صار من المؤكد، إن حكومات العراق المتعاقبة، بعد سقوط المقبور صدام، حطمت كل الأرقام القياسية، في الفساد الإداري والمالي، ودخل العراق موسوعة غنيس، من أوسع أبوابها، في موضوعة الفساد، فلم نرى لحد إلأن، للحكومات السابقة وحتى الحالية، رؤية حقيقة تدل على إمتلاكها، لمشروع دولة حقيقي، فكل الأحزاب التي ساهمت، في تشكيل وبناء الحكومة العراقية، لم يتمكن أيا” منها، التقدم ببرنامج حكومي متطور، فغالبية البرامج تقتصر على رؤية حزبية عاجزة وقاصرة، لا ترتقي لمشروع حكومة ناضج، نلحظ من خلاله، حكومة قوية متماسكة ونزيهة.
فصارت المعادلة السياسية في العراق، بوجوب أن تعمل الحكومة العراقية، على إرضاء رغبات الكيانات السياسية وليس العكس، وإشباع ملذاتها السلطوية، بتوضيح أكثر، في كل الأنظمة السياسية، الكيانات الحزبية، تأخذ مقاس الحكومة وتقدم مرشحيها، بقدر ما موجود من حقائب، وزارية وهيئات ومؤسسات حكومية، وهذه هي الحالة الطبيعية، أما الحالة المثلى، ومع تطور النظام الإداري، بدأت الدول المتقدمة، بضغط المنظومة الحكومية، وتقليص عدد الوزارات والمؤسسات الحكومية، من أجل القضاء على الروتين الإداري، وتقليص النفقات المالية للحكومة.
أما في العراق، فالحالة تختلف، فيبدو إن ساسة البلد، متأثرون بالمثل القائل( إذا طال الخيط ضاعت الأبرة)، فنظامنا السياسي في العراق، يختلف عن كل الأنظمة في العالم، والسمة التي يتميز بها، إننا نستحدث وزارات وهيئات ومؤسسات، تتماشى وعدد ماتحتاج المحاصصة الحزبية، لذا أصبحنا اليوم، نمتلك أكبر منظومة حكومية، لكنها غير منتجة، وهذا الإجراء له أثاره السلبية الكبيرة، على عمل الدولة العراقية، حين أصبح الإرباك والتداخل في الصلاحيات والمسؤليات، بين المنظومة الوزارية( الحكومة الإتحادية) من جهة، وما بين الحكومة الإتحادية والحكومات المحلية، للمحافظات والإقليم من جهة أخرى.
ما أريد أن أصل إليه، المنظومة الرقابية، للحكومة العراقية، فبعد سقوط الصنم، والتي هي مسؤولة عن محاربة الفساد الإداري والمالي، ، أضيفت لها مؤسسات وهيئات مستقلة، تعني بموضوعة محاربة الفساد، كدائرة المفتش العام في كل وزارة، بالإضافة لهيئة النزاهة! السؤال الذي يثار، هل الفساد في العراق، وتيرته بإنخفاض أم بتزايد؟ فمدى إنخفاض أو إزدياد ظاهرة الفساد، من خلال هذه المعادلة، وبصورة عملية، سوف تظهر مدى فائدة تلك الأجهزة الرقابية ونجاحها، من عدمه.. وللأسف نقولها بمرارة، إن الفساد نهش كيان الحكومة العراقية، وأصبح ظاهرة بارزة، في مسار عمل المؤسسات الحكومية.
وعندما نتكلم عن إستشراء أفة الفساد، هذا يعني فشل تلك الأجهزة الرقابية، في تأدية الغرض الذي أستحدثت من أجله، أضف إلى ذلك، إن دور مكتب المفتش العام، وهيئة النزاهة، هو دور تحقيقي، تستطيع السلطة القضائية تأديته، لأنه من صميم عملها، والتجربة تبين إن هذين الجهازان حلقة زائدة، أرهقت كاهل الموازنة العامة، وتسببا في زيادة الروتين الإداري، في الجانب التحقيقي، وإذا ما كنا نرجو الإصلاح الحقيقي، الذي من سماته، هو تقليل الفساد الإداري والمالي، إن لم نقل القضاء عليه، وخفض نفقات الدولة، فلا بد من حل هذين الجهازين، لإنهما لم يحققا الهدف، الذي تشكلا من أجله.