ما زلت وللان اشعر اني تأخرت عن ركب الحسين (ع) اكثر من الف وثلاثمائة واربعين عاما ، كنت اراه ولم استطع اللحاق به فقد كان اسرع الى الله من كل شيء في مدارج الحياة الدنيا .
رأيته واقفا بين المدينة وكربلاء جسدا ممتدا بحجم التاريخ يقف على تلة بكربلاء يحمل في صدره بطولة تاريخ ويترجم بوقفته زمن رجولة وكبرياء وثورة ، كان اكبر من الزمن فلم تتسع له الايام والشهور والسنوات ، وكان اكبر من المسافة فلم تتسع له القبور فهجع في القلوب وسيبقى لملايين السنين ، ظل اكبر من كل شيء حتى فاق بنوره الشمس فلم يغب ويعود ، بل ظل باقيا مثله هو، فلا شبيه له في البطولة الا هو .
هو التاريخ حين انتصرت الضحية على الجلاد لاول مرة في مسارات الصراع الازلي ، فكان انعطافة بحجم الزمن كله ، هو دهري البقاء ، متسع المكان ، لا جدل فيه الا فيه ، لانه الوحيد الذي تجاوز درجات القياس الى فضاء اللامسافة واللاوعود واللالغة ، هو انسجام سرمدي للباقيات الصالحات .
هو الحسين لا يمكن ان تضمه دمعة لانه اكبر من كل البكاء ، وهو الذي لا يعطش ولا يتعب ولا يرجع انه الإمام والأمام ، الاتجاه الذي لا وجهة غيره ، هو الذي لا يصرخ مستنجدا بل يصرخ ليكتب شهادة التاريخ بان المظلوم سينتصر ، لانه لا يشعر الا انه السيف على الزمن وعلى رقبة الجلاد ، يقطع الطريق عن الطغاة الفاسدين المخادعين كل لحظة ببريق دمه المطلول من عنقه وليس ببريق الرمح الناكس رأسه نحو الارض .
حسين واي حسين ..!!، مشرقة يداه على المديات الستة بطريقة تختلف عن كواكب الكون المزيفة ، يفضح كل من يخادع ولو بحبة قمح اويسترزق بدمعة كذب وكلمة خديعة صفراء منقوعة بالخنوع .
هو الحسين ولا غير الحسين في الواح السماء التي تنبأت بهذا اليوم العاشوري الكربلائي قرب نخلة استقت من حفنة ماء فراتي ، ولانه الحسين فهو لم يتوسل جلاديه كما تنطق خرافة بعض الخائفين من الموت ، بل وقف صدرا حاسرا اكبر من سماء النواويس ، وافسح من رئة السهول كلها حي تضيق الانفاس بشهقات الجبال .
هو الحسين الذي لا يعطي نظرته لاحد الا للسائرين على دربه ، وهو يرفض ان يلقى نظرته القدسية على المتشبهين المتنطعين بطريقه وهو ابعد عنهم من قاب النجوم الكاسدة الباهتة منذ مليارات السنين في جوف السماء .
هو ترجمة اخرى لكتاب الايمان ، وسطر اعلى في ميزان الوجود ، هو من يخيف جلاديه بصمته ، هو من يطلب ان يلحق باولاده الذي سبقوه الى بحبوحات الجنة يفرشون امامه الاستبرق والحرير كي يمر دون ان يلتفت الى من يناديه بعد قرون دون ان يأخذ من مساره بقعة ضوء ، ويتذكر اسمه ولا يحمل في قلبه من ايمان هذا الاسم شيء ، هو الحسين عدو الكذابين والمنافقين والضالين والفاسدين واللصوص والمتنطعين والحاملين تحت آباطهم خبث الضغينة للآخرين ، هو الحسين يعرف من سيكون معه في اخر المسار ، هو من سيختار فلا يضعن احد نفسه في سفينة النجاة لان الحسين يرفض ان يرتقي موج الزمن مع من أكلوا السحت الحرام .