14 أبريل، 2024 11:36 م
Search
Close this search box.

هوية المدن العراقية

Facebook
Twitter
LinkedIn

لكل ولاية أو مدينة أو أقليم هوية تميزها وتعطيها صورة ثقافية و معرفية، تتحرك وتعرف من خلالها في مختلف المحافل المحلية والإقليمية والدولية. وهذا ما نجده موجود ف الكثير من مدن الدول الأوربية والأمريكية والأسيوية، ألتي إستطاعت على مدى مئة عام أو أكثر، من أن تبرز بهوية ذات لون معين، سواء كان ذلك في ألصناعة أو الزراعة أو ألسياحة أو أية نشاط آخر.
مدينة كاشان الإيرانية عندما يذكر أسمها، يتذكر الناس صناعة سجادة الكاشان الشهيرة، ومعظم مدن سويسرا يرتبط أسمها بأكبر ماركات الساعات (رولكس ورادو وأميغا)، وكذلك حال المدن الإيطالية التي أخذت سمعتها وهويتها من صناعة الأحذية، والمدن الفرنسية التي أخذت سمعتها وهويتها من صناعة العطور، والبريطانية في الأقمشة، والامريكية في صناعة النفط والطائرات والسفن، والألمانية في صناعة السيارات واليابانية والصينية والماليزية في صناعة الأجهزة الكهربائية.
في العراق، العديد من المدن لديها الكثير من مقومات بروز الهوية، لكنها أخفقت على مدى مئة عام من إنتشال هويتها من أعماق ذاتها، وأخفقت في بروزها كمحافظة أو مدينة تشتهر عالمياً بنوع معين من الصناعة أو الزراعة أو من النشاط السياحي، هذا إذا ما إستثنينا المدن الدينية في العراق كربلاء والنجف وبغداد وسامراء ألتي ميزتها المراقد الدينية.
سنتعرف على عدد من المحافظات والمدن في العراق ألتي كانت مؤهلة لبروز الهوية لكنها أخفقت، ونختار أمثلة مميزة لتجارب تلك المدن، لنعرف ونتأكد من أن هذه المدن أخفقت في خلق هوية تتناسب مع ما لديها.
قبل أن أبدأ بذكر تلك التجارب، لا يمكن إعتبار كبة الموصل أو لبن أربيل أو طرشي الموصل أو كباب الفلوجة أو گيمر السدة هوية يحق للمدن العراقية أن تتباهى بها عالمياً، مع تقديرنا وإحترامنا لنعم الله.
الهوية لا تظهر بشكل تلقائي، هي تكاد تكون موجودة لكنها غير مرئية تحتاج من ينميها ويطورها ويبرزها، وهي مباحة للجميع، مثلما فعلت سويسرا عندما وجدت نفسها بدون هوية، فبحثت عن هوية تتميز بها وغير موجودة عند غيرها، فهي لم تذهب الى صناعة السفن أو السيارات، لأن هناك من سبقها وأكتسب هويته بها، لكنها طورت صناعة الساعات وركزت عليها وبالمحصلة إستطاعت أن تخلق هوية ساعاتية عالمية تتباهى بها بين دول العالم.
الموصل
كما ذكرت فوق بأن الطرشي والكبة والكباب خارج معايير ومقاييس الهوية المدنية للمدن والمحافظات، الموصل مدينة قديمة عمرها يرجع بها الى أكثر من ألف سنة قبل الميلاد، أسسها الأشوريون، وتوالت عليها ممالك متعددة لغاية وقتنا الحالي.
ما يهمنا الهوية ، هل هناك هوية حقيقية تشتهر بها الموصل؟ أوهل إستطاعت الموصل خلال المائة عام الماضية وهو عمر الدولة العراقية الحديثة أن تحقق لذاتها هوية ثقافية؟
قبل الجواب بنعم أو لا، فلنسترجع ما تمتلكه الموصل من موارد بشرية ومادية.
