يؤسفنا حقا أن نستخدم الإعلام الاليكتروني لنشكو بثنا وحزننا بعد أن تفاقم ما فوق القلب من الهم والكمد لكننا وجدناه السبيل الوحيد بعد أن تم إغلاق الأثير داخل الهيئة فأصبح لا يحوي إلا صوت واحد هو الصوت الشمولي المتغطرس الذي لا يسمع إلا صوته ولا يُعمل إلا ما في عقلة مهما كانت النتائج ومهما تسببت قراراته في إرباك العمل أو زيادة معاناة الموظفين , فهل هذه الدولة المدنية التي سالت من اجلها الدماء ؟ هل تكميم الأفواه أصبحت السمة الأكبر لهذه الدولة الصدّامية ؟
الظلم في هيئة النزاهة أصبح لا يطاق بعد أن تكور رئيسها (حسن الياسري) داخل شرنقته وفوض اغلب صلاحياته إلى مدراءه العامين بينما غط هو في نوم عميق تاركا إياهم يصولون ويجولون دونما رادع , يوغلون (بمساعدة معيتهم وبطانتهم ومتملقيهم) في ظلم الموظفين وتعميق جراحهم , وهذه الجماعات ذات النفوذ الواسع تربت وترعرعت في أيام الرئيس السابق للهيئة (علاء الساعدي) وكان أحيانا يتدخل شخصيا ليردعهم ويعيدهم إلى رشدهم كلما تطاولوا ونشبت أظفارهم ليشذبها لهم أولا بأول رغم انه هو من صنعهم في الاساس , ثم رحل فاستبشرنا خيرا في زواله وحلول آخر محله لكن هذا الآخر (حسن الياسري) بدلا من ان يصدم هؤلاء الظالمين ويهشم عروشهم , نأى بنفسه عن المشهد وتركهم يظفرون بكل شيء ويتمكنون كما لم يتمكنوا في زمن الساعدي , وتطورت أظفارهم بايولوجيا فتحولت إلى مخالب جارحة مميتة , بينما يجلس هو في محيط مغلق يرتشف الشاي لا يبالي بالأغلبية المسحوقة تحت سنابكهم الوحشية .على سبيل المثال وليس الحصر تلك الزيارة الأربعينية الضخمة التي تجري كدجلة والفرات في شرق الأرض وغربها وجنوبها وشمالها لتصب في قلب الوطن بينما روافدها تنبع وتجري في كافة المحافظات , لا يختلف عليها اثنين من حيث الإجراءات الأمنية المشددة والطرقات التي تتحول إلى كتل بشرية تمنع سير المركبات بشكل كامل , تلك الزيارة المباركة تحولت الى ايام تعذيب وشقاء لكافة موظفي التحقيقات في اغلب المحافظات بعد اصرار طغاة الهيئة في بغداد على استمرار الدوام لكافة ايام العطلة المحلية (الممنوحة بالسلطة التقديرية لإدارات المحافظات) بلا طائل ولا ادنى فائدة الا من تحقيق رغباتهم المريضة المحمومة في الهيمنة على القرار ومركزيته المقيتة وقهر الموظفين وتحطيم نفسيتهم وتحويلهم إلى قطعان من الخراف يسيرونهم كما يشاؤون .
الغريب إنهم يصدرون القرارات من بغداد من داخل بيئتهم الناعمة حيث الشوارع المفتوحة الجميلة والمجمعات السكنية وارفة الظلال ومركباتهم الوثيرة , وليس لديهم أدنى فكرة عن ما يحدث خارج المنطقة الدولية حيث تعتمل معاناة البشرية المحطمة في المديريات والمكاتب وهم يتجرعون اشد الكؤوس سما وقسوة وهم يسيرون بين الجموع المليونية إلى عمل لا عمل فيه ولا قيمة فعلية لحضورهم متكبدين تلك المشقة العظيمة فقط لينفذون أوامر الطغمة المنعمة ذات الايفادات والمكافآت والمنح , الذين تضرب دونهم الحجب متكأين على الأرائك تعلو وجوههم نظرة النعيم بينما لا يعرفون من المحيط الخارجي غير العبيد الذين لا رأي لهم ولا احترام ولا يحق لهم إلا التنفيذ وإلا طُردوا من الهيئة كما طرد (17) موظف قبل فترة وجيزة ظلما وعدوانا لغرض تأديب كل من تسول له نفسه أن يحاول أن يكون محترما ويقول رأيه أو ينطق بالحق .
بقيت لدينا ملاحظة مهمة وهي إن المديريات والمكاتب كانت تتمتع بكافة العطل المحلية بشكل كامل لسنين طويلة ولم يؤثر ذلك على العمل مطلقا حتى أصبح الطاغية (علي قاسم) رئيسا للتحقيقات وهو من قرر الدوام خلال العطل المحلية خلافا للقانون , لكنه لكثرة الشكاوى ضده طُرد عن التحقيقات وبقي قراره المشؤوم ينخر في قلوبنا كما ينخر الماء الصخور الهشة , الى متى سنبقى في العراق نقول مقولتنا الشهيرة ((ذهب الظالم وبقي الظلم)).