25 ديسمبر، 2024 10:00 ص

تحمل مسألة التفكير والتأمل والكتابة حول العراق الكثير من الاشكاليات الذاتية والموضوعية التي تحيط بالكاتب العراقي ،فالعراق يبدو لغز محير لسكانه اكثر من كونه لغز للاخرين ،فاذا كان الاخر غير العراقي ينظر للعراق نظرة البلد الذي كان له دوراً كبير في الحضارة الانسانية من خلال اسهاماته الرائعة  التي احدثت تحولاً كبير في المسيرة الانسانية ،فالشعوب التي سكنت ارض العراق سبقت غيرها  في المجال المعرفي حتى اصبحت اسهاماتها بمثابة المشعل المعرفي الذي انار الطريق نحو المستقبل الانساني.

   اذا كانت هذه نظرة الاخر للشعب العراقي والتي بدأت تتغير خاصة وان الشعب الذي يسكن ارض العراق اليوم لايزل منذ اكثر من خمسين عام يعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري….الخ ،وحالة عدم الاستقرار هذه نجدها تعمل بصورة عنيفة على احداث حراك عنيف في منظومته القيمية والثقافية والسيكولوجية والاقتصادية والسياسية..الخ  .بحيث اصبح الفرد والشعب العراقي يعيش حالة عدم الاستقرار التي اصبحت تشكل له حالة طبيعية فرضت عليه الكثير من عمليات التكيف غير الطبيعية لكي يتمكن من الاستمرار في الحياة، مما شكل له ذلك حالة يصعب معها التنبوء بحركة الحاضر والمستقبل، بحيث  اصبحت الحالة الضبابية  هي السائدة في حياة الفرد العراقي.
   فالانقلابات العسكرية والحروب الخارجية وعمليات العنف والارهاب وانتشار الفقر والتهميش الاجتماعي والاقتصادي وانتشار الفساد بكل صوره وعدم استقرار مؤسسات الدولة والاضطرابات الكبيرة في عملية التحول في المجتمع وصراع القيم وتصادم الريف والمدينة وسوء الادارة وهجرة العقول وتفكك الطبقة الوسطى وقلة الكفاءات وهروب راس المال الوطني وضعف الاستثمار الخارجي ….الخ من الصعوبات التي كانت نتاج لمراحل طويلة من عمليات عدم الاستقرار في العراق،واذا كان عام 2003 يمثل نقطة تحول بالنسبة للعراق حيث شكل نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة ،مرحلة الكثير منها هو امتداد للمراحل السابقة التي ليس من السهل التخلص من سلبياتها كون الفرد والمجتمع هو نتاج حركة التاريخ وعمليات التفاعل التي تحدث في المجتمع بصورتها السلبية والايجابية، مما يجعل من مسألة الخروج من تلك المراحل السابقة ودخول الى مرحلة جديدة تتسم بالايجابية امر ليس بالسهل، خاصة وان  هذه المرحلة الجديدة التي لاتزال لم تتضح صورتها الكاملة حيث نجد عمليات التفاعل فيها تتسم بالشدة ولاتزال عملية التفكيك واعادة التشكيل تحدث الكثير من الهزات في المجتمع العراقي بحيث نجد العملية لاتسير في طريق يمكن  التنبوء باتجاه، فاستمرار الصراع على صورة وطبيعة وطريقة توزيع السلطة والموارد بين المكونات والقوى السياسية  والصراع  على شكل  الدولة ونظام الحكم والدستور  من جهة ، ومن جهة  اخرى لاتزال الكثير من المسائل مؤجلة لم تعالج لحد الان والمجتمع لايزال يعيش حالة من الخوف ولايزال الكثير من السكان مهجرين في الداخل والخارج ولاتزال خطط التنمية متعثرة ،نعم استطاع المجتمع خلال الفترة السابقة منذ 2003 ان يحقق بعض التقدم في وضع بعض الاسس الديمقراطية في بناء الدولة الحديثة والمتمثلة في كتابة دستور مقبول نسبياً من اغلبية الشعب ومرفوض من البعض  ،وكذلك استطاع ان يحقق تداول سلمي للسلطة سوء على الصعيد السلطة المركزية او الاقاليم والمحافظات واستطاع اجراء اكثر من عملية انتخابية اتسمت بالشفافية والنزاهة النسبية ،كذلك استطاع ان يضع اسس لعملية الفصل النسبي بين السلطات ، بحيث اصبح هنالك توزيع للسلطة سوء على الصعيد المكاني بين الاقاليم والمحافظات والمركز او على الصعيد الوظيفي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والتشريعية. لكن ما تحقق لايمكن الاستناد والاعتماد عليه لتأسيس دولة قوية تستطيع ان تحقق العدالة والمساواة لمواطنيها دولة قانون   لادولة طائفة او عرق او دين او دولة الحزب الواحد..الخ .وانما دولة تتسم باحترام مبدأ المواطنة ،دولة حداثوية متقدمة انسانياً واقتصاديا ..نعم للزمان والظروف الموضوعية التي تحكم عمليات التحول دوراً في طبيعة حركة الدولة فهي تساهم في تشكيل الكثير من الاطر والاسس التي  ترسم شكل الدولة والمجتمع العراقي القادم ،بالاضافة الى ان العراق كمجتمع ودولة يعيش  في منطقة رخوة استراتجياً تتسم بعدم استقرار سياسي حاد يتطلب الكثير من الحكمة والتدبر السياسي لتعامل معها حيث اي اختلال في عملية الموازنة في التعامل مع متغيراتها الكبيرة والسريعة تفرض تكاليف باهضة ربما ليس من السهل تحملها.والفرد العراقي وهو الاخر كانسان عاش فترات طويلة في حالة من الحرمان وعدم العدالة والكثير من الالم والمعانات التي تمس الذات وتحملها الكثير من الامراض النفسية التي ليس من السهولة تجاوزها والمجتمع العراقي لايزال يعاني  الكثير من المشاكل الكامنة في داخله التي سوف تظهر بمجرد ان تشهد البلاد مرحلة من الاستقرار النسبي ، حيث المجتمع الذي عاش الحروب  والاستبداد والعنف الطائفي والاهلي والجريمة السياسية والارهاب الذي خلف الكثير من الايتام والنساء الارامل والمعاقيين والمهجرين والمهاجرين  مع تراجع في مستويات التعليم والرقي الحضاري وانخفاض مستوى المعاشي. الخ.هذا الانسان الذي يدرك بانه يعيش في دولة تمتلك الكثير من الثروات ولكنه لم يحصل منها الا على الفقر والحرمان ، هذه الثروة لم تكن عامل في تفجير طاقات الانسان العراقي بقدر  ما كانت اداة في دفعه الى الاتكال على حلم الانتظار للحصول عليها، مما جعله يهمل عملية تطوير الميادين الاقتصادية الكبيرة التي توجد في العراق  مثل الزراعة والصناعة والتجارة  والسياحة والمعرفة..الخ هذه المجالات توفر اضعاف مايوفره النفط ،حيث نجد الكثير من الشعوب التي لاتمتلك نفط او اما يمتلكه العراق من ثروات استطاعات بالاعتماد على الموارده القليلة احراز تقدم كبير على العراق.
    ربما سوف يكون السؤال المطروح كيف الخروج من هذا المأزق وهل سوف نشهد حالة من الاستقرار وكيف يمكن للانسان العراقي الخروج من حالة التهميش الانساني والحضاري  ليعود انسان يكون له دوراً مهم في حركة التاريخ الانساني.وكيف يمكن ان نخرج بالمجتمع من حالة التصادم الى حالة السلام والامن ،وكيف يمكن ان نرمم الانسان والمجتمع العراقي؟