ألموصل من المناطق التي أكتشف فيها النفط مبكراً في العراق، الموصل لديها جامعة رصينة عريقة عمرها يتجاوز الستون عام، تأسست عام 1967، الموصل يمر فيها نهر دجلة ويقع عليه أكبر السدود، الموصل لديها صناعات حرفية قديمة، الموصل لديها كبريت ومعامل سمنت، والموصل لديها ثقافة مختلفة عن باقي ثقافات مدن العراق.
بمجموع كل ما لديها، هل حققت أو شكلت هوية تليق بتاريخها؟ الجامعة الرمز الكبير للمدينة لا يمكن إعتباره هوية، لأن جامعة الموصل رغم سمعتها الطيبة محلياً لكنها لم تبرز كهوية عالمية أو إقليمية للمدينة. الصناعات الحرفية هل تطورت وأصبح لدى الموصل مثلاً سجادة من صنع الموصل يمكن أن تنافس السجاد الإيراني والتركي؟ والنفط هل إستطاعت هذه المدينة أن تنشأ مدينة صناعية مثل مدينة الدمام في السعودية أو مصفى ينتج زيوت بماركة عالمية تضاهي الماركات العالمية أو تنتج مختلف المنتجات التي تستخلص من النفط؟ الزراعة هل إستطاعت بثرواتها المائية وتربتها الخصبة وتنوع مناخها أن تبني أو تؤسس مزارع نموذجية لتربية المواشي ومصانع ضخمة لإنتاج الألبان تحمل ماركة المدينة ويسوق منتوجها لدول العالم؟ وهل هناك نادي رياضي يحمل أسم المدينة إستطاع أن يشارك ويحمل إسم المدينة ويكون بمصاف الأندية العالمية التي حملت أسم مدنها؟
بالتأكيد الإجابة على جميع الأسئلة أعلاه بكلا، إذاً الموصل أخفقت خلال المئة عام الماضية من الحصول على هوية حقيقية تميزها بين المدن في العالم على الرغم من توفر البيئة الملائمة.

الأنبار
يرجع تأسيس الأنبار إلى قبل الميلاد، تضم مدن متناثرة على رقعتها الجغرافية الواسعة، لكني سأتكلم عن الرمادي التي أسسها مدحت باشا في القرن التاسع عشر، وعن الفلوجة المدينة الشهيرة، وكذلك نقول بعيداً عن كباب الفلوجة الشهير، هل إستطاعت أي من مدن الأنبار الكبيرة ( الفلوجة والرمادي) أن تصنع لذاتها هوية حقيقية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال بنعم أم لا، فلنسترجع ما لدى الأنبار من موارد بشرية ومادية .
الأنبار لديها صحراء كبيرة، الأنبار لديها جامعة عمرها اكثر من ثلاثين عام، تاسست عام 1987، الأنبار لديها معادن ولديها معامل زجاج، الأنبار لديها ثلاث معامل سمنت، الأنبار لديها أكبر خزين ستراتيجي من الغاز الطبيعي، الأنبار تمتلك أراضي زراعية هائلة ونهر يخترقها من الشمال الى الجنوب وتهيمن على ضفتيه بدون منافس، ولديها سد كبير على الفرات، الأنبار لديها صناعة حرفية، الأنبار لديها مناطق صيد كبيرة، الأنبار خصوصاً الفلوجة لديها أكبر عدد من المساجد، وأخيراً الأنبار حاربت الإحتلال الامريكي وخصوصاً ألفلوجة.
بمجموع ما لديها، هل حققت الأنبار أو برزت هوية تلييق بتاريخها؟
ماذا إستفادت الأنبار من الصحراء؟ هل إستطاعت الجامعة من إنشاء مراكز بحوث تضاهي المراكز العالمية؟ أين وصلت صناعة الزجاج في الأنبار هل إستطاعت أن تتطور وتصنع الكريستال والثريات وتحقق ماركة عالمية؟ السمنت في الأنبار هل إستطاع أن يخلق اسم عالمي؟ الغاز الطبيعي في الأنبار موجود في باطن الأرض منذ الأزل ولكنه غير مستخرج، وبذلك لم تنافس الأنبار لا روسيا ولا قطر في إنتاج الغاز الطبيعي. الزراعة في الأنبار رغم توفر مقوماتها، لكنها لم تصبح السلة الغذائية للمنطقة العربية والعراق، وكذلك السدود لم يكن لها ما يميزها ويجعلها سدود مختلفة، مناطق الصيد واسعة لكنها فشلت في إقامة المحميات للحيوانات البرية النادرة, هل إستطاعت أن تؤسس جامعة إسلامية تحمل إسمها يصل صيتها إلى مختلف بقاع العالم؟ أخيراً الفلوجة وتاريخها في المقاومة، وأحتلها داعش ألذي أفقدها ذلك فرصة الحفاظ على هوية المدينة المقاومة للإحتلال الأمريكي.
الإجابة حتماً ستكون بكلا، الأنبارأخفقت خلال المئة عام الماضية في إبراز هوية لها تميزها وتجعلها بمصاف المدن الكبيرة.
البصرة
البصرة من مدن العراق العريقةالكبيرة، التي يرجع تأسيسها إلى بدايات ألفتح الإسلامي في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، إشتهرت كثيرا على مدى التاريخ الإسلامي والتاريخ الحديث، البصرة ثغر العراق، وفينيسيا العراق كما يطلق عليها. هل إستطاعت البصرة أن تبرز هوية متميزة لها خلال المئة عام الماضية من تاريخ الدولة العراقية.
قبل الإجابة بنعم أو لا، فلنسترجع ما لدى البصرة من موارد بشرية ومادية على مدى المائة عام.
البصرة لديها أهم رمز وهو النخيل، البصرة لديها موانيء، البصرة لديها جامعة عريقة تأسست في عام 1964، البصرة لديها حقول نفط هائلة، البصرة لديها تراث وتاريخ عريق، البصرة لديها الكثير من الفنون الشعبية، ألبصرة لديها حرف يدوية قديمة.
بمجموع ما لديها، هل إستطاعت البصرة أن تخلق لذاتها هوية عالمية تميزها؟ هل حافظت البصرة على عديد نخيلها وتنوعه وأنتجت للعالم ماركة تمور تحمل إسمها؟ هل تمكنت البصرة من بناء الموانىء الحديثة لكي تنافس موانيء دبي والخليج ويظهر لنا ميناء البصرة بأسم وسمعة عالمية؟ هل أن جامعة البصرة طورت من أدائها وأصبح تصنيفها يتناسب مع تاريخها؟ هل أن حقول النفط في البصرة متطورة وتدار بكوادر عراقية وأصبح لها سمعة تضاهي ارامكو أو تكساس؟ هل إستطاعت البصرة أن تواصل التألق في التراث والفنون وتشارك في مهرجانات عالمية وتفوز بجوائز عالمية وتقيم مهرجان عالمي يحمل إسمها؟
الإجابة كذلك ستكون بكلا، البصرة فشلت في خلق هوية بصراوية عالمية، حالها حال الموصل والأنبار وبقية المحافظات العراقية. الفشل يعود إلى عدة عوامل أهمها فقدان الثقة وإرتباك مشاهد المدن العراقية والعربية على مدى المئة عام الماضية، التي تخللها الأحتلال والإنتداب والإستقلال الهش والحروب والحصار والجهل والفقر، وهي الأعوام الحاسمة في تاريخ البشرية، التي في المقابل، خلقت وبرزت مدن كبيرة وأعطتها هوية مميزة، نيويورك ولندن وبانكوك وبكين وموسكو واسطنبول واصفهان ومدن كثيرة صعدت وبرزت هويتها خلال المائة عام الماضي.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب