23 ديسمبر، 2024 2:53 م

هيئة النزاهة وأزمة المهنية

هيئة النزاهة وأزمة المهنية

عندما أعلن عن إنشاء هيئة للنزاهة بعد سقوط النظام السابق في العراق استبشر المخلصون في هذا البلد من أن كرة من حديد باتت في متناول القانون العراقي ليضرب بها رموز الفساد الذي ضربت جذوره عميقا في جسد إدارات الدولة بنسغيها الصاعد والنازل  وكنا نتأمل أن تتعزز إمكانيات هذه الهيئة لتتعدى كونها مؤسسة رقابية بحتة بل لتشمل بقراراتها آليات توفر الحماية والحصانة للموظف بما يمنعه من ارتكاب جرم الإخلال بالمال العام بكل صوره كما يتضح من عنوان الهيئة الذي يدل على  الحرص بان يكون الموظف  نزيها بعمله ومنطقيا فان المحافظة على المال العام تزداد كلما كان الموظف أمينا ومدعوما بسلسلة من الامتيازات التي تجعله في غنى عن مد يده في الظلام على المال العام.
ومع مسيرة التعامل مع الهيئة المذكورة فإننا للأسف نرى أنها تفتقر إلى المهنية مما يصل بنفس الهيئة ( هيئة النزاهة) إلى حد انعدام النزاهة في بعض القضايا التي تطالها تحقيقاتها وخصوصا تلك القضايا التي تلامس الطبقة السياسية ولعل ابرز الأمثلة على ذلك ما نراه عندما تتفجر فضيحة ما ويكون احد أبطالها او أبطالها رؤساء أو وزراء أو نواب أو مدراء عاميين أحيانا فنرى إن جل عمل الهيئة لايتعدى الإعلان عن الفضيحة لتثار بعدها زوبعة إعلامية ما تلبث أن تتوارى بين الغيوم وإلا كمواطنين وإعلاميين دعونا نسأل هيئة النزاهة عن آخراخبارالفساد في صفقة الأسلحة الروسية ( لم يؤنب ضمير أي مسؤول لحد الآن عن كون الفضيحة الأخيرة هي الأولى من نوعها في كل تاريخ الجيش العراقي منذ91 عاما ) وأين وصلت التحقيقات بشأنها ؟!
وما الذي حصل لسراق مصرف العلوية ؟! وأين وصلت قضية المتورطين مع الشركات الوهمية الأجنبية في قطاع الكهرباء ؟! وأخيرا كيف انتهت قضية وزير التجارة السابق فلاح السوداني ؟! وإذا ما تركنا الفضائح التي أزكمت رائحتها الأنوف وانحدرنا إلى الإدارة نجد أن الهيئة لا ولم ولن تتخذ أي إجراء مع المسؤولين الذين من المفترض أن يتقدموا بجرد سنوي لذممهم الشخصية إلى الجهات ذات الصلة وان منهم لكثير….
على إن الهيئة المذكورة تنشط مع الدوائر والمؤسسات الأدنى فالأدنى ويكون الحساب والعقاب بالجملة وبحق أو بدونه والمشكلة ليست في هذا الموضوع فحسب بل إن الموظف المطلوب استجوابه عشرات المرات في قضية ما يظل بدون أدنى أي تعويض إذا ما تثبت براءته التي تأتي بعد أن تكون قد احترقت سمعته بين أقرانه من الموظفين وكلنا يعرف مكنونات المجتمع العراقي القائمة على المظاهر المستقاة من نظرة الناس إلى الجزء الفارغ من كاس الإنسان .
وعدا عن هذا فان هيئة النزاهة تفرض على الموظف في كل عام تقريبا أن يملأ استمارة الضبط السلوكي التي تشتمل على معلومات إدارية تتعلق بأوراقه الثبوتية وتواريخ تعيينه وإعادته للخدمة إن وجدت……. الخ .
وعودا على بدء فإننا مبدئيا مع النزاهة عندما يقيض الله للعراق أن يتخلص من الفساد السياسي الذي هو أبو الفساد بلا منازع نحن مع النزاهة عندما يكون لدينا رئاسة وزراء تعرف اختيار وزراءها لا أن تأتي لتقول والله نحن عندنا ملفات على الوزير فلان سوف نخرجها يوما ما ربما عندما تتأزم الأمور مع كتلته !!!!
مع النزاهة عندما تتعامل مع كل العاملين بالدولة بدءا من العنوان الوظيفي الأول للرئيس إلى موظف الخدمات على إنهم جميعا موظفو دولة العراق عليهم واجب خدمته كل من موقعه ولهم فيه حقوق المواطنة المتكاملة والمكفولة بدستور عادل جامع متين .
مع النزاهة عندما تشفع تحرياتها البوليسية بضمانات تكفل وتحترم الكرامة الوظيفية للموظف في الاستجواب والحكم والاستدعاء كون الغاية منها منعه من الزلل والانحراف مصداقا لقول رسول الرحمة ( ص ) ” انصر أخاك ظالما أو مظلوما”