14 أبريل، 2024 11:48 ص
Search
Close this search box.

هوس التقليد…ودور النقد

Facebook
Twitter
LinkedIn

المثقفون ..نبدأ بهم ولو قيل ان المعالجات تبدا من القاعدة الى رأس الهرم ،لكن في هذا الامر اظن الاجراء يجب أن يكون معكوسا اذ لاعتب كبير على الجهال في التقليد حيث لايتوفرون على عمق ثقافي يحميهم ويجعلهم متمسكين بثقافاتهم وقيمهم ، ولاكتب قرأوها في الفترة الأولى لتأسيس عقولهم ومبادئهم ومصدر فخرهم بانفسهم وادمغتهم (وللمجادل اقول: ليس الفخر بثقافاتك وقراءاتك الاولى يجعلك منغلق ولاتقبل الثقافات الاخرى او الجديدة او التحديثات انما قصدت عدم الإنسلاخ مما هو قيم وعميق وصحيح من ذلك المخزون الذي خلق القاعدة الثقافية والاجتماعية والوعي لدى الفرد المثقف )، اقول ولاعتب على المراة التي انما التقليد شيء في طبعها ولاتعتبره امرا معيبا على وجه العموم ، لذا بدأت بالمثقفين ، فهؤلاء اذا مااستساغوا التقليد ووطنوا انفسهم عليه دونما وعي منهم لما يقترفوه بحق انفسهم فقد يتمادى الامر عندهم ليصبح هوسا وعادة يصعب عليهم مفارقتها ، (فهم يحاججون انفسهم واياك بأن الجاهل يقلد تقليدا اعمى اما هم فعن علم وفكر لأنهم مثقفون )! والحقيقة إن عمى الهوى والوهم اكبر من عمى الجهل ..فالأخير يمكن طرده بالتعلم اما الاول فلاسبيل للتغلب عليه والعياذ بالله منه ، وله اشكال عديدة بينهم ، فمنهم من يقلد حتى في الانتقاص من انسانيته ليثبت انه يحاكي ثقافة الغربيين مثلا ، فتراه يتمسك كثيرا بمفاهيم طارئة عليه (وهذا الفرق بينه وبين تقليد الجهلة و العامة )، حيث أن هؤلاء يقلدون اللفظ والمظهر وطريقة العيش ان استطاعوا، ويقتصر تقليدهم على القشور ، إذ ليس لديهم عمق فكري اصلا ..ولكن المثقف ومنهم حتى عالي الثقافة ، ان كان من حيث البحث والقراءة او من حيث الدرجات العلمية الجامعية ، او اشتغاله بالفن والادب ، هؤلاء يقلدون الفكر وهذا اخطر على المرء ،وان سلمنا ان لابأس في الاختيار وتغيير الفكرة الخاطئة او حتى المعتقد والدين ان اخضعنا الامر للعلمية وليس الهوى والتقليد الاعمى .
فذاك الجاهل عندما يجد من ياخذ بيديه ويسدي له النصح عن مضار التقليد الاعمى او يلقى من ينبهه ويوخز ضميره ، يتراجع في الغالب وقد يستحي من فعلته لانها تخص المظهر والعادات والتقاليد ، وهذه يتحكم كثير منها في التاثير عليه او رده الى اصله ، اما الرجل المثقف فانه يظن بل ومتيقن ان مايفعله هو الصواب ، حتى انه ينادي غيره بفعله والاقتداء به ، او لعله يتفاخر ويتكبر أحيانا على أقرانه انه وصل الى الحقيقة وبلغ هذه الدرجة والطفرة من الوعي التي لايمكن لغيره من اكفائه ان يبلغها بسهوله بعد ان فتح عليه الله (او عقله عند الملحدين) ، فلا تجده يتحرج في ان يطعن بانسانيته لمجرد انه قرأ كتابا او خالط مثقفين غربيين يطعنون في إنسانية الانسان وكرامته من باب العلم الذي لايقبل المجامله! ، (فالانسان اصله حيوان او شمبانزي وقد نزل من الشجرة في وقت ما من الماضي السحيق ) وهذا ماقاله نيتشه او دارون ودوكينز و-اسماء رنانه- ،اذن فمن العيب عدم التصديق ..