23 ديسمبر، 2024 10:35 ص

(هنري كامبل بنرمان)؛أخطر مؤتمر في القرن العشرين

(هنري كامبل بنرمان)؛أخطر مؤتمر في القرن العشرين

مؤتمر(هنري كامبل بنرمان),والذي يجهل خطورته وأهميته وتفاصيله الكثيرون من العرب, و(بنرمان),هو رئيس وزراء بريطانيا بين 1905-1907. وضمَّ المؤتمر؛ ممثلين عن الدول الاستعمارية الأوربية, حينذاك, وهي: انكلترا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بلجيكا وهولندا، إلى جانب كبار علماء الأديان, والتاريخ, والاجتماع, والاقتصاد, والجغرافيا. وخلصوا بعد اجتماعات مكثفة الى إن مصدر الخطر المستقبلي على الدول الاستعمارية، يكمن في المنطقة العربية الواقعة؛ شرق وجنوب البحر المتوسط, فهي مهد الأديان والحضارات لشعب يتميّز ب: وحدة التاريخ, واللغة, والدين, والثقافة, والهدف, مع كثافة سكانية, وثروات طبيعية هائلة ومتنوعة.
ورأى المؤتمر ضرورة العمل على ابقاء وضع تلك المنطقة؛ متخلفاً ومفكّكاً وضعيفا. ولتحقيق ذلك, دعا لإقامة دويلة على أرض فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ, يفصل الجزء الأفريقي منها عن القسم الآسيوي, والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه (الشعوب), وكان قرار انشاء اسرائيل (كدولة عازلة), تفصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا, هو التجسيد العملي لقرارات المؤتمر المذكور, والذي سبق (وعد بلفور), بعشر سنوات.
ويمكننا القول: إن كثيراً مما وقع في القرن العشرين من أحداث متعلقة, هو تنفيذ لمقرراته. ففي هذه المنطقة, لا يُسمح ببروز أيّ قوة عربية اسلامية ناهضة, بل يتم سحقها ووأدها على الفور. وما حصل للعراق, باعتباره قطب الرحى في أيّ مواجهة مع اسرائيل, من تآمر,منذ 1980-2003,لإشغاله, واستنزاف قواه, ما هو إلاّ جزء من تلك الخطط الخبيثة, والتي أشدها خبثاً كان إيصال خميني لحكم إيران سنة 1979, والدور التخريبي الذي فعله, لتشتيت الجهد العربي وإلهائه.
وربَّ سائل يسأل؛ لماذا لا ننتصر على اسرائيل, وهي نقطة في بحر عربي-اسلامي ؟ّ!..وماهو سرّ قوتها واستعصائها أمام هذا الحشد الكبير من الجيوش العربية, والتي هُزمت في جميع حروبها معها, منذ ثلاثة أرباع القرن؟
إن السبب الأبرز هو الضعف والتفكك, وعدم التهيؤ والاستعداد, والجهل بالعدو, وخيانة معظم الحكام العرب, أو بطانتهم. يقول الخبير العسكري والحكيم الصيني؛(سون تزو:551-496 ق.م.),في كتابه؛(فن الحرب)؛(اعرف عدوك واعرف نفسك تستطيع أن تخوض مائة معركة دون المجازفة بهزيمة واحدة، وحين تكون جاهلا بالعدو وعارفا بنفسك فان فرص النصر والهزيمة تكون متساوية، أما ان كنت جاهلا بعدوك وجاهلا بنفسك فمن المؤكد أنك ستهزم في كل المعارك هزيمة نكراء).
في سنة 1957، زار الصحفي الهندي الشهير؛(كارانجيا), اسرائيل، وأجرى حديثاً مطوّلا مع موشي دايان، وزير الحرب آنذاك، وشرح (دايان) للصحفي الهندي؛ ان إسرائيل, في أيِّ حرب مقبلة, ستدمّر الطائرات العربية في قواعدها بضربة خاطفة، ثم تصبح السماء ملكا لها، وتحسم الحرب لصالحها. فتساءل كارانجيا باستغراب؛ كيف تكشفون خططكم بهذه الطريقة؟, فرد عليه دايان ببرود؛ (لا عليك فالعرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يطبّقون)!!.
وفي العام نفسه, أصدر(كارانجيا) كتابه الخطير؛(خنجر إسرائيل)، روى فيه تلك المقابلة، وعندما وقع عدوان 5 حزيران 1967, طبّق الجيش الإسرائيلي كل تصوّرات دايان بحذافيرها التي ذكرها في مقابلته تلك، وكانت توقعاته دقيقة، فلم يقرأ تلك المقابلة أحد، ولم يستعد لها أحد، وإن قرئت كأنها لم تُفهم، وإن فُهمت، فلم يتم تطبيق ما فُهم منها.
وعلى ذكر(دايان), فهناك مقولة منسوبة له, مفادها؛ لا أخاف من العرب مهما جمعوا من السلاح والعتاد, لكنني سأرتجف منهم إذا رأيتهم يصطفّون بانتظام لركوب الباص!!. ومقولة أخرى؛(يميل العرب إلى خداع أنفسهم وخداع غيرهم, وهم يقومون بذلك عن غير عمد, إنهم يعيشون في عالم من الأوهام, كالذي يتعاطى الحشيش ليوهم نفسه بأنه يعيش في الفردوس, ويميل العرب إلى التحدث عن أمجاد الأجداد مثل صلاح الدين ومعارك حطين واليرموك, وحينما يفعلون ذلك فإننا نبتسم لأنهم يرون أنفسهم في مرآة الماضي, أما نحن فإننا نراهم في مرآة الحاضر, ليتهم يسألون أنفسهم لماذا يتحدثون دوماً عن عظماء ماضيهم ولا يجدون في حاضرهم أحداً من العظماء يتحدثون عنه؟). وبغض النظر عن حقيقة تلك المقولات,وهل قالها(دايان),أم لا. ولكنها في كل الأحوال, تصف الواقع العربي المرّ, بدقة شديدة.
وقبل سنوات قليلة, تم الكشف عن أكبر جاسوس جنّدته اسرائيل, ونقل لها معلومات بالغة الأهمية, على مدى عشر سنوات(1968-1977), وكان أخطرها ابلاغها بساعة الصفر لحرب تشرين 1973. إنه؛(أشرف مروان), زوج إبنة جمال عبد الناصر, والذي لم يقبض منه المصريون والعرب, سوى التهريج والشعارات الخاوية, توّجها بهزيمتين منكرتين في 1956, و1967, وكانت الثانية كارثة بكل معنى الكلمة.
وذكرت صحيفة(هآرتس)العبرية؛ أن حزمة الوثائق التي نشرها مؤخرا أرشيف إسرائيل بمناسبة الذكرى الـ48 لاندلاع (حرب أكتوبر)، كشفت أن (الموساد) تلقى من عميله المصري عبر اتصال لاسلكي في 12-10-1973, بيانات مهمة جداً بشأن خطط الجيش المصري في سيناء. وقال زامير؛رئيس (الموساد)في ذلك الحين:(من خلال تقديم هذه البيانات الاستخباراتية، أنقذ هذا الضابط[أشرف مروان] إسرائيل من الهزيمة الأكثر فداحة في تاريخها)!!.
ويذكر(هيكل),في كتابه؛(كلام في السياسة), ص132: ان الملك الاردني حسين, زار(جولدا مائير), رئيسة وزراء اسرائيل, سراً يوم 25 -9- 1973,أي قبل عشرة أيام من حرب تشرين, وحذّرها من إن مصر وسورية تستعدان للهجوم على اسرائيل, ولكن(مائير), لم تحمل هذا النبأ على محمل الجد. كما ان مدير الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية, الجنرال (ايلي زائيرا),قد أكّد هذه الواقعة نفسها, في مذكراته عن حرب 1973, والتي نُشرت بالعبرية فقط.
وفي ص309 من الكتاب نفسه, ينقل هيكل عن الكاتب الشهير(بوب وود وارد)في جريدة(واشنطن بوست)الامريكية؛(من أن الملك حسين, يعمل لحساب وكالة المخابرات المركزية الامريكية منذ بداية سنة 1957, ويتقاضى راتبا سنويا قدره مليون دولار, إلى جانب مليون دولار أخرى رصدتها الوكالة لمصاريف اضافية لحسابه وبإسمه)!!.
وحسب كتاب هيكل السابق نفسه, في الصفحات؛333-338؛ ان القمم العربية التي عقدت في المغرب في عهد ملكها؛ الحسن الثاني, كان (الموساد), يطّلع على محاضرها السرية!!. وليس هذا فقط, بل تم تمكينه من الحصول على التسجيلات الكاملة للاجتماعات المغلقة للزعماء العرب, بواسطة أجهزة متطورة يتم زرعها بشكل سرّي في قاعة الاجتماعات, ويتم السيطرة والتحكم من خلال غرفة ملاصقة لمكان الاجتماع. وكل ذلك يجري بعلم وموافقة الملك, الذي يخلع على نفسه لقب (أمير المؤمنين)!!, ويزعم انتسابه لآل البيت!!. ويشغل منصب شرفي اسمه؛(رئيس لجنة القدس)!!. وهذا يفسّر العدد الكبير من القمم التي ضيفتها المغرب خلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي, والتي وصلت لعشر قمم عربية وإسلامية.
فكيف نرجو النصر, ولم نوفّر أسبابه. وإذا كانت (الجبهة الداخلية) مخترقة اسرائيليا, من القمة إلى القاعدة ؟!!.