12 أبريل، 2024 8:35 م
Search
Close this search box.

هنا الانبار..الفتنة الكبرى مرت من هنا!

Facebook
Twitter
LinkedIn

 فوجئت وانا اشاهد حشود الانباريين وهي تتهادى على الجسر المشترك الواصل بين بغداد والانبار وتهتف  بذاكرة ايام الفتنة وتحمل لافتات موتورة وتصرخ امام وجوه الكاميرات العراقية خصوصا كاميرا (فضائية الفلوجة) وهي محطة تلفزيونية جديدة يملكها رجل اعمال عراقي..فوجئت بالشعارات واللافتات وخلت الامر زلزالا مدويا يتعدى الازمة التي اشتعلت المنطقة على وقعها تلك التي تتعلق باطلاق سراح فتيات ونساء عراقيات من سجون الداخلية اتهمن بارتكابات ارهابية وعلى خلفية اعتقال حمايات وزير المالية د.رافع العيساوي!.
بعد لحظات فجعت واحسست اننا في مدينة حلب وليس على الطريق السريع حين لاح (علم الاستقلال السوري) الذي حملته الجماعات المسلحة والمتظاهرون السوريون وكأن المطلوب من وراء هذه التظاهرة احياء العصيان السياسي السوري الذي بدأ قبل سنتين من الان بالتظاهرات المطالبة بالاصلاحات السياسية وتغيير مضمون العمل بالحكم البعثي الذي استمر ل42 فكيف والاصلاحات العراقية متوقفة والجماعة (ميريدون) اصلاح والرئاسة العراقية غير قادرة على الحل فضلا عن كون الرئيس يرقد في احدى المستشفيات الالمانية ومنسوب المياه التي تدفقت في الشوارع اعلى من منسوب التظاهرات الانبارية؟!.
بعد لحظات وضعت يدي على قلبي حين سمعت خطيبا من الذين اعتلوا منصة الخطابة والكلام وقيادة التظاهرة وهو يرتجز ويقول..هاهي ملامح انتصاراتكم تلوح في الافق ايها الاخوة المعتصمون والمتظاهرون حين من الله تعالى عليكم بالامطار الغزيرة وهاهي بغدادهم تفيض عليهم ويغرقون بسبب مياه الامطار!!.
ساعتها تذكرت خطباء دير الزور وحلب وحماه وهم يستهضون همم الناس ويوغرون صدور عشرات الالاف من السوريين بالحقد والكراهية ثم ينسحبون الى بيوتهم للعبادة وقراءة الاحكام الشرعية الخاصة بالحيض والنفاس والميراث واحكام البيع والاجارة ويتركون الشباب في مرمى نيران القوات الحكومية التي تعتبر هؤلاء هم المحرضين والمتوترين والقتلة والمجرمين والخارجين عن القانون وليس اؤلئك الذين حرضوا وانسحبوا بعد نهاية التظاهرة!؟
انا اعرف رافع العيساوي واعرف السيرة السياسية يوم كان كادرا متقدما في الحزب الاسلامي ثم شكل تنظيم حماس العراق الخاص بمواجهة القوات الامريكية لكنني اشعر ان المسالة اخذت مديات اكبر حين انعدم التمييز بين المقاومة الحقيقية والعمل على البعد الطائفي في مقاومة القوات الامريكية ويقال – وهو ماقراته في جريدة الناس – ان الرجل متورط بعمليات ارهابية وهو كلام بحاجة الى دليل اثبات والمسالة في النهاية لايبت بها الا القضاء العراقي لكن ماظهر ان الملف تحول من قضية حمايات الى مسالة سياسية تمس صميم العمل على انشاء اقليم (سني) وهو السقف الاعلى الذي تروج له فضائية الفلوجة منذ ان ظهرت على التلفزيون وتولت على الفور الترويج لتظاهرات (الاقليم).
المواقف السياسية التي ظهرت بعد ذلك لم تكن كافية لسد ثغرة الخطورة السياسية والطائفية التي راها العراقيون على التلفزيون ولم يستطع لا التحالف الوطني ببيانه المتوتر الذي تلاه العطية ولا الاراء التي اخذتها الفضائيات العراقية لنواب سنة او نواب ينتمون الى القائمة العراقية من استيعاب زخم التوتر على الطريق الدولي بين بغداد والانبار اذ ان المعالجين من كلا الطرفين عالجوا المسالة السياسية وهذا الشقاق الطائفي الذي لم تشهده محافظة الانبار بردات الفعل الطائفية المماثلة شيعة في مواجهة سنة وسنة في مواجهة تكتلات سنية موازية!.
مايجري في الانبار يتحمله اثنان ..الطائفيون في المحافظة والمتوترون في بغداد!.
اذا بقينا بمستوى ردود الافعال التي ظهرت في مربع الصورة التلفزيونية وماسال على لسان الشيخ العطية وماسال على السنة شيوخ التحريض في الانبار فاننا بالتاكيد سائرون الى الحرب او المواجهات السياسية التي لاتنتهي وقد تفعلها تركيا وتتدخل او تفعلها قطر وترسل الاموال حيث تتحول من دولة مجهرية الى دولة فاعلة في الملف العراقي وفي محور مشروع اقامة الاقليم السني وكما عربدت وتعربد للان في المحور السوري ستصول وتجول في المحور العراقي وعلى امتداد المساحات الشاسعة الواسعة التي تحملها جغرافية الانبار!.
فشل شيوخ الاسلام السني كما فشل شيوخ الاسلام الشيعي من استيعاب المشكلة وراحوا يتطاحنون تحت مراى ومسمع ومرمى التلفزيونات ودوائر المخابرات العربية التي تتربص بالعراق وتشتغل على كيفية النفوذ الى المسالة العراقية لقتل التجربة الوطنية التي يشعر العراقيون من خلالها انها لهم وان تعثرت بسبب سوء الادارة وكثرة الفاسدين والاهم وجود الطارئين على عمل الدول والحكومات والقيادة السياسية..ان هذا الفشل دليل واضح على عدم وجود حقيقة اسمها مشايخ للاسلام السني والاسلام الشيعي قدر ماهنالك ادعياء ومحرضون يقاتلون كل من موقعه الوحدة الوطنية باسم الدفاع عن العراق واللحمة المجتمعية باسم الدفاع عن السيادة المنتهكة والاعراض المستباحة!.
الدور هنا دور مرجعيات دينية فاصلة في التاريخ مكانتها فاصلة وقولها فصل ولافاصل بينها وبين الناس الا هذا الذي اجراه ملك الحبشة حين لاذ المسلمون باكناف دولته بعد ظلم قريش!.
كنت اظن ان التجربة الدينية في الانبار والوسط كفيلة بدرأ المخاطر وازالة الالتباسات الفكرية والطائفية التي قد تحصل في اطار هذا التحول الفكري والسياسي الكبير في العالم العربي (الربيع العربي) الا انها قدمت لنا نموذجا سيئا في الاحتكام للكراهية والبقاء في خنادق الدفاع عن الراي ولا راي اخر غيره مايعني ان علماء الطائفتين ربما يكونوا واحدا من اسباب تراكم الفتنة بين ابناء الشعب الواحد والا كيف يمكن للعالم الرباني الذي يدرك مسؤوليته الشرعية والتاريخية والوطنية في شعبه وامته ويسمع ويقرا ويرى مايجري من كراهية وتثوير للفتنة الطائفية بين المسلمين ولايتحرك او يمارس نفوذه الديني في المسلمين مع ان النفوذ الذي يملكه لايملكه لنفسه ولايحق له ان يحتفظ به ولايتحرك به ومن خلاله على قضايا الامة لان الموقع ليس ولن يكون تشريفا لاحد قدر ماهو دور ووظيفة يمارسها الانسان المسلم لتاسيس العدالة والحرية ووأد الفتنة بين المسلمين؟!.
هنا اسال.. متى يظهر العالم علمه والمفكر الاسلامي فكره والمرجعيات الدينية قيمة النفوذ الاجتماعي والروحي الذي تمثله خصوصا في فتنة حقيقية تجتاح العراق من اقصاه الى اقصاه ام ان العلماء الذين تحشدوا في الانبار يدركون مسؤولياتهم الشرعية وعلماء الشيعة لايعرفون قيمة نفوذهم الروحي ومسؤولياتهم المجتمعية في طائفتهم؟!.
ماجرى ان المنصة التي ادارت عملية التظاهر في الانبار احتشدت بالعمائم واللافتات والخطباء من كافة انحاء الانبار بينما اكتفى التحالف الوطني ببيان يتيم لايخلو من استفزاز للطرف الاخر بسبب التوتر الذي جرى بفعل رفع الشعارات المتطرفة ونسي التحالف الوطني ان التظاهرة الانبارية كانت ترفع صور نساء معتقلات ساقهن مخبر او تقرير او واقع فعلي جرمي الى سجون الداخلية وان الغضب مصدره النساء والاخوة يعرفون ان المسالة (النسائية) صعبة لدى الفريقين الشيعة والسنة لكنها تتراكم لتصبح عبوة ناسفة عند اهل الانبار بالنظر لما عكسته التجربة السابقة لهم من عنت امريكي واعتقالات بالجملة بسبب مشاركة بعض النساء في عمليات الاعانة واسناد الارهاب والبعض الاخر تم اعتقالهن من دون ذكر الاسباب الموجبة.
اقولها بلا افتراء على احد .. ان المرجعيات الدينية لم تتحرك بالشكل الذي يأد الفتنة واذا قيل لنا ان هنالك بيانات صدرت من مكاتب المرجعيات الدينية اعربت عن الاستنكار والشجب مثلا وادانت التصرفات غير الاسلامية واثارة النعرات الطائفية ودعت الى الوحدة الوطنية فنحن نقول ان هذا لايكفي بلحاظ حجم الازمة والمشكلة والفتنة التي تتهدد العراق بالتقسيم والتفتيت مع ان الاسلام يدعو المرجعيات الدينية في المفارقات التاريخية والفترات الصعبة الى اظهار العلم (وعلى العالم ان يظهر علمه) والعلم هنا في تفسيري المتواضع اظهار مايمتلكه المرجع الديني من نفوذ وتأثير في اوساط جمهور المسلمين بغية درأ الاخطار المحدقة بالامة ومواجهة التحدي القائم واعادة اللحمة الوطنية وعدم ترك الامور تجري كما يشاء السياسيون!.
هل ان مايجري من سكوت في ظل تصاعد موجة العنف الطائفي دليل على اظهار العلم ام ان المسالة ترك للساحة بيد السياسي الذي اساء للمذهب والطائفة والامة وفتح العراق على مشروع مؤامرة عربية كبيرة والعالم يعرف قيمة مايفرضه هذا الامر من  اذى  في حياة الامة؟!.
جاء الوقت الذي يقول المرجع للسياسي كفى بعد ان ترك العالم الحياة السياسية وادارة تصريف الدولة لطبقة من السياسيين الذين قادوا البلاد الى الفوضى والتفتيت والصراعات مع كل فئات الشعب العراقي وهم يعتقدون انهم يدافعون عن العراق وشعبه والقانون ولم يعرفوا انهم دمروا العراق وفتتوا لحمته الوطنية وقزموا حجم الانجاز التاريخي بسقوط الظام العراقي واقامة اول تجربة ديموقراطية دستورية في التاريخ الحديث في العراق والمنطقة العربية.
نحن بحاجة الى عقل اعلى نستنير برايه ونتوجه لبناء الدولة على هداه ووفق رؤيته وطبقا لتوجيهاته بعد ان اعيتنا العقول الناقصة والمتوترة وغير القادرة على ادارة الحياة العراقية وهي حياة يتوسطها 30 مليون مواطن عراقي يتوزعون على قوميات واثنيات ومذاهب وتيارات اجتماعية وسياسية مختلفة ومن دون عقل اعلى وارادة سياسية لرمز يقود المسيرة يكون قادرا على استيعاب الناس جميعا وفق روحه القيادية الكبيرة مثل مانديلا والامام الخميني ومارتن لوذر كينغ وماو سيتونغ ولومومبا فاننا قادمون على زلزال اجتماعي لن يتوقف الا على جثة العملية السياسية وانجاز وجود دولة دستورية.
شخصيا فقدت الثقة بالطبقة السياسية الحالية واترقب بشغف طلوع طبقة سياسية وطنية تاتي عبر الانتخابات المحلية والتشريعية القادمة واذا لم تات تلك الطبقة الوطنية فان العراق الذي تمنينا هطوله كما مطر بغداد الذي هطل على العراق كله  فان الحياة بهذا البلد ستكون اقرب الى الجحيم منها الى الحياة الطبيعية!.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب