لا جدال في ان الحفاظ على الموروث المعماري للبيئة الموصلية، انما يعني الحفاظ على سمات هوية الشخصية الموصلية، في سيرورتها المتعاقبة عبر الزمن، حيث ان تراثها المعماري يحمل ملامح الهوية الحضارية لتلك الشخصية المتميزة ، لاسيما وأن الموصل، قد صنعت لها تاريخاً حضارياً ضارباً في عمق الوطن، فكانت راس العراق على مر التاريخ .. وظلت بذلك، حاضرة ثرية بالموروث المعماري، الذي يتنوع بخصوصيته، بتنوع المكان، والمناخ، والناس.. وبذلك يظل الموروث المعماري لها نمط حياة،وهوية مدينة، وليس مجرد مجسمات هنسية محضة.
وهكذا ظلت الموصل بمعمارها التراثي المتميز، واسلوب حياتها الخاص، أصيلة الهوية، وعصية على عوامل المسخ والتشويه، رغم كل ما لحق بها من نكبات، وأضرار، عبر تاريخها الطويل.
ان المطلوب اذن، عند الشروع باعمار مدينة الموصل.. هو الشروع بتوثيق معالم المعمار التراثي الموصلي البارزة، من الحصون والقلاع، والقصور، والمساجد، والتكيات،والازقة، والحارات.. وعلى رأسها بالطبع، منارة الحدباء العتيدة، للحفاظ عليها من ضياع معالمها نتيجة الدمار الذي لحق بها، مع انه يصعب إعادة تشكيل تلك المعالم برمتها، كما كانت قبل الدمار الذي لحق بها، لاسباب مالية، وفنية،ناهيك عن ضرورة أخذ متطلبات التوسع، وتداعيات العصر بنظر الاعتبار .
ومع كل تلك المعوقات، فإنه لابد من محاولة الإبقاء على الشكل المعماري المنحني لمنارة الحدباء، بالاستفادة من معطيات الهندسة المعمارية المعاصرة، والتسهيلات الفنية المتاحة ، لاسيما وان الموصل اخذت إسمها مدينة (الحدباء) من المنارة بهيئتها المحدبة، وما يعنيه أمر الحفاظ على معمارها المحدودب، من رمزية كبيرة، للمنارة كإرث تاريخي، في استلهام المسميات والمعاني، حتى تغنى بها الشعراء الموصليون، ومنهم الشاعر الكبير، احمد علي السالم أبو كوثر ، حيث يقول في قصيدته العصماء ( سينية ألحدباء ) :
وفي عيوني ترى الحدباء شاخصة ….. أم الرماح وعهدي ناسها ناسي
حورية الجيد في سيمائها حدب ……………. كأنها ملك يرنو لجلاس
إذا وقفت على البوسيف تنظرها ………. ترى سناء لها يسمو بنبراس
نطرتها نظرة نجلاء فابتدرت ……. شؤون عيني وهز الوجد إحساسي
وهمت واحتشد الماضي بذاكرتي ….. وزاحمتني خيالاتي وأحداسي
وتبقى مسؤولية النهوض بمشروع إعادة إعمار الموصل، مسؤولية جمعية، اكبر بكثير من ان يتم حصرها بجهة معينة لوحدها، مما يتطلب ان ينهض بهذه المهمة الجليلة، كل من يعنيه امر التراث الموصلي وخصوصياته، من الكتاب، والمؤرخين والفنانين والباحثين، والمعماريين، والرواة،ورجال الأعمال، وغيرهم.. من أبناء الموصل..
ولا ريب ان في الموصل من الطاقات العلمية، والفنية، والمادية، الحريصة على الحفاظ على تاريخ الموصل وهويتها وتراثها، ما يمكنها من ان تنهض بهذه المهمة بجدارة عالية، وتترجمها الى واقع عملي ملموس، فتحفظ للموصل هويتها المعمارية التراثية، المتصلة حركيا بالتاريخ، من دون تحريف، كلما كان ذلك ممكنا .