هل تساءل احد من أولئك الذين يتباهون بقراءة النظريات العلمية ويجهرون بعدم ايمانهم بالله عن الاثار والنتائج التي قد تنجم عن انتشار الالحاد في مختلف شرائح مجتمعنا تماماً كما تنتشر النار في الهشيم ؟ . نعم لم يعد من الممكن ان ننكر بان الالحاد بات يمثل خطرا حقيقيا يهدد مجتمعاتنا بصورة جدية وما دفعني للكتابة عن هذه الظاهرة في هذا الوقت بالتحديد هي عدة امور منها ما مررت به قبل مدة من الزمن حيث حاولت ان اجري لقاء صحفي مع رجل اكاديمي لمناقشة ظاهرة ما فإذا به يحرف الحديث شيئا فشيئا ليتكلم عن تمرد الانسان على المنظومة الدينية ويبرر ذلك باعتباره من أسباب تمرد الناس على القوانين وعدم الالتزام بها ، وبغض النظر عن مدى صدق هذا قول من عدمه فإنه يعبر بشكل ما هوس البعض بالتشكيك في وجود الله في أي مناسبة تتاح لهم وكذلك يعبر عن الحقيقة التي تقول بان معظم من صاروا يلجئون اليوم للإلحاد هو انهم يتخذون منه كشكل من أشكال التمرد على الوضع القائم اكثر من كونهم مقتنعين به كفكر ، فهؤلاء ما كانوا ليتخذوا من الإلحاد سبيلا لهم لولا وجود بعض الساسة المتنفذين ممن عملوا على التستر بغطاء الدين للنهب وسرقة ما يحلوا لهم من الخيرات والحقوق العامة ، ومن الملاحظات التي نود ان نذكرها حول هذا الموضوع هو ان الكثيرين ممن يتبنون الإلحاد اليوم سواء أعلنوا عن ذلك ام اخفوه هم ممن كانوا ملتزمين دينيا في اوقات سابقة من حياتهم ، وهؤلاء يعتقدون بأن ذلك شكل من اشكال التطور الفكري ، فقد تمكن هؤلاء بفضل التطورات التي حدثت في المجالات التكنولوجية خلال الأعوام الماضية من الاطلاع على كتب ونظريات كانوا محرومين من قراءتها حتى أمد قريب بسبب الأنظمة السياسية التي كانت تحكم والتي عملت على منعها وذلك ما جعلهم ينبهرون بما يقرأون فترى الواحد منهم يعتقد بأنهم قد عرف اسرار الكون وخرق الحجب وادرك كل الأمور والقضايا مما تخفى عن سائر الناس ، فأصبح هؤلاء يعبرون عن تمردهم على الاوضع المرزي بالشكل الوحيد الذي يستطيعون القيام به وهو التمرد الفكري من خلال تبني الإلحاد كأشد انواع التطرف المضاد للعقيدة الدينية التي يرون فيها سببا لكل او معظم المآسي التي نمر بها اليوم .
ونحن هنا نحاول ان نتحدث عن الالحاد وأن نلفت نظر أولئك المنبهرين بمعارفهم وما قراؤه من كتب الى ما قد تجلبه هذه الظاهرة من ويلات ومصائب على مجتمعاتنا في حال استشراءها لا سامح الله ، فنقول لهم ان كان دافعكم الوحيد للإلحاد هو هيمنة القوى الدينية على مراكز القرار والتذرع بانها سبب المآسي التي صرنا نعيشها اليوم فقد شهد العالم قبل اليوم نماذجا كثيرة من الانظمة المتقاطعة مع الدين وقد جرت هذه الانظمة المصائب والويلات على الشعوب والأمم التي حكمتها وكما حصل في الاتحاد السوفيتي السابق وبعض الدول الغربية . ثم هل عدمت الوسائل المختلفة للاحتجاج والتمرد الواعي حتى لجئتم لهذه الوسيلة ؟ اما كان الاجدى بكم فضح اللصوص المتسترين بالدين والمطالبة بالحقوق المشروعة بدلا عن سلوك هذا الطريق ! .
واذا كانت حجة من يسلك هذا الطريق هو عدم إثبات وجود الله بالعلم بعد ان قرأ عددا من النظريات التي قد تتعارض مع فكرة وجود الخالق فنرد عليه ونقول هل تحولت تلك النظريات الى قواعد حتى تشبثت بها بهذا الشكل ؟ ، وهل العلم والنظريات العلمية الا رمال متحركة في صحراء الكون الشاسعة ؟ ، كما اننا نعلم انه ما ان تبرز للسطح نظرية علمية حتى تأتي اخرى بعد مدة من الزمن قد يطول او يقصر فتدحضها وتلقي بها في سلة المهملات العلم ، وفضلا عن كل ما أسلفنا لنا ان نسأل هؤلاء فنقول لهم : أفلا ينبغي ان يكون لكم في تجارب الامم الاخرى عظة وعبرة ، وكيف ان الانسان عندما جرد من إيمانه بالإله في بعض التجارب البشرية تجرد من كل شيء وأصبح مجرد اداة لكسب منافعه الخاصة فيسعى بكل جهده للحصول على شهواته دون وجود ما يمنعه عن فعل ذلك بعدما فقد من إيمانه بكل شيء ! ،
وبعد كل هذا أفلا يحق لنا ان نسأل هؤلاء ترى اي خدمة ستحققونها لتقدم الإنسانية وصلاح احوال البشر في حال نشرتم ضلالكم بين الناس ؟ وآية خدمة ستقدمونها يا ترى للفقراء والمهمشين داخل مجتمعاتكم بهذا التمرد الأهوج غير المسيطر عليه ؟. ان تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين أبناء المجتمع وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص عن طريق نظام يمنح الحرية لأبنائه هو الذي سيضمن إيجاد حالة من التوازن النفسي لهؤلاء ويبعدهم عن مهاوي الالحاد الذي سيجر الويلات والمصائب على مجتمعاتنا في حال انتشاره لا سامح الله .