يقترح عضو مجلس النواب علي فيصل الفياض (دولة القانون) إلغاء هيئة الإعلام والاتصالات العراقية وإلحاق موظفيها ومهامها بوزارة الاتصالات. وبصرف النظر عن الدوافع فإن الاقتراح مما يتعيّن تأمله، فهو لا يفتقد إلى الوجاهة.
النائب الفياض يرى أن الهيئة “حلقة زائدة وباب من أبواب الفساد، ولابدّ من من إلغائها لغلق ملف المساومات والصفقات التي تُعقد مع شركات الاتصالات، بالإضافة الى تكميم أفواه الاعلاميين ومحاسبة الفضائيات التي تستهدف الفساد المستشري في الهيئة”.
بعيداً عمّا إذا كانت المعلومات التي يشير اليها النائب هنا موثّقة أو هي ممّا يجري تناقله على الألسن من دون تمحيص، فإنه لا يجانب الصواب إذ يجد في الهيئة “حلقة زائدة”، لكنّ هذا الحكم لا يختصّ بهيئة الإعلام والاتصالات وحدها. كل الهيئات الموصوفة بـ “المستقلة” تبدو في كثير من الاحيان حلقات زائدة لجهة ما حققته للدولة العراقية والشعب العراقي من فوائد بالمقارنة مع الاموال الطائلة التي تُنفق عليها سنوياً .. والسبب دائماً وأبداً أن هذه الهيئات لم يُترك لها أن تكون مستقلة، كما رسم لها الدستور، لتضطلع بالمهام التي أوكلت لها ولتحقّق الغايات التي أُنشئت من أجلها.
الآن على سبيل المثال ثمة مطالبات قوية متصاعدة لتغيير مفوضية الانتخابات، وحملة أخرى تطالب بابعاد عملية تشكيل المفوضية الجديدة لحقوق الانسان عن المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية. هذا يعكس الشكوك العميقة لدى الرأي العام حيال هذه الهيئات وما تقوم به، وهو أمر مفهوم فمن غير المعقول التوقع بأن تنهض هذه الهيئات بالدور المطلوب منها في غياب أهم شرط لشروط عملها، وهو الاستقلالية.
يمكن لهيئة الإعلام والاتصالات، وسائر الهيئات “المستقلة”، ألا تكون حلقة زائدة، ليس فقط بجعلها مستقلة حقاً وإنما أيضاً بإعادة هيكلتها. القسم الخاص بالاتصالات من عملها يمكن إلحاقه بوزارة الاتصالات، فيما تتحوّل هي إلى هيئة تهتم بشؤون الإعلام حصراً لجهة التزام مؤسساته بالقواعد المهنية للعمل الإعلامي واخلاقياته، وهذا أمر بالغ الأهمية وضروري للغاية في هذه المرحلة المتميزة بتحلّل معظم الإعلام العراقي من هذه القواعد والاخلاقيات.
يتطلّب الأمر تشريع قانون للإعلام، مهمته تنظيم ممارسة العمل الإعلامي بصنوفه المختلفة، وليس تقييده والتضييق على حرية التعبير بأي شكل. هو قانون على غرار قانون الاحزاب، يضمن أن يمارس الإعلام دوره الاجتماعي بمسؤولية، وألا يكون أداة للخراب السياسي والاجتماعي والنفسي وواسطة ووسيلة للاصطراع والاحتراب، كما الحاصل الآن.
أن تكون هيئة الإعلام بهذا المضمون والتوجّه ليس بدعة، فدول ديمقراطية عدّة توجد فيها هيئات من هذا النوع، تنوب عن المجتمع في المراقبة المهنية لأداء وسائل الإعلام، ويجري تشكيلها من شخصيات علمية وأدبية واجتماعية وفنية وإعلامية وسياسية مرموقة، من دون أي اعتبار لقومية هذه الشخصيات وديانتها وطائفتها
وحزبيتها.
نحن نحتاج أمسّ الحاجة إلى هيئة من هذا النوع وبهذه المواصفات لضمان أن يكون إعلامنا مهنياً .. أي وطنياً.
* نقلا عن “المدى”