هذه الاسئلة وغيرها سوف تبقى تشكل تحدياً كبيراُ امام الباحثين والمفكرين وصناع القرار في العراق في ظل التحديات الكبيرة التي يحملها الانسان العراقي او المفروضة عليه من البيئة الداخلية والخارجية المحيطة به، اول شيء لابد ان ندرك حقيقة بان الاخر غير العراقي مهما كان لونه او انتمائه او مرجعيته سوف لن يمد لنا يد العون للخروج من حالة الضياع التي نعيشها الا بالشكل الذي يخدم مصالحه وكذلك علينا ان ندرك لكي يحترمنا الاخرون علينا ان نكون أقويا عقلانياً ومادياً وحضاريا،وعلينا ايضا ان ندرك بان قوة تماسكنا الداخلي هي من تعزز من قوتنا في الخارج ، وعلينا ان ندرك بان العراقي قيمه عليا يجب العمل على صيانتها وان ندرك حقيقة مهمة وهي ان مواردنا لنا جميعنا وليس لفئة او جماعة معينة..الخ تسخدمها لتمارس التهميش والاقصاء وعلينا ايضا ان نتعلم ان نتنازل بعضنا للاخر افضل من التنازل للاخر الاجنبي، وعلينا ان ندرك بان ثرواتنا كبيرة نكفي لنا جميعا وتزيد عن حاجتنا ونحن لايمكننا  ادارتها وانما نحتاج  الى الكثير من العقول و الايدي العاملة الاجنبية لتحقيق ذلك. وعلينا ان ندرك بان تعزيز عوامل الثقة فيما بيننا تعتبر مرتكزا اساسياً لبناء دولة قوية،وعلينا ان نعزز من دور القانون والسلطة القضائية وان نعطي هذه السلطة دوراً بارزاً في المجتمع والدولة، وعلينا ان نعمل على احترم الحرية التي تعتبر قيمة عليا ،وعلينا ان نجعل من المعرفة والعمل طريقنا في معالجة مشاكلنا ،فالمجتمعات التي لاتحترم المعرفة والعلماء لايمكن لها ان تتقدم ،خاصة والبشرية تعيش في مرحلة الثورة المعرفية التي اخذت  تشكل المعرفة  فيها مرتكزا اساسيا في تشكيل الكثير من ملامح الحياة المعاصرة.
   علينا ان لاننسى ونحن نكتب هذه الهوامش بان المجتمع العراقي بحاجة الى مشروع للحداثة  يمكنه ان يؤسس للمجتمع متمدن تقل فيه مظاهر التوحش الانساني  .هذا المشروع يعتبر واحد من اخطر التحديات التي لم ينظر لها لحد الان في ظل هذه المرحلة الانتقالية ،اما المشروع المطروح اليوم هو بفعل المؤثر الخارجي الذي له الدور الكبير في تشكيل الكثير من ملامحه ،ولكن هذا المشروع  يحتاج الى عملية اضفاء الصبغة العراقية عليه لكي  يجد قبولاً من المجتمع العراقي المحكوم بالكثير من السرديات الارضية والسماوية التي  يمكن ان تصبح منطلق للمشاريع تتصادم مع المشروع الحداثوي الجاري في العراق. نعم هوامش كثيرة تفرض علينا الكتابة عليها والاهتمام بها لكي يمكننا ان نؤسس لمتن يتسم بالرصانة والاستمرارية ويكون قادراً على توفير معالجات للمشاكل والتحديات التي سوف تواجه  المجتمع في المستقبل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات