يمارس رجل السياسة، والنائب، في العراق، الوظيفة، والمنصب، طوال اليوم. وعلى مرّ الوقت، يدلي بالتصريحات، ويرسم العلاقات، ويهدّد بفتح الملفات، ويعاهد الجمهور بالإنجازات، ويحرص على الظهور على الشاشات، فيما يلغط تلفونه بمكالمات العمل والمسؤولية، على مرّ الدقائق والساعات، لتتراكم شحنات الإجهاد والإرهاق، على صحته الجسدية والنفسية.
ومهما تخالفنا حول مستوى الإنجاز الذي ينتجه هذه الجهد الطويل، وسواء قيّمناه باعتباره عملاً مثمراً، او جعجعةً من دون طحن، فانه من دون شك، عمل منهك، وبرنامج حياتي جاف، يرهق الجسم، ويكدّ الروح، ويقصّر الأعمار.
فضلا عن ذلك، فانّ العادة الجارية في العراق، انّ السياسي والمسؤول، يقضي جلّ وقته في المكتب بين الأوراق والضيوف، واذا خرج منه، استقلّ مركبته الفارهة، سعيا الى البيت لأخذ قسط من الراحة، هذا اذا ما قرّر عدم لقاء
الأصدقاء والرفاق، وشركاء السياسة والأحزاب والأحلاف، في جلسات نقاش، وجدل، طويلة.
على نقيض المشهد العراقي، الذي يغرب عنه الاسترخاء والاستجمام، وتجديد النشاط وكسر الروتين اليومي، كان بيل كلنتون، يعزف الساكسفون، ثلاث مرات في الأسبوع، ترويحا للنفس، وممارسةً للهواية، في خلال يومه المزدحم، حين كان رئيسا للولايات المتحدة.
ولم ينقطع توني بلير، وهو يزاول وظيفته كرئيس وزراء بريطانيا، عن العزف على الجيتار.
ويفتخر الروس بان رئيسهم بوتين، بطل رياضي، وصديق للكلاب، وسبّاح ماهر، ومقاتل بارع في رياضة الجودو، ينتزع الألقاب، ويحرص على الصحّة، التي تساعده على اتخاذ قراراته الاستراتيجية، بهدوء.
ويفصح الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن هواياته في خضم برنامج يومه المزدحم جدا، في المشي والسباحة، وتسلّق الجبال وممارسة كرة القدم.
رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، مارغريت تاتشر، كانت تحرص على إعداد الطعام بنفسها، ورفضت الاستعانة بطاه في منزلها.
وأصرّ رئيس وزراء تايلند السابق، ساماك سوندارافيج، على الاستمرار في تقديم برنامجه التلفزيوني عن الطبخ، على رغم منصبه الأول والأخطر في البلاد، وقد استمر عرض برنامجه التلفزيوني والإذاعي لمدة سبع سنوات متواصلة.
وعلى رغم مشاغل الدولة الألمانية، إلا ان ذلك لم يمنع المستشارة ميركل من الاستمرار في الهواية التي تعشقها وهي كرة القدم، وتشجيعها لفريق “بايرن ميونخ”.
لقد تحوّلت الهوايات الى عادات يومية، ضرورية، وواجبة، على رغم ضيق الوقت، وازدحام برنامج العمل، وهو أمر لابد للعراقيين من الاهتمام به ودفع سياسييهم ومسؤوليهم، ونخبهم الاجتماعية، الى الانفتاح على نشاطات حياتية بعيدة عن شؤون الوظيفة وهموم السياسة، لانّ الراحة المنظمة والاسترخاء يفيد في إدارة المسؤولية، بحيوية، تساهم في حل المعضلات واتخاذ القرارات الصحيحة، بعيدا عن ضغوط العمل السياسي والحكومي.
يستند هذا المقترح الى البحوث الصحية التي تفيد بان إدمان الهواية، يحسّن الأداء وطرائق التفكير، وينشّط وظيفة القلب والأوعية الدموية، والعيش لفترة أطول.
نحتاج الى سياسي، ونائب، ومسؤول حكومي يزرع النباتات، ويتجول بالدراجة، ويمارس الرياضة، بدلا من الغرق في دوامة العمل الروتيني، لاسيما وانّ واحدة من العلامات السلبية الدالة على مسؤولي العراق والدول العربية، هو تدلي الكرش، ومنضدة المكتب، والسيارة الفارهة.
عصرنة سلوك واداء السياسي العراقي، بات أمرا ضروريا وليس ترفا، من أجل شخصية أكثر صحية وتحضرا، بالتشجيع على الهواية وإظهارها الى الناس، لكي تصبح ثقافة عامة، تساهم في تفجير الابداع في الحياة اليومية الرتيبة.