حين تقرأ في التاريخ، وتنظر في أحوال الأمم السابقة، يعتصر قلبك ألماً، وتكاد روحك تخرج مع زفراتها، عندما تعلم ان هناك شخصيات ملكت، وتسلّطت على رقاب الناس، ولم تكن تحلم في يوم من الأيام أن تحكم.
عقد الهاشميون مؤتمراً لهم في الأبواء، تداولوا فيه شؤون الدعوة، وتعيين المرشح للخلافة من بينهم، وقد حضره كل من إبراهيم الامام، والسفاح، والمنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن، وابناه محمد وابراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو، وغيرهم، وقام صالح بن علي خطيباً فيهم، ودعاهم لبيعة أحدهم.
إنبرى المنصور الدوانيقي فقال:(لأي شيء تخدعون أنفسكم، والله لقد علمتم ما الناس أميل أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ـ وأشار إلى محمد بن عبد الله بن الحسن). فانطلقوا جميعاً يؤيدون مقالته قائلين:(صدقت، إنا لنعلم هذا). وقاموا فبايعوا محمداً، وبايعه أبراهيم الأمام، والمنصور والسفاح وسائر من حضر ذلك الأجتماع.
بعد أن أتفقوا على أن يبايعوا محمداً ذو النفس الزكية، أرسلوا خلف الامام الصادق”عليه السلام”وعرضوا عليه ذلك فنهاهم عنه، وقال لهم:(لا تفعلوا فان الأمر لم يأت بعد). فغضب عبدالله بن الحسن، وحسب ان ذلك حسداً لابنه، فنظر إليه الإمام نظرة رحمة واشفاق وقال له:(إنها ـ الخلافة ـ والله ما هي إليك، ولا إلى أبنيك، ولكنها لهؤلاء ـ وأشار إلى بني العباس ـ وان أبنيك لمقتولان).
إن هذا العلم، وهذا الأيحاء مستمد من علم رسول الله”صلى الله عليه وآله”، فهم أوصيائه وورثة علمه.
السفاح، وأبو جعفر المنصور، خانوا بعهدهم، ونقضوا ميثاقهم فأخذوا يعملون لأنفسهم بالخفاء، خوفاً من أنتفاضة العلويين عليهم، وأخذا يدعوان الناس للرضا من آل محمد، لأنهم لم تكن لهم ركيزة أجتماعية، ولم يكن لهم تاريخ ناصع.
أطاح أبو العباس السفاح بالحكم الأموي، وتولى منصب الخلافة، بأسم العلويين، ولم يكن احد يتوقع أن تؤول إليه الخلافة، فهرب الأمويون من بطش السفاح، وقام يطاردهم بغير هوادة، ولا رحمة، وأشاع فيهم القتل، وابادهم تحت كل حجر ومدر، في البصرة ومكة والمدينة والحيرة، حتى الموتى لم يسلموا من بطشه!.
مرض السفاح مرضه الذي توفي فيه، وأوصى بالخلافه بعده، لاخيه أبي جعفر المنصور.
أجمع المؤرخون، إن أبا جعفر المنصور، تسربل باللؤم والبخل، وخسة الطبع، ودناءة النفس، وكان الغدر والفتك من أبرز مظاهر شخصيته، وقد ساس المسلمين سياسة من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فأشاع فيهم بينهم الخوف والأرهاق، وسلبهم جميع مقوماتهم الاقتصادية، حتى تمنوا رجوع الحكم الاموي، وعودة أيامهم على فيها من قسوة وعذاب، حتى قال أحد مخضرمي الدولتين:
ياليت جور بني مروان دام لنا
وليت عدل بني العباس في النار
هكذا هي الدنيا، تأتيك بعجائبها وغرائبها، فرعون من حفّار للقبور، يصبح ملك ثم الرب الأعلى، صدام التكريتي السفاح، كان مجهول في حزب البعث، يصير رئيس مجلس قيادة الثورة، وحاكم العراق، والامثلة كثيرة في التاريخ.
لم أكن أتوقع بعد سقوط سفاح العراق”صدام”، أن يحكم العراق غير السيد”محمد باقر الحكيم”طاب ثراه، عملاق السياسة والمعارضة، لكن من سوء حظ العراقيين، أن يرحل عنهم سريعاً، ويحكم أشخاص لم تسمع بأسمائمهم يوما، فرحمك الله يا أبا صادق، وعلى العراق بعدك العفا!.