لا أعرف شيئاً من اللغة الكردية، وعليه ليس في وسعي التحقّق ممّا إذا كانت هيئة الإعلام والاتصالات على حقّ أو على باطل في قرارها بخصوص شبكة “روداو” الإعلامية الكردية ومحطة “كردستان 24” الكردية أيضاً.
الهيئة أصدرت أمراً بالإيقاف الفوري لبثّ هاتين المحطتين ومنع عملهما على الأراضي العراقية كافة، وطلبت من الأجهزة الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية مصادرة معدات المحطتين حيثما تكون وأينما تكون، وأوردت في الأمر سببين لاتّخاذ هذا القرار، الأول يتلخص في كون المؤسستين تعملان من دون ترخيص من الهيئة، والثاني أن المحطتين “تحرّضان على العنف والكراهية”.
من الواضح أنّ السبب الثاني هو الحقيقي، أمّا الأول فليس سوى ذريعة، فهاتان المؤسستان تعملان منذ سنوات عدّة، ولم نسمع في السابق اعتراضاً من الهيئة على عملهما “غير الشرعي”، فضلاً عن وجود العشرات من المؤسسات الإعلامية المماثلة التي تعمل في العراق من دون ترخيص أو بنصف أو بربع ترخيص ولا مِن معترض عليها.
لا أعرف مدى القوة في حجّة المؤسستين الكرديتين بأنهما تعملان بترخيص من وزارة الثقافة في إقليم كردستان.
المهم بالنسبة لي في القضية كلّها هو ما يتعلّق بالذريعة الحقيقية لقرار وقف البثّ ومنع العمل: “التحريض على العنف والكراهية”، فمن الواضح أنّ الهيئة تمارس عملها في هذا الصدد بعين مفتوحة وأخرى مُغلقة. هنا، في بغداد وفي محافظات أخرى تعمل العشرات من القنوات التلفزيونية التي تمارس كلّ أنواع التحريض على العنف والكراهية، طائفياً وقومياً ودينياً واجتماعياً، بأسوأ الأساليب. وفي الاسابيع الأخيرة انفلت زمام الكثير من هذه المحطات، فانغمرت في حرب عنصرية ضد الكرد، فقط لأنهم كرد، وصلت إلى مرحلة التحريض من أجل القتل والتدمير.
الهيئة، كما نعرف، ترصد كل شيء يُبثّ تلفزيونياً وإذاعياً، ولابدّ أن تكدّست لديها الوقائع اللازمة في هذا الصدد، لكنّها لم تنطق بكلمة ولم تشأ أن تنطق بهذه الكلمة، كما فعلت للتوّ مع “روداو” و”كردستان 24″، إما لأنها لا تريد أن تنطق، أو لأنها تخاف من الأحزاب النافذة في السلطة والجماعات المسلحة التي تقف وراء هذه القنوات أو تتحدّث باسمها، إن نطقت بما يتعيّن قوله.
مراقبة خطاب الإعلام المرئي والمسموع من أجل ضمان عدم تجاوزه على القواعد والمعايير المهنية، هو واجب أساس للهيئة، ولا خلاف أو اختلاف في هذا الشأن. الخلاف، بل الاعتراض، يكون عندما تتعمّد الهيئة إغلاق إحدى عينيها وإحدى أذنيها، فلا ترى ولا تسمع خطاب الكراهية المقيت الذي يضجّ به الفضاء العراقي، منطلقاً من قنوات وإذاعات شيعية وسنية وقومية عربية .. !
ليس هذا هو السبيل لإنشاء إعلام وطني، ولا هو السبيل لبناء دولة المواطنة… إنّما هذا سبيل إلى تدمير الوطنية وخراب الوطن فحسب.