والسياسة بصراعاتها الداخلية والاقليمية والدولية .وواكبت ايضا التبدل والتغيير في امزجة الناس واختلاف رؤاهم ومستويات ثقافتهم واذواقهم ..والاهم انها عايشت اساليب ودعاية مراكز القوى في التاثير على المجتمع لزيادة مساحة قاعدة الرضا الشعبي لوجودها في السلطة عبر بوابات الاختيار المثبتة في الدستور .
دون كل المؤسسات المدنية المشرعة بتفويض من الشعب تبدو هيئة النزاهة وكانها قاعدة انطلاق الامل في الخلاص ،ذلك الامل البعيد او الذي يبدو بعيدا الان بسبب حدة التناقضات والتباينات في اتجاهات الارادات المتصارعة والتي تصل حد العنف المؤدي الى خسارات كارثية …ولكن كيف لهيئة وسط كل هذا الاشتباك الحتمي والواقعي والموضوعي ان تكون قاعدة انطلاق الامل ؟ ولماذا ؟ ومتى؟
سنرد على استفهام “متى” : بان الهيئة كانت قد بدأت فعلا بعد ان تمكن المشرع المفوض من قبل الشعب اصدار قانونها الذي حدد مهامها وطريقة عملها وبين اهدافها بوضوع ووضع لها تميزا وفرادة في استقلال قرارها بعيدا عن اي سلطة …خطوة كانت بالاتجاه الصحيح ..هل كانت الهيئة مستقلة؟! قانون استقلالها مدعم بالدستور المادة 102 فيه تقول ذلك ..انا كمتابع ومواطن تهمه النزاهة لا اظن ذلك …لم تحظ هيئة النزاهة بالاستقلال هذه حقيقة يجب اقرارها والتسليم بها ليتسنى للمجتمع المدنى الضغط لتحقيقها ..كيف؟؟؟ الاجابة على استفهام “كيف” غاية في البساطة هي “فك ارتباطها بالحكومة” ! ولكن هل ان هيئة النزاهة مرتبطة بالحكومة ؟ لا الدستور ولا القانون ولا وعينا العادي يؤكد ذلك …لكن الهيئة من الناحية العملية مرتبطة بالحكومة وتحديدا في رئيسها ذلك لان مسؤول الهيئة صاحب كل الصلاحيات المضمنة في قانونها وكيلا وليس اصيلا وهذا يعني ان التكليف بقيادتها وابعاده ياتي من قبل رئيس الحكومة … حسن اذن بهذه الحالة ستكون الهيئة المستقلة خاضعة هي الاخرى لمبدا التقسيم الموازن لخارطة النشاط السياسي المؤدلج دائما واكيدا لضمان مساحة محددة في مجال السلطة المحددة وفق السياق القانونوني وذاك اللاقانوني ، وهذا يعني ايضا الصلاحيات الممنوحة وفق القانون الى رئيس الهيئة تقسم هي الاخرى نحو الادنى بنفس الطريقة ..اين الاستقلالية بعد هذا ؟ هل حدث هذا خلال خمسة عشرة عاما …؟
هنا يدور في ذهني سؤال عن جهاز رقابي كبير جدا ولا يقل اهمية عن هيئة النزاهة …هل الظروف المحيطة بعمل ديوان الرقابة المالية الاتحادي نفس الظروف ،؟ هذا الديوان بكليته اداة حكومية تنفيذية ورئيسه يحضر بكثرة جلسات مجلس الحكومة وطريقة عمله واسلوبه لا تحتاج الا الى قوالب حسابية متخصصة وفق برامج علمية وبادوات تقنية وفنية تواكب حركة النشاط الادائي لكمية الاموال المتحركة ضمن الموازنة …هناك اختلاف اذن ، وانا المح هنا الى الدور الامني بمفهومه البوليسي لهيئة النزاهة ..هل لهيئة النزاهة دور بوليسي؟ او بمعنى اخر ضمن المفهوم البوليسي داخل المنظومة الثقافية الاجتماعية السائدة “الخوف من”، القانون يستبعد ذلك لكن الثقافة تقول “نعم ” ، لا بل ان الواقع يفرض هذا المعنى اذ يجعل السياسي يرى في الهيئة اداة تحرك جيدة يجب السعي نحوها اما من خلال الاستحواذ او الاحتواء او التعطيل ..اي تحويلها الى حلبة صراع سياسي لا يستكين او يهدأ تناقضها الا “بالتوافق” ولكن التوافق على ماذا ؟ هذه طامة الطمات !!!
ما دعاني الى الاشارة المركزة على مبدأ استقلال الهيئة هو الظرف الموضوعي الذي تمر به الهيئة الان وتحديدا في الاشهر الستة الماضية اي منذ انتهاء اخر تكليف حكومي تزامن مع نهاية ولاية الحكومة السابقة ، وانشغال المجتمع كل المجتمع بتشكيل حكومة جديدة ما جعل قانون هيئة النزاهة يتحرك تلقائيا ليضع رئيسا من داخلها “المادة التاسعة ثالثا ” لاحظ قدرة القانون .. ولاحظ ايضا ان الرئيس هنا “النائب ” اصبح رئيسا دون ارادة سياسية مخطط لها مسبقا وانه كذلك اصيلا وفي موقعه منذ عشرة اعوام وحتى لا اكون مبالغا فيما ارمي اليه ارجو مراجعة الموقع الالكتروني الرسمي على شبكة الانترنيت للهيئة لتلاحظ التغير الذي حدث ويحدث في الهيئة من ناحية قوة استحضار القانون في تخطيط اسس العمل والذهاب الى الاهداف عبر ممرات المهنية وفي كافة الاختصاصات ..وفي معاينة دقيقة للبيان الذي صدر معلنا تشكيل المجلس المشترك لمكافحة الفساد سنجد بل نتاكد الدور الكبير الذي تضطلع به الهيئة من ناحية قيادتها لملف مكافحة الفساد ..اذ يؤشر هذا البيان بوضوح الى مهمته “التنسيقية” بين الاجهزة الرقابية وفق مساحات تحركها لا بل ان البيان يركز على التسيق بين هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية الاتحادي بطريقة لافتة وذات مدلولات فنية وقانونية وكانه يلغي او يحاول ان ان يلغي الصفة السياسية رغم اهميتها هنا كارادة عمل جادة بهذا الاتجاه .
لم تكتمل حلقات الاستقرار الامني اليوم رغم حجم التضحيات التي قدمت واهوال البشاعة التي رافقت المواجهة ، لكن موقعنا في مسافة التقدم واضحة ، وندركها بيقين ونتطلع الى النهايات .
في حلبة الصراع والمواجهة مع الفساد ، الامر مختلف كثيرا ..ومعقد اكثر فقاعدة الانطلاق هنا مدورة تتجه مساراتها صوب كل شيء وكل روح …تستمد طاقاتها من كل الرجاءات …
هل ندخل في حيز الخيال واللامعقول اذا حقق الشعب العراقي امكانية ارساء قاعدة انطلاق الاصلاح من خلال تحقيق استقلالية هيئة النزاهة وتنفيذ قانونها بقوة مصحوبا بارادة شعبية منظمة بوعي ومحمية وفق القانون …؟ اظن ان الامر غاية في الصعوبة لكنه ليس مستحيلا قط .