23 ديسمبر، 2024 6:08 ص

هوية الاحتجاجات الايرانية والمحتجين

هوية الاحتجاجات الايرانية والمحتجين

اختلاف هذه الهوية عما سبقها من تظاهرات واحتجاجات هو سر ديمومتها واستمراريتها واختلاف شعاراتها واهدافها ،كانت الاحتجاجات والتظاهرات كما هو الحال في ما اسموه بغضبة 2009 تخرح من الجامع او الحسينية وهي تحمل لافتات كتبت عليها شعارات هذا الفريق او ذاك من رموز واقطاب ولاية الفقيه ، لذا لم تكن تستقطب مهما كبرت اعداد المشاركين فيها عموم مكونات الشعب الايراني ،ولم تكن تعبر عن راي وارادة واهداف عموم هذه المكونات لذا كان نفسها قصيرا ويسهل القضاء عليها ، كما شخصت الرئيسة رجوي لكنها اليوم انطلقت من المعامل والجامعات والاسواق والمنازل المليئة بالجياع والعاطلين عن العمل ،لذا لم تطلق صيحات دينية وقل من هتف الله اكبر كما كان يفعل الخارجون من الحسينيات والمساحد بعد صلاة الجمعة بل راينا المنتفضين

يهاجمون الحسينيات والحوزات العلمية الدينية ومصارف “الحرس الثوري”.

وأحرقوا، في أيامهم الأولى، صور شخصيات

معصومة… آيات الله، مثل الخميني وعلي خامنئي. وهم أطلقوا الشتائم ضد المرشد: “سيد علي (خامنئي) اخجل من نفسك وارحل”، أو “الموت للديكتاتور”، أو “الموت للمرشد”.. ،.

وراينا المنتفضين يرفعون شعارات ضد نظام ولاية الفقيه برمته ،وهو ما كشف الهوية الشعبية الحقيقية للانتفاضة ،وعلى الرغم من القمعين، الأيديولوجي والأمني، خرج المتظاهرون، ليقولوا إنهم، باحتجاجهم على أزمتهم الاقتصادية، غير معنيين بدينية سلطة الملالي، ولا بكفاءتهم الاقتصادية أو التنموية. القدسية والعصمة والجلال أصبحوا لا يطيقونها، ولا هم مقتنعون بها. هذه الهالة بنتها الثورة الإسلامية، وفرضتها بقوة الإيمان والأمن، ثم جاء العصيان ضدها من القاعدة الشعبية التي انبنتْ عليها.
كما كتب العديدون من اصحاب اقلام الانتفاضة وثمّة جانب آخر لهذا التحول في وجهة النظر. لم يكتف المتظاهرون بالاحتجاج على البطالة والفقر وزيادة الأسعار، إنما حمَّلوا حكامهم جرائم الفساد والمحسوبية المقيمَين في إدارات الدولة. وإدانة واضحة لما تسمّى في إيران سياسة “آغازاده”، أو سياسة “ابن فلان…” “ وهو ما اشارت اليه الرئيسة رجوي ايضا حين ميزت بين حراك 2009 وانتفاضة 2017 حيث حمّل المتظاهرون الإيرانيون حكّامهم جرائم الفساد والمحسوبية المقيمَين في إدارات الدولة”
الشهيرة في أوطاننا. الربط بين الفساد وأنشطة الحرس الثوري جاء منذ أشهر، بعد زلزال كرمنشاه، وقد تقاعست السلطات هناك عن القيام بواجباتها الإنقاذية. وكانت صرخات الأهالي المنكوبين تقول “المشكلة في مدينتنا أنها واقعة في إيران، لا في سورية ولا في لبنان”. دع عنك الآن التوسع الخارجي لايران، وانظر إلى الداخل: فساد يضرب في أسس الدولة. فساد معلن ومعترف به رسمياً.. كأنك في الدولة اللبنانية! مسؤولون يتهمون صراحةً مسؤولين آخرين بالفساد… وإشهار فساد الدولة الإسلامية، والنيل من قداستها، يزيلان هالة إضافية، كان الملالي يبهرون بها المصدّقين: هالة المعصومين من الخطأ والخطيئة. هالة “سلالة الأنبياء”، الصادقين، المنزِّهين: هؤلاء الذين يتحجّجون بالتفوق الأخلاقي للدولة الإسلامية. والفاسدون يمكن أن يكونوا علمانيين أو إسلاميين. مع الفرق أن العلماني متهم مسبقاً بقلّة الأخلاق، فيما الإسلامي بريء سلفاً: إنه الشريف، العفيف، الأمين، واتهامه بمثابة اتهام للإسلام الذي يحكم به

وهو ما اتفق على تشخيصه وتدوينه واشهاره كل كتاب وخطباء الانتفاضة .

هذه الأخلاق جرّستها التظاهرات علناً، وبإصرار. وفضحت معها أسطورةً أخرى من أساطير الإسلام السياسي الشيعي. من كونه، خلافاً للإسلام السياسي السني، موحَّد واحد، بقيادة وعصبية واحدة، أو “هوية” واحدة. التظاهرات رفعت القناع عن هذا الوهم،

وقد اراد بعضهم حصر انطلاق الانتفاضة بابراهيم رئيسي المرشح الخاسر لانها انطلقت من مدينته في محاولة لاعادتها الى هوية دينية ضمن اطار نظام ولاية الفقيه وتظام المعتدل والمتشدد لكن هذه المحاولة باءت بالفشل فلمنطلقات مختلفة حد التقاطع ،

من هنا أيضاً تأتي الشعارات المعادية لتوسع إيران في بلدان المشرق. من “الموت لحزب الله”، إلى “لا غزة ولا لبنان روحي فدا إيران”، “اهتموا بنا لا بفلسطين”، إلى “اتركوا سورية “مشاعر سياسية مباشرة ضد توسع دولتهم على حسابهم”
وشأنها، افعلوا شيئاً لأجلنا”. كلها تنضح بمشاعر سياسية مباشرة ضد توسّع دولتهم على حسابهم. ولا يخرج منها أي “تضامن”، ديني أو مذهبي، أو أنتي أمبريالي، تجاه الشيعة العرب المنجرفين في المشروع الإيراني؛ أو أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بأن إيران تريد تحرير فلسطين..

ثلاث دعائم أساسية لأي حكم إسلامي تعرّضت للاهتزاز بلسان المتظاهرين. ربما يستمرون، ربما توقفهم الحملة الأمنية، أو الوعود والترقيعات، أو اللعب على نقطة “الاستقرار”، وبرقيات دونالد ترامبالتويترية، المؤيدة لتحركاتهم. ولكن في كل الأحوال أعرب أولئك المتظاهرون، وهم القاعدة الشعبية لنظام الملالي، عن رفضهم له: نزعوا عنه أقنعة الطهارة، أبرزوا قلّة أخلاق القيمين عليه، وأضاؤوا على أجنحته المتصارعة، وعيّروه بانعدام كفاءته.