ومن اللائق ثقافيا وعلميا ان يقول ماقالوا ، دونما رجوع الى تفحص علمي للرأي المضاد او الإثبات المغاير او العلم الذي نفى ذلك تجريبيا قبل العقل ، ذلك فقط لأن ماكان عنده في الاصل هو :ان الانسان خلق انسانا بقيم وعقل مميز سواء قل او زاد ، تأخر او تطور ، ومايراه الآن هو مجتمع علمي او مثقف يقول غير ذلك فلكل جديد لذة ، فراح يردد ويقلد ، مسلما عقله لغيره وهو لايدري إن كان هذا الغير يقول ذلك عن غاية او هوى او حتى عن علم اثبت بطلانه او ضعف الإحتجاج له مع الزمن ، ولكنه جديد على هذا الامر فلابد ان يقلده ويظهر بمظهر المثقف المختلف عن أقرانه ممن تركهم وراء ظهره “لضيق أفقهم العلمي والثقافي!” ،بل ان بعضهم يصل به الامر لحد الاقتناع الحقيقي مع الوقت ومن اللاوعي فيصدق ويبدأ بالدفاع المستميت عن الافكار الجديدة المقلدة اكثر من اصحابها الأصليين الذين يكون قسم منهم قد تخلى عنها !..ومنهم من يقلد مدرسة أدبيه او شعرية من ثقافة اخرى ويكون الأسم الرنان -الحداثة- !..يجذبه ويجذب اليه الانظار (كما يشتهي) او لعله يتخذه حصانا يمتطيه بين فرسان لاقبل له بمسابقتهم وهم يمتطون أحصنة الادب الاصيل والشعر الذي درجت الامة بعظماء شعرائها وكتابها على انتاجه ، لما فيه من قيود كثيرة وصعبة من قافية ووزن وبحر وبديع وبيان وبلاغة ووحدة قصيدة وغرض و و .. الى عديد الضوابط التي استطاع اولئك الموهوبون الحقيقيون اجتيازها والتمكن منها فانتجوا مايبهر، ويريك مدى الاقتدار والتمكن والتميز لأفراد معدودين على الاصابع في كل جيل وعصر ، وهذا هو المنطق فيما يخص الابداع والفنون ، فصيروا بتقليدهم وحداثتهم الأمر كمن يفتح دكانا ويبيع فيه مايريد ، فصار كل من هب ودب يدعي الابداع بنظم كلمات وصفّها الى جانب بعضها واختيار أي شيء تافه او مكرر او غريب ليكون موضوعا ، ويبدأ الهراء تحت مسمى الحداثة وبعباءة التقليد ، وهكذا يفعل المشتغلون في أمر نقد الدين في أيامنا ، فما ان قلد احدهم امرا غربيا او شخصا حتى انطلق مقلدوه زرافات ووحدانا ، وصرت لاتدري ايهم الذي باء بذنبهم جميعا ..ولعلاج ذلك طرق كثيرة أولها المراجعة العلمية لمن اراد فعلا ان يصل الى الرأي الثقافي الحقيقي وفحص الحقائق او المدارس او الافكار التي يريد ان يقلدها ، ومقارنتها بما كان لديه من مخزون مقارنة علمية حيادية لاتدفعها عاطفة الانسلاخ من الماضي او التراث -الذي يظنه معيبا- ولاتعصبية الهوى او الرغبة ، ان كان مثقفا حقيقيا ، وباحثا صادقا عميقا. كما ان المجتمع النقدي وهنا الأمر الادهى إن كان بعض النقاد والذين مسؤوليتهم وشغلهم هو حماية الأبداع من عبث المتطفلين والمدعين والمقلدين ، ان كان هؤلاء ممن أصابهم داء التقليد هذا وبهرهم ، فهم ليسوا نقادا ولايصح الاحتكام اليهم ، والذوق الجمعي والمجتمع الأدبي او العلمي السليم قادر على تنحيتهم جانبا مع الوقت..وتشكيل فكر نقدي سليم يواجه المد المقلد الفوضوي ويشذب النتاج ويفرز الابداع من الهراء، ويميز الكلام المرسل الفارغ عن الموهبة والصنعة.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب