كانت وما زالت ثورة الامام الحسين (ع) في الإطار الاسلامي عموماً والعقائدي خصوصاً تتسم بالانفتاح والتجدد وعلى طول خط العطاء الإنساني ، فكانت تمثل اروع دلائل وعمق الهدف ، لا لكون هذه الثورة وقفت بوجه الشر الأموي فحسب ، بل لان هذه الثورة الغنية بالاهداف والمبادرات الهادفة والتي ساهمت بشكل واقعي وموضوعي في تقييم الانسان المسلم وعلى مر التاريخ .
الفكر الاسلامي الرصين ، وبالرغم من كل المحاولات الإعلامية التضليلية ، الا انه استطاع من ان يهب هذه الثورة كل مبررات الصمود بوجه الحكم الفاسد آنذاك ، كونه يمثل ارهاباً طبقياً متخلف ضرب الاطروحة الأسلامية وشوه مبانيها وأسسها ، وتحرك بعقل جمعي جاهلي نحو حركة الإصلاح العملي التي رفع شعارها ابا الأحرار حين تحرك وخرج من داره ومركزه ومكانته وهو ابن النبي الاكرم وأمه الزهراء وأبوه داحي بابا خَيْبَر ، وخير ما يمكن الاستدلال به رسالة الامام الحسين (ع) الى أخيه ابن الحنفية (رض) حين قال له ” أنّ الحسين يشهد أنّ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي علي بن ابي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين وهو خير الحاكمين ” .
امام هذه الرسالة الواضحة وقف الكثير من الرواة والمفكرين وعلى طول التاريخ ومنذ سنة ٦١هـ والى اليوم ألفت الكثير من المؤلفات والكتب لتقرأ وتحلل حركة ابا الشهداء (ع) ، وسيره نحو طريق التضحية والشهادة ، وفي قراءة تاريخية لمسار خروج سِبْط النبي الاكرم الامام الحسين (ع) من المدينة بصحبة النساء والأطفال ، وعائلته وأبناءه وإخوته نجد ان الخروج لم يكن موجها ضد احد ، ولم يكن يحمل أهدافاً سياسية كما روج له اتباع يزيد بن معاوية ابن ابي سفيان ، بل كان منطلقاً من أهداف اصلاحية أراد إنقاذ الامة من سباتها في ظل حكومة جائرة فاسدة ، يقودها حاكم أهوج شارباً للخمر ،قاتلاً للنفس المحترمة ، هاتك للحرمات ، لم يقف عند حرمة النبي واهل بيته ، ليأمر ذئاب كربلاء بنهش الاجساد الطاهرة لبيت الرحمة والهداية .
لهذا عندما يقف التاريخ ليفكر ويقرا واقع حركة الامام الحسين (ع) فإنها تتألق كتراث آنساني حمل كل معاني الهداية والإصلاح ، وعندما نسير بتأني مع حركة سيد الشهداء إبتداءً من المدينة والى مكة وحتى وقوفه على مشارف نحره ، فإننا نقف عند حوادث مهمة ودروس عظيمة ، ورغم هول الموقف والمطلع الا ان هذه الرحلة لم تشهد اختلافاً في المنهج او الهدف ، بل كانت ارواح تسير بهدوء لتعانق السماء ، فكان بحق صراع الحق والباطل ، والجهل والمعرفة ، والتقدم والتأخر ، وبين التوحيد والشرك .
ففي هذا المناخ تحولت ثورة ابي عبدالله الى عامل وحافز ودافع للشعوب ، وتكون الشرارة التي انطلق منها الأحرار في كل زمان ومكان ، لرفض الظلم والوقوف بوجه الظالمين ، فأنيرت منذ ذلك الوقت الكثير من الثورات وبرز الكثير من الشخصيات الثورية والتي استطاعت من تغيير الأحداث على الارض ، وخير مثال في ذلك ثورة المختار الثقفي (رض) والتي كانت بحق ثورة “يا لثارات الحسين ” وكيف انها برغم فتوتها وقصر عمرها الا انها كانت السيف الذي قطع رؤوس الشرك والظلال وغربان الليل الذي هتكوا رحمة رسول الله واهل بيته يوم الطف في العاشر من المحرم سنة ٦١هـ .
كما ان هذه الثورة استطاعت من كسب مشاعر الناس حتى من غير الدين ، لانها وقفت لتزرع الامل في الانسانية جمعاء ، فلم يكن الحسين ملكاً لطائفة ، ولم يكن الحسين شيعياً او سنياً بل كان ابي عبدالله إنساناً رفض الظلم وطلب الإصلاح ، فقد حرك صدى الثورة الحسينية الكثير من المفكرين من الأديان الاخرى لقراءة اهداف الحسين من هذه الثورة ، فقد وضعت الكثير من المؤلفات التي تقرا هذا التحرك ، وما زال السؤال عينه “اذا كان تحرك الحسين من اجل منصب او حكم دولة ، فلماذا اصطحب الأطفال والنساء ” ، لم يجد المفكرون اي اجابة سوى ان الحسين خرج للإصلاح في امة جده النبي الاكرم (ص) ، ورفض ظلم يزيد ، وطلب العدل والمساواة بين الناس جميعا .
ان ثورة ابا الشهداء ستبقى هي نقطة بداية الصراع بين قوى الخير والشر وبين الحق والباطل ، لان الحسين بدمه رسم خارطة طريق للوجود الإنساني والبشري ، ورفع الغطاء تماماً عن المنافقين والمتزلفين ، كما ان دماء اهل البيت (ع) وأصحابهم يوم عاشوراء أسست العقيدة وثبتت الدين ، لان بالعقيدة وحدها صمد الحسين (ع) ، وثبت أصحابه واهل بيته على موقفهم تجاه الخصم الذي كان يفوقهم عدة وعددا في عرصات كربلاء .
وبهذه العقيدة ذاتها استطاعت اتباع اهل البيت (ع) على مر الازمنة ان يكونوا رقما صعباً ، لان يملكون ذات العقيدة التي استطاعت من الوقوف بوجه الظالمين ، والتصدي لارهاب داعش التكفيري ، وستبقى ذات الإرادة لاصحاب الحسين (ع) على بلوغ النصر مهما كان الثمن غالياً ومهما كانت التضحيات جسيمة ، لأننا تفاعلنا مع العقيدة التي برمجت ثورة الحسين (ع) ، ومع أهدافها ، وكان شعارنا في المواجهة مع داعش “لبيك يا حسين ” ، لانها ذات المعركة وذات العدو ، والتي بالتأكيد ستكون نهاية يزيد عصرنا وجيش الباطل ، وسينتصر الحسين من جديد بأنصاره ومحبيه .