انتشرت في وسائل الإعلام المحلي والتواصل الاجتماعي إعلانات تدعوا الطلبة الناجحين في احد الأدوار الثلاثة التقديم للقبول في الكليات الأهلية بمعدلات غير تنافسية ( منخفضة ) تبلغ 82% لطب الآسنان والصيدلة و60% أو اقل للقانون .و50% لإدارة الأعمال مع إعطاء تسهيلات في دفع الأجور الدراسية على طريقة التقسيط ، وحسب تلك الإعلانات فان الكليات الأهلية موضوعة البحث على استعداد لتقديم مختلف التسهيلات للطلبة الراغبين ، منها تيسير انجاز معاملات قبولهم فيها وإبقاء دوام الكليات مفتوحا لخدمتهم من الساعة الثامنة صباحا ولغاية الساعة الثامنة مساءا ، وهي أمور ايجابية ولكنها تشير إلى ضعف الإقبال على الدراسة وعدم تمكن العديد من الكليات الأهلية من إشغال كامل الطاقات الاستيعابية وخطط القبول التي حددتها الأجهزة المعنية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، والسؤال الذي طرحه البعض يتعلق بمدى قدرة أصحاب هذه المعدلات الواطئة في الإيفاء بمتطلبات الدراسة في كليات طب الأسنان والصيدلة ( مثلا ) لان الكليات الحكومية لم تقبل معدلات تقل عن 95% في الاختصاصات المناظرة ، كما طرحت تساؤلات عن أسباب ذكر معدل 50% للقبول في أقسام إدارة الأعمال ولماذا لم يتم استبدلاها بعبارة أكثر ملائمة لضمان عدم إحباط وإحراج الطلبة المقبولين بهذا التخصص في الدراسات الحكومية والأهلية ، سيما وان تصريحات صدرت من جهات مسؤولة في الحكومة الجديدة مفادها إن البلد لا يعاني من مشكلات مالية وإنما من سوء الإدارة ، وقد سبقهم لذلك العالم بيتر دروكر الذي قال في حينها ( لا توجد دول نامية بالمعنى الصريح ولكن توجد دول لا يدار فيها الاقتصاد بالشكل الصحيح ) ، وهمس البعض في داخله هل إن حلول العراق متوقفة على الخريجين من أصحاب الخمسينات ؟! .
لقد صدعت رؤوس العراقيين خلال السنوات الثلاث الماضية بعبارات تتعلق بتحقيق الرصانة العلمية في الجامعات وإعادة المكانة للتعليم العالي ليكون بمستوياته السابقة ولم تخلو مخاطبات ولقاءات ومواجهة طلبات مشروعة إلا وذكرت تلك العبارات ، ولكن ما تم جنيه فعلا هو التوسع بمنح إجازات فتح الكليات الأهلية وصدور قانون التعليم الأهلي الجامعي والتوسع في خطط القبول ، فالجامعات الحكومية وكلياتها وأقسامها وفروعها ازدادت عددا وطاقة في الاستيعاب كما أوجدت وزارة التعليم العالي قنوات متعددة في القبول منها إيجاد ما يسمى (التعليم الموازي ) الذي هو عبارة عن تمييز طبقي وتحويل جزء من التعليم المجاني إلى تعليم بالملايين وليس مجانيا بما يتعارض مع الدستور وفي الدراسات العليا اوجدوا الدراسة على النفقة الخاصة للهروب من بعض شروط القبول كالعمر والمعدل ، كما تم التوسع بالدراسات المسائية التي هي ليست مسائية بحق لان اغلبها تنهي فعالياتها قبل الغروب وتم رفع أجورها الدراسية ، ولإرهاق الطالب أصبحت الانقسام الداخلية بأجور ( رمزية ) وتم تخصيص جزءا من المقاعد لعوائل المتضررين وغيرهم من الفئات ، أما الدراسات في الكليات الأهلية فقد تم التوسع بها ( بواقع الدراستين الصباحية والمسائية ) وتتم إجازتها للتدريسيين بشروط لايقل عددهم عن 7 – 9 وهي جامعات وكليات تختار مواقع وأبنية متميزة لجذب الطلبة وتكلف مليارات الدنانير ولا نعلم كيف تحول التدريسي إلى مليونير أو ملياردير بين ليلة وضحاها إن لم يبيع حصته إلى مستثمرين ( محليين ) يتوقع لهم مستقبل واعد في مجال التعليم الجامعي ، وما يثير الإعجاب في الرصانة العلمية إن أجهزة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تخضع بعض الدروس في الصفوف المنتهية إلى الامتحان المركزي بتوقيت واحد وأسئلة مركزية رغم إن فروقات المعدل عند القبول تتجاوز 25% في بعض القنوات .
وهناك أسبابا عديدة تقف وراء لجوء الكليات الأهلية للإعلان عن قبول الطلبة بمعدلات متدنية في الأقسام الطبية والهندسية وغيرها ، أولها عدم وضوح الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الأجهزة المعنية في وزارة التعليم العالي في توسيع منح إجازات التأسيس للتعليم الجامعي فهل إن الغرض هو تنافسي أو تكاملي أو لتعويض الدراسة المحلية عن الدراسة في الخارج وثانيها هو ضعف المعلومات عن العلاقة التعاونية بين التعليم الحكومي والأهلي لتوفير مقعد دراسي جامعي لكل خريج وإذا كان هذا هو الهدف فان عدد المقاعد الجامعية حاليا يفوق عدد الخريجين من الدراسة الإعدادية وهي علاقة مشوشة حاليا بسبب انخفاض نسب النجاح من الدراسة الإعدادية فهي لا تتجاوز 50% في الأدوار الامتحانية الثلاثة لذا فان هناك مقاعد فارغة في التعليم الجامعي الحكومي والأهلي والسبب الثالث هوان الإقبال على التعليم الجامعي ليس بقوة الدافعية كما في السنوات السابقة لارتفاع تكاليف الدراسة وزيادة نسبة الفقر ومحدودية التعيين في الوظائف الحكومية وانخفاض المكانة الاجتماعية للشهادة الجامعية ورابعها إن هناك من لا يدرك تمام الإدراك بان التعليم الجامعي الأهلي هو استثمار مالي إلى جانب الفوائد العلمية والاجتماعية آخذين بنظر الاعتبار إن بعض الجهات تتدخل في شؤون الجامعات من حيث القبول والأجور والزى الموحد والامتحانات وغيرها من الأمور التي من المفترض أن تتبعها الكلية الأهلية من باب المسؤولية بدلا من فرض الوصايا عليها وخامسها حرص اغلب الكليات الأهلية في بلوغ الأرقام والنسب المثبتة في دراسات الجدوى الاقتصادية من حيث تامين تدفق النقد الداخل لتغطية الرواتب والأجور والإيجارات والاندثار والتحديث والطاقة وغيرها من النفقات إلى جانب تحقيق العائد المادي واسترداد رأس المال .
ولغرض إعادة الأمور إلى سياقاتها العلمية والتربوية وبهدف إعداد الطلبة وتزويدهم بالمعارف والمهارات ولكي يكون الشباب منتجين فعليين للطاقات ويتمتعون بالإسهامات الوطنية المطلوبة لابد من المحافظة على الغايات من تأسيس التعليم الجامعي الأهلي من خلال قيام وزارة التعليم العالي بربط موافقاتها على الاستحداث بخطط التنمية المستدامة وإعطاء هامشا أوسع من المرونة في مجال الأداء الايجابي والمبادرة والإبداع ويمكن الاستفادة والاسترشاد بما حققته بعض الكليات الأهلية في هذا الخصوص خلال السنوات السابقة ، وفي المقابل يجب التدخل لمنع تحويل التعليم الجامعي الأهلي بان يكون هدفه الأكبر هو تجاري وتحقيق الإرباح والإسراع في استرجاع رأس المال ، ومن الضروري بمكان أن إيكال الإدارة الحقيقية إلى الملاكات التدريسية المشهود لها بالكفاءة والوطنية والرصانة العلمية ومنع أية محاولات لتهميشهم وإبقاءهم في الظل لقاء دفع مدخولات معينة باستثمار أسمائهم لغرض الحصول على الإجازات والمشروعية من قبل فئات تحاول إن تهيمن على التعليم الأهلي ، ومن حق المستثمرين إن يدخلوا هذا القطاع بصفتهم المالية بشرط عدم إفراغ التعليم من محتواه ، كما إن من حقوق الأجهزة المعنية بممارسة الرقابة والمتابعة والمحافظة على المعايير المطلوبة بطرق وأساليب علمية وتربوية بعيدة كل البعد عن الفساد والمجاملات فالمصلحة العليا يجب إن تعلو على كل الغايات الأخرى لا سيما وإننا نتعامل مع فئة الشباب الذين أحوج ما يكونوا إلى الرعاية والقدوة الحسنة والمثل العليا لتشجيع البحث العلمي والإبداع وتجسيد حب الوطن والتضحية في سبيله والتآلف مع الآخرين كالعائلة وإيجاد علاقة متوازنة مع الزملاء من الذكور والإناث وإبداء الطاعة والاحترام والولاء للتقاليد والقيم الجامعية واحترام الأستاذ الجامعي ومن بمعيتهم كون الجميع يمثلون أسرة متوحدة الأهداف .
واحتراما للمكانة الجامعية والسمعة العلمية الطيبة التي نتمناها لجامعاتنا ، نتمنى أن تختفي ظاهرة الإعلانات بالشكل الذي ساد في العام الحالي والذي يتباهى بقبول الطلبة بمعدلات أدنى في دراسات مرموقة ، بحيث تركز الإعلانات ( مستقبلا ) على الانجازات التي تحققها الجامعات والكليات من خلال عطاء وتميز طلبتها وأساتذتها والاختراعات والاكتشافات التي أحدثتها والشهادات وبراءات الاختراع التي حصلت عليها وتصنيفها داخل وخارج العراق والإضافات التي يمكن أن تفخر بها شخصية الطالب الذي ينتسب إليها ، واغلبها قادرة على تحقيق هذه الأهداف عندما يكون قوامها من نخب الأساتذة الذين افنوا زهرة شبابهم في بناء ما يثلج الصدور ويثير الفخر، فهؤلاء الأساتذة هم من أنجزوا كل ما هو مشرق في عراقنا كما إنهم نقلوا تجربتنا إلى دول المنطقة والعالم بحيث تتذكرهم الأجيال بالبنان وفي هذا الصدد يجب إبعاد الفاشلين الذين يتم اللجوء إليهم لأنهم يرتضون بابخس الأجور ، ويحق لنا التباهي بطلبتنا الإعزاء الذين واصلوا دراستهم رغم الظروف الصعبة التي مروا بها هم وعوائلهم الكريمة خلال العقود السابقة ، وآخر أمنياتنا هو اختيار العبارات الدقيقة والأهداف القابلة للتطبيق وليس إطلاق الشعارات التي قد تصلح للهوسات الشعبية ولكنها تصطدم بالواقع لأنها تقفز من فوقه أو تمر من تحته دون أن يتحقق إلا القليل الذي لا يترشح منه الشيء المفيد .