23 ديسمبر، 2024 2:02 ص

هواجس الخوف وصراع الثيران

هواجس الخوف وصراع الثيران

هواجس الخوف تجعل قلبك يخفق، وتشغل فكرك فتمسي شارد الذهن، فاقد التركيز، تريد العزلة والإنطواء، والإبتعاد عن الآخرين، وإذا إستمرت معك تلك الهواجس ستكبر بسرعة، وتظهر ملامح الشيخوخة في تعابير وجهك، ويشتعل رأسك من الشيب مبكرا، فكيف تكون أذا كنت ترى مظاهر الخوف أمامك كل يوم ؟

لاشك في انك ستكره الحياة، تكره الظروف التي جاءت بك في هذه الأوضاع، تلعن التاريخ والجغرافيا، تنقم من الواقع المزري، تفكر في الهجرة، تراودك نفسك في الإنتحار، يُقتل الإبداع في داخلك، تغضب.. تنفعل، ترفع صوتك محاولا إبعاد شبح الخوف، تصرخ من وجع قلبك، تؤلف أغنية حزينة، تكتب مقالا تلعن الأسباب والمسبب، ترمي قميصك وتركض في الشارع حافيا، محاولا رمي حجارة على عدو مفترض، تضع لثاما على وجهك وتحرق الإطارات، رافعا يديك معلنا الإنتصار ، تعود الى بيتك منتشيا بالفوز، فتجد هواجس الخوف إلتفت لك من مكان آخر!

أعظم إنتصار هو أن تواجه خوفك.. فتنتصر عليه، هكذا فعلنا حين واجهنا الحروب الطائفية، التي أخذت منا الكثير، والمآذن صارت تعلو منها صرخات الخوف، بدلا من صوت التكبير، لكن سحب الخوف تجمعت، وعادت يصحبها الموت، أحرقت وهدمت ومزقت، فأنتفضت لها الصدور العارية، وركض صوبها رجال حفاة، فأخافوا الخوف وهزموا الموت، وأورقت دماءهم عشبا أخضر، وضحكات ملأت شفاه الأطفال، وبطولاتهم صارت حكايات ترويها العجائز في ليالي الشتاء، وإنتصاراتهم فخرا تتباهى به الأجيال.

بعد إنقشاع الغيوم، وزوال الهموم، بقي الخوف حاضرا، لحضور أسبابه، والفرحة لم تكتمل، فرغم الدعوات والمناشدات، وكثير من الخطب والبيانات، ما زالت تجارة الخوف رائجة، وزعامات الحروب ترفض أن تضع سلاحها، فهي كالأسماك تموت اذا خرجت من الماء، لكنها تريد أن تأخذنا معها.. كي نموت.

هكذا بتنا نرى أشباح الموت تمشي معنا، ترتدي لباس الدولة، تحمل سلاح الدولة، وتركب سيارات الدولة، لكنها تتظاهر ضد الدولة، وزعمائها يقودون الدولة، لكنهم لا يعترفون بالدولة، لا تدري اذا صرت معهم هل أنت مع الدولة أم ضدها، وإذا صرت مع الدولة هل انت معها أم معهم، هم الاصدقاء والأخلاء في النهار والأعداء في الليل، هم القادة وهم السادة، هم الساسة وأصحاب القرار، هم رجال الحروب وصناع السلام، هم الدولة واللادولة.

يستعرض فريق منهم، فنحمل الأعلام ونصفق، ويستعرض فريق آخر فنحمل الورود ونحيي، هكذا أصبحت شوارعنا، تطلق فيها الثيران من حظائرها، لتصل الى حلبة المصارعة، وتجري الناس أمامها، لا يكاد يسمع صراخها من الرعب.