23 ديسمبر، 2024 3:35 ص

هولاكو وساستنا اليوم

هولاكو وساستنا اليوم

“نفس الطاس ونفس الحمام”
أقولها بملء فمي ويشهد التاريخ القريب والبعيد لما أقوله، أن جرح الموصل هو أمضى جرح في جسد العراقيين على مر الأزمنة والعصور، وهو نقطة سوداء طغت عتمتها على باقي النقاط السود في تاريخ العراق. فقد كانت إحدى تلك النقط عام 1258 ميلادية، وهو يوم دخول هولاكو بغداد.
وبمراجعة سطحية لما حدث في بغداد حينها، وما حدث للموصل في العاشر من حزيران قبل بضعة أعوام، نرى تكرارا يكاد يكون مطابقا مع فرق الزمان والمكان والشخوص، إذ أن هولاكو صب جل اهتمامه لاحتلال بغداد في أربعة محاور رئيسة بتناسق تام وتخطيط محبك.
كان المحور الأول هو “اهتمامه ببنى قواته التحتية” فقام بتجهيز مسرح العمليات، بشكل يضمن استمرارية الإمداد وسيولة التمويل، وهذا ماحصل مع عصابات داعش في استحضاراتها قبل سنتين من قدومها “معززة مكرمة” الى الموصل، بعد فتح الأحضان والقلوب والبيوت لعناصرها، من قبل بعض المحسوبين على العراق بما لايخفى على أي مطلع للأحداث.
أما المحور الثاني الذي عمل عليه هولاكو، فهو “الاستعداد السياسي والدبلوماسي”.. فقد عقد أحلافا سياسية مع بعض الأطراف وموازين القوى المختلفة، لضمان نجاح مهمته، بعد أن كان يعتمد على الهمجية في استخدام القوة والقوة فقط. وأهم تحالفات هولاكو كانت مع الشخصية الثانية في الدولة بعد الخليفة، هو الوزير (مؤيد الدين العلقمي) الذي كان رجلاً فاسدًا، إذ اتصل به هولاكو مستغلاًّ فساده، واتفق معه على تسهيل دخول الجيوش التترية إلى بغداد، مقابل أن يكون له شأن في (مجلس الحكم) الذي سيدير بغداد بعد سقوط الخلافة. وقد قام الوزير الفاسد بدوره على أكمل ما يكون، وهذا طبق الأصل مما حدث في الموصل، على يد محافظها اللامحافظ أثيل النجيفي، ومجموعة القادة الذين لم يكن ولاؤهم لماء دجلة والفرات، ولا لأرضه ولا لسمائه، بل اتخذوا من ولائهم بديلا، فنحوا منحى الوزير العلقمي فحدث ماحدث للموصل.
والمحور الثالث هو “الحرب النفسية على سكان بغداد”، فكان لابد لهولاكو أن يهيئ أرضية خصبة لتمرير غزوه، ومن هذه الوسائل: القيام ببعض الحملات الإرهابية في المناطق المحيطة بالعراق، والتي لم يكن لها غرض إلا بث الرعب، وإحياء ذكرى الحملات التترية الرهيبة التي وقعت في السابق في عهود جنكيزخان وأوكيتاي. وهذا ما عملت عليه العقول المدبرة والمديرة لعصابات داعش، فكانت سوريا أقرب مسرح يعرض فيه شراذم داعش عضلاتهم، وهم قطعا مدعومون ومسيرون وممولون من جهات ودول عدة، أولها الدولة المعروفة باحتضانها الارهاب بعد أن خرج من رحمها، ومازالت مشيمته مربوطة بأمهم وهي الحجاز.
المحور الرابع.. “إضعاف جيوش الخلافة العباسية” إذ صار محل اشتغال هولاكو قبل الشروع بتنفيذ الغزو، وهو مرحلة مهمة من مراحله، فعمد أن يطلب من الوزير الفاسد مؤيد الدين العلقمي بإقناع الخليفة العباسي المستعصم بالله أن يخفض من ميزانية الجيش، وأن يقلِّل من أعداد الجنود، ويُحوِّل الجيش إلى الأعمال المدنية من زراعة وصناعة وغيرها، دون اهتمام كبير بالتدريب والقتال والسلاح. وقد قام الخليفة فعلاً بخفض ميزانية التسليح، وقام أيضًا بتقليل عدد الجنود، حتى أصبح الجيش العباسي الذي كان يبلغ عدده مائة ألف فارس في عهد المستنصر بالله والد المستعصم بالله، لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط. وهذا عين ماحصل خلال السنوات الماضية في الوسط السياسي، إذ كثرت مشاكسات بعض الساسة والنواب واعتراضاتهم، لأي قرار او قانون من شأنه زيادة ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية.
أليست المراحل الأربعة التي اتبعها هولاكو وتبعاتها ومآلاتها وتأثيرها وآثارها، هي ذاتها التي حصلت وماتزال تحصل على ساحتنا العراقية خلال السنوات القليلة السابقة؟
[email protected]